zainab90 عضو مميز
تاريخ التسجيل : 18/10/2009 عدد المساهمات : 108 العمر : 43
| موضوع: سمات المجتمع الرسالي الخميس 09 سبتمبر 2010, 23:45 | |
| عبّر القرآن الكريم عن ملامح النبي(ص) بقوله تعالى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} هذه هي الصفة التي يقدّمه الله بها إلى الناس، ولم يقدمه بصفته العائلية أو النَسَبية، لأن الله لا يريد للناس أن يرتبطوا به من خلال قيمة النسب والعلاقة بالعائلة.. لذا قدمه بصفته الرسالية، ليبقى الناس مع شخص الرسول في خط الرسالة، لا مع الشخص ـ الذات في الخط الذاتي، ليتفاعلوا مع رسالته، وليمتد تفاعلهم بها إلى ما بعد حياته، لأن الرسول يبقى برسالته من حيث الدعوة ومن حيث القدوة، أمَّا الشخص، فإنه يموت بموت الجسد، ويتحول إلى مجرد ذكرى.
مواصفات المؤمنين بالله ورسوله
أما عن مواصفات المؤمنين الذين كانوا مع النبي في حربه وسلمه، في المسجد، وفي ساحات يثرب كلها، في سفره وحضره، هؤلاء الذين عاشوا معه واعترفوا بنبوّته، والتزموا بقيادته، وشاركوا في دعوته، وتألّموا معه، وعاشوا المعاناة في خط مسيرته...، فإن القرآن الكريم يحدثنا عنهم بأنهم {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} بالتزامهم الإيمان ودفاعهم عنه، ووقوفهم ضد كل من يريد تأكيد قوة الكفر وإضعاف الإيمان.. وشدّتهم هنا ليست حالةً لا إنسانيةً، تمثل القسوة والتعصب والانغلاق، بل هي حالة إنسانيةً غرضها الانفتاح على الإنسان من مواقع الحق الذي يمثله الإيمان، لإغناء قيم الحرية والعدالة وتحريكها في آفاق الانفتاح على الله، لتكون عنصراً إيجابياً في معنى تعزيز الإنسانية بدلاً من أن تكون عنصراً سلبياً مضمونه الكفر.
وفي ضوء ذلك، نفهم أن الشدّة هنا ناظرة إلى مواقع المسلمين في ساحة الصراع لا إلى موقعهم في ساحة الدعوة، أو في ساحة التعايش، أو في أجواء الحوار، وهم كذلك {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} من خلال روحانية الإسلام الذي يشدّ جميع الناس إلى بعضهم البعض، ليكونوا كالجسد الواحد، تتفاعل المعاناة بين أعضائه، وتنساب الرحمة في كل خلاياه، انطلاقاً من الخط الاجتماعي الذي أراد الله للمؤمنين أن يسيروا عليه في بناء علاقاتهم الاجتماعية، وهو خط التواصي بالمرحمة، بكل ما يعنيه ذلك من تبادل المشاعر الرحيمة والأحاسيس الحميمة والتكافل الاجتماعي.
هؤلاء المؤمنين كانوا قد جسدوا إخلاصهم وعبوديتهم بالله في أبهى مظاهرها، وذلك عن طريق الركوع والسجود، الذي يعبر عن ركوع الكيان كله له، وسجود العقل والروح والوجدان والحياة كلها لعظمته، بما يوحيه ذلك من روحانية فيّاضة بالطهر والحب والصفاء والنقاء، وذلك قوله تعالى{تراهم ركَّعاً سجّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} فهم مشدودون إلى الله في كل حاجات الحياة المادية والمعنوية، لا يتطلعون إلى غيره في أيٍّ من حاجاتهم، ويتطلعون إليه بأحلامهم في الحياة الآخرة حيث ينتظرون لطفه ورضوانه، ما يجعل حياة المجتمع الإسلامي مرتبطةً بالله في جميع أوضاعها العامة والخاصة.
وكان السمة البارزة لدى هؤلاء السجود لله تعالى الذي ترك تأثيره البارز على صباهم {سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ} في ما جاءت الإشارة فيهما إليهم عند الحديث عن رسول الله وأصحابه، {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} وهو أفراخ الزرع المتولدة منه، {فَآزَرَهُ} أي: فأعانه، {فَاسْتَغْلَظَ} أي أخذ في الغلظة من حيث الحجم، {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} أي استطال على ساقه، {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} الذين ينظرون إليه فيجدون فيه زرعاً قويّاً يانعاً مثمراً.
وهذا تصوير للمجتمع المؤمن الذي يتكامل ويتنامى ويقوّي بعضه بعضاً حتى يشكل قوّة كبيرة في العدد والعدّة {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} الذين تزعجهم الوحدة التي تشمل أفراد المجتمع الإسلامي والقوّة المتمثلة فيه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} لأن الإيمان والعمل الصالح هما الأساس الذي يرتكز عليه رضى الله عن عباده، وتنطلق منه المغفرة، ويُستحق عليه الجزاء الكبير في ثواب الله سبحانه.
