الزمن الكر بلائي

الحر بن يزيد الرياحي
والحسم التاريخي

كمال الغزالي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

كثير هي الإغراءات والمطامع التي قد تطيح بالإنسان في مقابل دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها قال( ص) " إنما الأعمال بالنيات وإنما مكل مريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". وقد تغتفر هده المطامع لكن من الصعب أن يسقط الإنسان المسلم على حساب دينه وعقيدته تلك ادن الطامة الكبرى . هكذا تخبرنا الملحمة الكبرى والحسم التاريخي لكربلاء المقدسة من كان واقفا شامخا مدافعا عن الدين ومن سقط مدافعا عن الظلم والظلمات وهكذا يكون الاصطفاف الثوري في لحظات الحسم التاريخي .
لقد شكلت كربلاء بمجدها المدوي لحضتا تاريخيتا رسمت من خلالها خطين متباعدين خط الحر و خط ابن سعد - وهدا الأخير لم يكن سوى ابن الصحابي المشهور سعد بن أبي وقاص والطامع- في بلاد الري والجرجان في مقابل قتل الحسين (ع) "وما أحسن أن يصل إليها بثمن اقل من ابادت بيت الرسول وتلويت سمعت أسرته هو ابن الصحابي المشهور فاتح إيران والمهاجر البدري أيضا.
كانت معركة كربلاء المقدسة بنفحات الأرواح الطاهرة وبالرغم من مقتل الإمام الحسين (ع) من الثورات الخالدة شهد لها المسيحي والعلماني . لان الثورات لا تحقق أهدافها إلا بإحدى الحالتين الحالة الأولى يتحقق الانتصار من خلال قياداتها على المستوى القصير أو باستشهاد قيادتها والتي تكون مستقبلا مفتاح الثورة والتغيير. هكذا على المستوى البعيد والشاهد على دالك أن الحسين ( ع) حينما وقع شهيدا كان دالك نصرا غير مرئي في عالم الغيوب واليزيد بن معاوية اعتبره نصرا في عالم الشهود قال تعالى " عالم الغيب و الشهادة ". وهكذا شهد التاريخ ثورات عديدة للانتقام من مقتل ابن فاطمة الزهراء فكان منهم حركة التوابين و ثورة الصحابة في المدينة وثورة المختار الثقافي... ولأننا نرى أن ثورة الحسين لم تتوقف بقتله بل كانت امتدادا عبر الزمان والمكان فكان أول امتداد في الزمان الكر بلائي والمكان في قصر يزيد بن معاوية عليه لعنت الله والملائكة والناس العاقلين
بحيث وقفت زينب ( ع) في تحد لا مثيل له ".. فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يحرض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي إلا لعنة الله على الظالمين.".
لم يكن الحر إلا ضابطا من الضباط الكبار في المؤسسة العسكرية في دولة الأمويين أملت عليه وظيفته أن يكون على رأس الجيش "فقد كان قليل الاستعداد في هدا السبيل وقد دلت سيرته على انه فارس الطريق الأخرى أد أن مجرى الحياة ومقتضيات الظرف قد قادته إلى هدا الطريق من حيث لا يشعر . ولم يكن خطر بباله قط أن يكون اتصاله بخدمة الجهاز اليزيدي مشاركة اليزيد في أعمال الجريمة وكل ما في الأمر انه كان يرى دالك "شغلا"يتعاطاه ووسيلة يتوصل بها إلى المعاش بحيث لا يتنافى مع الدين ولا يرتبط بالسياسة (1.)

