بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية في كتابه (( خلاصة الكلام في أمراء البلاد الحرام )).
غزوة الوهابية العراق سنة 1216 ء 1225هـ وإعادتهم فاجعة كربلاء
وفي سنة (1216هـ) جهَّز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي جيشاً عظيماً من أعارب نجد وغزا به العراق وحاصر كربلاء، ثم دخلها عنوة وأعمل في أهلها السيف ولم ينج منهم إلا من فر هارباً أو اختفى في مخبأ أو تحت حطب ونحوه، ولم يعثروا عليه ، وهم جيران قبر ابن بنت رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم السبط الشهيد، ونهبها وهدم قبر الحسين عليه السلام واقتلع الشباك الموضوع على القبر الشريف، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر ، ولم يرع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لذريته حرمة، وأعاد بأعماله ذكرى فاجعة كربلاء ويوم الحرة وأعمال بني أمية والمتوكل العباسي، ويقول أهل العراق ء وهم أعلم بما جرى في بلادهم ء: إنه ربط خيله في الصحن الشريف، وطبخ القهوة ودقها في الحضرة الشريفة.
دخول الوهابيين الطائف عنوة سنة 1217هـ وفظائعهم فيها
... فدخلوا البلد عنوة في ذي القعدة سنة (1217هـ) وقتلوا الناس قتلا عاماً حتى الأطفال، وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أمه، وكان جماعة من
أهل الطائف خرجوا قبل ذلك هاربين فأدركتهم الخيل وقتلت أكثرهم وفتشوا على من توارى في البيوت وقتلوه، وقتلوا من في المساجد وهم في الصلاة، ودخل نيف وعشرون رجلا إلى بيت الفتنى ومائتا رجل إلى بيت الفعر وامتنعوا عن التسليم وقاتلوا ثلاثة أيام ، فراسلهم ابن شكبان بالأمان وقال: أنتم في وجه ابن شكبان وعثمان، وأعطوهم العهود فكفوا عن القتال، فأرسلوا جماعة أخذوا منهم السلاح وقالوا: لا يجوز للمشركين حمله، ثم أمروهم بالخروج لمقابلة الأمير، فأمر بقتلهم فقتلوا جميعاً بقوز يسمى: دقاق اللوز.
وكان في بيوت ذوي عيسى نحو الخمسين متترسين يرمون بالرصاص فأخرجوهم بالأمان على النفس دون المال ، فسلبوهم وأخرجوهم إلى وادي وج وتركوهم فيه مكشوفي السوأتين ومعهم النساء ، حتى رموا عليهم أطماراً بالية ثم عاهدوهم بعد ثلاثة عشر يوماً على التوهب، فصاروا يتكففون الناس فيعطى السائل الحفنة من الذرة يقضمها.
وصارت الأعراب تدخل كل يوم إلى الطائف وتنقل المنهوبات إلى الخارج حتى صارت كأمثال الجبال، فأعطوا خمسها للأمير واقتسموا الباقي، ونشروا المصاحف وكتب الحديث والفقه والنحو في الأزقة، وأُخبِروا أن الأموال مدفونة في المخابي، فحفروا في موضع فوجدوا فيه مالا، فعندها حفروا جميع بيوت البلد حتى بيوت الخلاء والبالوعات، ثم ارتحل ابن شكبان وبقي عثمان أميراً على الطائف، وكتبوا إلى سعود يخبرونه بذلك، فسر به سروراً عظيماً، وكان مبرزاً بالدهناء مسير سبعة أيام عن الدرعية يريد غزو العراق.
استيلاء الوهابية على مكة بدون حرب سنة 1218هـ
وفي ثامن المحرم وصل سعود محرما فطاف وسعى ونحر من الإبل نحو المائة، ونزل في بستان الشريف الذي في المحصب، وفي اليوم الثاني لوصوله نادى مناديه باجتماع الناس غدا ضحوة النهار، فاجتمعوا وصعد على أعلى درج الصفا والمفتي عن يمينه والقاضي عن شماله، فحمد الله وأثنى عليه وقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأنجز وعده، وأعز جنده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. الحمد الله الذي صدقنا وعده، وسكت .