وقد أثير حديث حول شمول هذا الوعد الإلهي لجميع الصحابة أو اختصاصه بالمؤمنين العاملين بالصالحات، وذلك بالسؤال عن كلمة «منهم»؛ هل هي للتبعيض، كما هو الظاهر، وهو رأي يتبناه أصحاب القول الثاني، أم أنها بيانية، كما يقول أصحاب القول الأول، الذين يواجهون الردّ بأن «من» البيانية لا تدخل على الضمير مطلقاً في كلامهم؟
ويضيف أصحاب القول الثاني إلى هذه المناقشة، أنه «لو كانت العِدة بالمغفرة أو نفس المغفرة شملتهم شمولاً مطلقاً من غير اشتراطٍ بالإيمان والعمل الصالح وكانوا مغفورين ـ آمنوا أو أشركوا، وأصلحوا أو فسقوا ـ لزمته لزوماً بيّناً لغويّة جميع التكاليف الدينية في حقهم وارتفاعها عنهم، وهذا مما يدفعه الكتاب والسنة، فهذا الاشتراط ثابت في نفسه وإن لم يتعرض له في اللفظ، وقد قال تعالى في أنبيائه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] فأثبته في أنبيائه وهم معصومون، فكيف فيمن هو دونهم».
ويردُّ أولئك على هذا التعليق، أن الآية تتحدث عن واقع الصحابة، لا عن حالةٍ مطلقةٍ لتخضع للاحتمالات المتنوّعة، وبالتالي لتوضع لها الشروط هنا أو هناك على هذا الأساس، فهي شهادةٌ من الله بأنهم واجدون لهذه الصفات، بقرينة صدر الآية.
وقد نلاحظ على ذلك، أن القرآن يتحدث عمن كان مع النبي (ص)، أنهم قد ينكثون وقد ينحرفون، وقد تحدث عن الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، وعن الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، وغيرهم، في الوقت الذي لم يدّع أحد العصمة للصحابة لا نظرياً، ولا واقعياً، والله أعلم.
ويفرض الإيمان بالله واليوم الآخر، أن لا يحاد المؤمنون الرسول(ص) وهذا ما تحدث عنه القرآن في قوله تعالى:{لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لأن الإيمان بالله واليوم الآخر يمثل خطّاً للفكر والعاطفة والحياة، كما تمثل المحادة لله ورسوله خطّاً آخر في هذه المواقع، ما ينعكس على المواقف والعلاقات الخاصة التي تحمل الرفض للفكر المضادّ، وللموقف المعادي، وللإنسان المتمرِّد الحاقد، فلا يجتمع في وعي الإنسان المؤمن وموقفه الانفتاح على الله وعلى رسوله وعلى دينه والموادَّة المخلصة المنفتحة على المعادين لهم بالموقف والعاطفة، لأن ذلك يمثل اجتماع الشعورين المتنافرين، كما يفرض التقاء الموقفين المتضادَّين في ما تفرضه طبيعة كلٍّ منهما من شعورٍ وموقف.
وعلى ضوء ذلك، فإنّ كلّ واحدٍ منهما ينفي الآخر، ما يعني أن الإيمان موقفٌ ينفي الودّ الفكري والروحي والعملي لمن حادَّ الله ورسوله {وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} فلا قيمة لصلة القرابة، مهما كانت قريبة، أمام مسألة العقيدة، فقد تفرض عليه العقيدة في مواقف التحدي أن يقتل الإنسان أباه أو ولده أو أخاه أو أفراد عشيرته إذا وقفوا في الموقف المعادي للإسلام وللمسلمين، كما حدث لبعض الصحابة في معركة بدر، وكما حدثنا القرآن الكريم عن موقف نوح من ولده وعن موقف إبراهيم من أبيه. وهذا هو الخط الذي يريد الإسلام للإنسان المسلم أن يقف عنده ويتحرك فيه، ليكون منفصلاً عن كل المواقع المضادة للإسلام، في عملية رفضٍ فكري وعملي، يؤكد على الحاجز الفاصل بين الإسلام والكفر، لتكون المواقف تابعةً له.