و هدا الأمر صحيح كل الصحة لان الحر لم يكن مع الحرب لحسم الخلاف بين ابن الرسول وابن مرجانة عليه لعنة الله فحينما برز الجيش الأموي على ارض القتال أشار الحر إلى زميله في المؤسسة العسكرية لبني أمية عمر ابن سعد إلى امكانيت أن يحل الأمر بالتسوية فأجابه بن سعد " لو كان الأمر إلي لقبلت ولكن أميرك عبيد الله ابن زياد أبى دالك " وابن زياد لم يكن مقتنعا بالتسوية لكنه كان يحاول إحراج الحر من خلال ذكره الأمير ( أي السمع والطاعة) ومما يؤكد دالك حينما واصل الحر محاورته قائلا " أمقاتل أنت هدا الرجل" - أي الحسين - فأجابه عمر ابن سعد أي والله أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتقطع الأيدي . من هنا بدأت تتشكل القناعات بين الفريقين الحر في مقابل ابن سعد وقد ترتب عن هاتين القناعتين قلق عند الحر واطمئنان عند ابن سعد لكن القلق ليس دائما قبيحا كما أن الاطمئنان ليس حسنا فنحن هنا أمام القبح والحسن العقليين . أما القلق مفاده أن الحر أمام خيارات متعددة الأول خيار شهودي أي حصول الترقية والتقرب إلى السلطان والخيار الثاني خيار غيبي موضوعه الجنة والنار لأنه أدرك انه سيقاتل ابن بنت رسول الله (ص) مهبط الوحي والتنزيل. اد القلق عند الحر ألزمه خياران خيار الغيب وخيار الشهود مما دفعه إلى طرح السؤال الفلسفي ما هي "مبررات وجوده كانسان " انه يحس تغييرا عميق في فطرته انه أخد في خلق ماهيته و اتخاذ شخصيته انه يكتشف وجودا لنفسه ومن هنا كان يحس انه يبتعد بسرعة عن أقربائه ويصبح غريبا عن معارفه ويرى نفسه وحيدا في هدا الجموع"(2)- وبالفعل جره سؤاله عن الكينونة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها فانحاز إلى المعسكر الحسين ( ع) بخطى ثابتة تختزل حركة التاريخ بين الخير والشر بين خط قابيل وخط هابيل . فهل بمقتل هابيل انتهى خط الصلاح؟. لدالك نجزم أن المواقف الايجابية التي دافع عنها الإنسان الحر تبقى خالدة ما دامت السماوات والأرض قبل طيها حتى وإن ما ت حاملها فان الأحرار سيحملونها ويحولونها إلى شعار بها تشرق شمس الحرية .
لقد جسد الحر بن يزيد الرياحي الموقف الصحيح عند مفترق الطرق فكثير ممن ضل عن سبيله. لكن الحر استحضر العقل الظاهري و العقل الباطني ليساعداه على الاختيار الصحيح عند داك المفترق فقال كلمته الشهيرة لأحد مرافقيه في جيش بني أمية وهو مهاجر بن اوس " إني أخير نفيسي بين الجنة والنار والله لا اختار على الجنة شيء ولو قطعت وأحرقت".

هكذا صعدت روحه الطاهرة إلى السماء العلى قبل استشهاده بقليل لتتلقاه الملائكة بالقبول والرضوان من الله العزيز الرحمان مصداق لقول النبي ) ص) "... وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها."
وفي رواية عن عدي بن حرملة قال الحر بن يزيد الرياحي والرواية طويلة "....جعلني فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هدا المكان ’والله الذي لا اله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت علبهم أبدا ولا يبلغون منك هده المنزلة .... واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى دالك لي توبة قال- أي الحسين- نعم يتوب الله عليك ويغفر لك .-(3)

في المقابل كان الاطمئنان الذي سكن عمر بن سعد إلى النار بقتله الإمام الحسين اد فضل رضا اليزيد بن معاوية على رضا الله تعالى وهو يقول " اشهدوا الأمير أنى أول من رمى" والمفارقة الكبرى أن عمر بن سعد هو أول من رمى أهل البيت بسهم وأبوه بن أبي وقاص أول من رمى العدو بالسهم في الإسلام . قال تعالى" منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة". وهكذا دخل الحر بن يزيد الجنة من بابه الأوسع ودخل النار عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد واليزيد بن معاوية النار من بابها الأوسع فكان الحر حقا حرا كما قال الحسين (ع) ولدتك أمك حرا فأنت حر في الدنيا والآخرة.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا الجلل . ونعزي صاحب العصر والزمان الإمام الحجة محمد بن الحسن العسكري المهدي (ع) وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام

المراجع

1- الحر إنسان بين خيار الفاجعة والفلاح. د علي شريعتي
-2- المصدر نفسه
-3 معالم المدرستين.
ج2 ص 122. مرتضى العسكري.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الحرّ كان نموذجا للقرار الحاسم في وقت الحسم... فهنيئا له و سلام عليه يوم ولد و يوم استشهد و يوم يبعث حيا

مشكور اخي أبو آية و عظم الله اجورنا و اجوركم

» موقع (يوم الجمعة) في نهر الزمن- اية الله السيد مرتضي الشيرازي