ثم قال: يا أهل مكة أنتم جيران بيته، آمنون بأمنه، وسكنى حرمه، وأنتم في خير بقعة، اعلموا أن مكة حرام ما فيها لا يحتلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها، وإنما أحلت ساعة من نهار، وإنا كنا من أضعف العرب، ولما أراد الله ظهور هذا الدين دعونا إليه وكل يهزأ بنا ويقاتلنا عليه، وينهب مواشينا ونشتريها منهم، ولم نزل ندعو الناس للإسلام وجميع من تراه عيونكم ومن تسمعون به من القبائل إنما أسلموا بهذا السيف ورفع سيفه تجاه الكعبة.
وقد كنت في هذا العام غازياً نحو العراق، فلما سمعت ما وقع من المسلمين بغزوة الطائف وأقبلوا عليكم يغزونكم، خفت عليكم من العربان والبادية، فاحمدوا الله الذي هداكم للإسلام وأنقذكم من الشرك، وأنا أدعوكم أن تعبدوا الله وحده، وتقلعوا عن الشرك الذي كنتم عليه، وأطلب منكم أن تبايعوني على دين الله ورسوله، وتوالون من والاه، وتعادون من عاداه، في السراء والضراء، والسمع والطاعة.
ثم جلس فبايعه الشريف عبد المعين ثم المفتي ثم القاضي ثم بقية الناس على طبقاتهم. ثم قال: انتظروني بعد صلاة العصر بين الركن والمقام لأبين لكم الدين وشرائط الإسلام، ثم انصرف، فلما كان العصر اجتمعوا فصعد على ظهر زمزم ومعه المفتي، فجعل يعلمه وهو يعلم الناس ويقول: اعلموا أيها الناس أن الأمير سعوداً يقول لكم إن الخمر والزنا حرام ... إلى آخر ما قال، مما لا يجهله أحد، ثم قال لهم في غد: اهدموا القبب والأصنام حتى لا يكون لكم معبود غير الله.
هدم الوهابية القبور والقبب بمكة وحملهم الناس على معتقداتهم سنة (1218هـ)
وفي الصباح بادر الوهابيون ومعهم كثير من الناس بالمساحي، فهدموا أولا ما في المعلى من القبب وهي كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد أبي بكر، وعلي، وقبة السيدة خديجة.
وفي تاريخ الجبرتي: أنهم هدموا أيضا قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة، والأبنية التي هي أعلى من الكعبة.
وتتبعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين فهدموها ، وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون ويبالغون في شتم القبور، ويقولون: إن هي إلا أسماء سميتموها، حتى قيل: إن بعضهم بال على قبر السيد المحجوب.
دخول الشريف غالب مكة وخروج الوهابيين منها سنة 1218هـ
... ثم أرسل الشريف جنداً إلى قرن فجاءهم جند كثير من قبل عثمان فعادوا إلى مكة ودخلت ثقيف في طاعة عثمان، فجهز الشريف عليهم عسكراً فقتل منهم وأخذ حلتهم ومواشيهم، ثم توجه المضايفي وابن شكبان لقتال هذيل الشام، فقتلوا من هذيل وسلبوا النساء، ثم أرسلوا إلى بني مسعود وهم في جبلهم ليتوهبوا فلم يقبلوا، ووقع القتال فقتل بنو مسعود من الوهابية نحو السبعمائة، ثم صعد الوهابية الجبل وقتلوا من أدركوه، ثم نزلوا ونادوا بالأمان فعاد إليهم من بقي من بني مسعود، فأخذ منهم ابن شكبان غرامة شيئا كثيرا.
ثم غزا المضايفي الأشراف بني عمرو أهل اللفاع، وقامت الحرب بينهم حتى قتل من الأشراف ستة وعشرون، ونهبوهم وسلبوا نساءهم حتى جردوها من الثياب، فطلبوا الأمان وتوهبوا، ثم أقبل المضايفي وابن شكبان لحصار مكة فلما وصلوا السيل نهبوا كل ما في طريقهم من المواشي واقتسموه، وكان أمير الحاج الشامي سليمان باشا مملوك أحمد باشا الجزار، فطلب منه الشريف غالب إبقاء طائفة من العسكر لحماية البلد الحرام، ويقوم الشريف بلوازمهم فأبى، ثم قَبِلَ بواسطة أمين الصرة أن يبقي مائة وخمسين مع مائة وخمسين جملا بما عليها من لوازم القتال.
تشديد الوهابية الحصار على مكة
وقال العلامة محسن الأمين: وفي المحرم سنة (1220هـ) ارتحل الوهابيون الذين بالوادي إلى أطراف مكة، فقاتلهم العبيد الذين في الأبراج حول مكة من الظهر إلى الغروب، وقتل من الوهابيين سبعة، فتوجه الوهابيون إلى الحسينية، وأخذوا مواشيها وقتلوا من أهلها أحد عشر رجلاً.
نهب الوهابية ذخائر الحجرة النبوية وهدم القباب بالمدينة المنورة سنة 1221هـ
وفيها أخذ الوهابي كل ما في الحجرة النبوية من الأموال والجواهر، وطرد قاضيي مكة والمدينة، وأقام لقضاء مكة الشيخ عبد الحفيظ، ولقضاء المدينة بعض علمائها، ومنعوا الناس من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال الجبرتي: لما استولى الوهابيون على المدينة المنورة هدموا القباب التي فيها وفي ينبع، ومنها قبة أئمة البقيع بالمدينة، لكنهم لم يهدموا قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكة، وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبوية وجواهرها حتى أنهم ملئوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاة بالماس والياقوت العظيمة القَدْر، ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ماس تضيء في الظلام، ونحو مائة سيف لا تقوم قراباتها، ملبسة بالذهب الخالص، ومنزل عليها ماس وياقوت، ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك، ونصلها من الحديد الموصوف، وعليها أسماء الملوك والخلفاء السالفين، وطرد الوهابية أغوات الحرم والقاضي الذي كان قد توجه لقضاء المدينة واسمه: سعد بك، وخدام الحرم المكي، وقاضي مكة، فتوجه مع الشاميين.
وقال الجبروتي في حوادث سنة 1222هـ: في هذه السنة أخبر الحجاج المصريون أنهم مُنعوا من زيارة المدينة المنورة.
هجوم الوهابيين على سورية سنة 1225هـ
عن تاريخ الأمير حيدر الشهابي أنه في هذه السنة هجم عبد الله بن سعود الوهابي على بلاد حوران فنهب الأموال، وأحرق الغلال، وقتل الأنفس البريئة، وسبى النساء، وقتل الأطفال، وهدم المنازل، وعاث في الأرض فسادا، حتى قيل: إنه أتلف في تلك البلاد ما قيمته ثلاثة آلاف ألف درهم.
قتل الوهابيين الحاج اليماني سنة 1341هـ
في هذه السنة التقى الوهابيون بالحاج اليماني وهو أعزل من السلاح وجميع آلات الدفاع، فسايروهم في الطريق وأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم، فلما وصلوا إلى سفح جبل مشى الوهابيون في سفح الجبل واليمانيون تحتهم، فعطفوا على اليمانيين وأطلقوا عليهم الرصاص حتى قتلوهم عن بكرة أبيهم، وكانوا ألف إنسان، ولم يسلم منهم غير رجلين هربا وأخبرا بالحال .
وأراد السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار على عادته في تلفيق الأعذار عن أفعال الوهابيين الاعتذار عن هذه الفعلة الشنعاء، فقال في مجموعة مقالاته (( الوهابيون والحجاز )): (( إن الملك حسينا كان أرسل حملة على منطقة عسير بعد وفاة السيد محمد علي الإدريسي الذي كان قد تخلى عنها لسلطان نجد، وفي
أثر تنكيل الوهابية بحملته هنالك، وقعت حادثة حجاج اليمن الذين اعتقد الوهابيون أنهم نجدة منهم، فأطلقوا عليهم الرصاص، وبعد أن عرف الأمر اعتذر السلطان عبد العزيز للإمام يحيى عن هذا الخطأ، واتفقا على حفظ المودة بينهما بتعويض مقبول معقول.
هجوم الوهابيين على الحجاز وفظائعهم في الطائف سنة 1342هـ ء 1924م
في أوائل هذه السنة هجم الوهابيون على الحجاز وحاصروا الطائف ومعهم الشريف خالد بن لؤي من أشراف مكة المعادين للملك حسين، وأحد عمال السلطان ابن سعود، ثم دخلوها عنوة وأعملوا في أهلها السيف، فقتلوا الرجال والنساء والأطفال، حتى قتلوا منها ما يقرب من ألفين بينهم العلماء والصلحاء، وأعملوا فيها النهب، وعملوا فيها من الفظائع ما تقشعر له الأبدان، وتتفطر القلوب، نظير ما عملوه في المرة الأولى كما سبق، وممن قتلوا من المعروفين الشيخ عبد الله الزواوي مفتي الشافعية بصورة فظيعة، وقتلوا جملة من بني شيبة سدنة الكعبة المكرمة كانوا مصطافين في الطائف، وجاءت الأخبار بارتكابهم فظائع لا يليق ذكرها، وأن السلطان ابن سعود لما سئل عنها لم ينكر وقوعها لكنه اعتذر بما وقع من خالد بن الوليد يوم فتح مكة، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ))، ثم أخذوا ما وراء الطائف من المعاقل الحصينة، وأهمها الهدى وكرى.
هدم الوهابيين القباب والمزارات بالحجاز عام 1342هـ
لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس، كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قباب عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها، والطائف ونواحيها، وجدة ونواحيها، من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها.
ولما حاصروا المدينة المنورة هدموا مسجد حمزة ومزاره، لأنهما خارج المدينة، وشاع أنهم ضربوا بالرصاص على قبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم أنكروا ذلك، ولما بلغ ذلك مسامع الدولة الإيرانية اهتمت له غاية الاهتمام، واجتمع العلماء وأكبروا ذلك، وجاءتنا إلى دمشق برقية من خراسان من أحد أعاظم علماء المشهد المقدس بالاستعلام عن حقيقة الحال، ثم قررت الدولة الإيرانية بموافقة العلماء إرسال وفد رسمي إلى الحجاز لاستطلاع حقيقة الحال، فرفع الوفد إلى دولته تقريراً بما شاهده في الحجاز من أعمال الوهابيين.
ولما استولوا على المدينة المنورة خرج قاضي قضاتهم الشيخ عبد الله بن بليهد من مكة إلى المدينة في شهر رمضان سنة (1344هـ)، ووجه إلى أهل المدينة سؤالا يسألهم فيه عن هدم القباب والمزارات، فسكت كثير منهم خوفا، وأجابه بعضهم بلزوم الهدم، وسيأتي ذكر السؤال والجواب إن شاء الله في فصل البناء على القبور.
وإنما أراد بها السؤال تسكين النفوس لا الاستفتاء الحقيقي، فإن الوهابيين لا يتوقفون في وجوب هدم جميع القباب والأضرحة حتى قبة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، بل هو قاعدة مذهبهم وأساسه، وبعد صدور هذا السؤال والجواب هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والأضرحة والمزارات، فهدمة قبة أئمة أهل البيت بالبقيع، ومعهم العباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجدرانها وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين على قبورهم، وصرفوا على ذلك ألف ريال مجيدي، ولم يتركوا غير أحجار موضوعة على تلك القبور كالعلامة، وهدموا قباب عبد الله وآمنة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأزواجه، وعثمان بن عفان، وإسماعيل بن جعفر الصادق، ومالك إمام دار الهجرة، وغير ذلك مما يطول باستيفائه الكلام