ويؤكد القرآن أن على الإنسان الذي وصل إلى تلك المرحلة من التفاني لله ورفض من يحاد الله، إنما مرجعه عمق الإيمان بالله وذلك قوله تعالى:{أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} من خلال عمق الفكرة والشعور، بحيث كان الإيمان هو العنوان البارز الثابت في واجهة العقل والروح، فلا فراغ فيها لغيره، مما يتصل بالكفر فكراً وشعوراً، {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ} في ما يوحي به إليهم من الإشراق والصفاء والنقاء، وفي ما يمنحهم إياه من الطمأنينة والثبات والاستقرار والعزيمة القوية الصامدة، {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} فذلك هو جزاء المؤمنين الصامدين في إيمانهم، المستقيمين في طريقهم، المتقين في أعمالهم، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} بما آمنوا به، وبما أطاعوه، {وَرَضُواْ عَنْهُ} بما أفاض عليهم من نعمه في كل وجودهم وفي كل مفردات حياتهم العملية في حركة الوجود. وهذا هو الهدف الذي يريد الله للمؤمنين أن يتابعوا السير نحوه، وهو الرضا المتبادل بينهم وبينه، فينفتحون عليه في الرضا بقضائه، ويحصلون على رضاه عنهم، بإيمانهم وتقواهم، لتكون حياتهم له ومعه في جميع المجالات.
سمات الأنصار
أما الأنصار الذين كانوا يسكنون المدينة قبل قدوم المهاجرين إليها فإنهم تفانوا في الدفاع عن الإسلام وأهله الذين هاجروا إليهم، وفي ذلك قوله تعالى {والذين تبوأو الدار والإيمان من قبلهم} فقد تبوأوا الإيمان وسكنوا في مواقعه الفكرية والروحية والعملية، واطمأنوا إليه وتفيأوا ظلاله، وهذا التعبير جارٍ على سبيل الاستعارة في ما ارتاح إليه الأنصار من الإيمان، بحيث انطلقوا في رحابه، كما ينطلق الإنسان في رحاب منزله وأرضه، وقيل إن كلمة "ممن قبلهم" تعني إيمان الأنصار قبل إيمان المهاجرين والمراد به أصحاب ليلة العقبة، وهم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله(ص) على حرب الأبيض والأحمر.
وكان الأنصار قد اندمجوا بالجو الإسلامي فبدأوا يتحسسونه بعمقٍ في مشاعرهم العاطفية، فيستغرقون في الانفتاح عليه وعلى كل من يتحرك في داخله بالمحبة العميقة {يحبون من هاجر إليهم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ} في ما قد يجده الإنسان من الضيق النفسي عندما يأتي إليه شخص يشاركه مسكنه، أو ماله، أو يضيق عليه بعض مواقعه، حتى قيل: إنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بالقرعة، لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه كان أكثر من عدد المهاجرين.
وهكذا كانت هذه المحبة تمثل العمق الإيماني الذي يتحوّل إلى عمق في الإحساس والشعور، بحيث إن الحب يمثل الصورة الحقيقية للإيمان. وقد جاء عن أبي جعفر(ع) في حديث قاله لبعض أصحابه: يا زياد ويحك وهل الدين إلا الحب، ألا ترى إلى قول الله {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران:31]، أولا ترون إلى قول الله لمحمد(ص) {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: 7] وقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِليْهِمْ}[الحشر:9] وقال: الدين هو الحب، والحب هو الدين[3].
وربما وصل الإحساس الإيماني لدى الأنصار إلى أعلى مراتبه حيث تجاوز مرحلة المحبة إلى مرحلة الإيثار، ليضربوا بذلك مثلاً في السمو الروحي في الإسلام، وذلك في قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فهم يتنازلون عن حاجاتهم الشخصية لحساب حاجات المهاجرين، بحيث يعيشون الحرمان في سبيل إيجاد حالةٍ من الاكتفاء لإخوانهم، وهذه هي القمة العليا في القيمة الروحية في البذل والعطاء.
وقد أفلح هؤلاء في مسعاهم فانفتحوا على الخير والعطاء وهذا ما يتمثل في قوله تعالى:{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} فيربيها على العطاء ويمنعها من البخل، لتنفتح على الخير في حياة الناس في ما يحتاج بعضهم إلى بعض من حاجات الحياة، {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} لأنهم يلتقون بالله في مواقع الخير التي يحبها، فيحبهم الله لذلك، ويلتقون بالناس في مشاعر الإيمان، فيتحركون معهم في خطوطه من موقع التفاعل الذي يثيره العطاء في العلاقات الإنسانية الممتدة في حركة الإيمان في الواقع.
العزة في أجواء خط الحرية
لقد أعز الله الناس بالإسلام، وجعلهم في متعة من أمرهم، وغرس في نفوسهم القدرة على مواجهة التحديات{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} هذه العزة التي انطلقت من مواقع القوة التي تمنح صاحبها القدرة على إخضاع كل القوى له، والوقوف أمامها لمنعها من التحرك في الاتجاه الذي يؤكد قوتها في مقابل قوته. والله هو القاهر فوق عباده، والمهيمن على الأمر كله، وليس لعباده معه شيء، فهم الفقراء إليه في كل شيء، وهو الغني عنهم في كل شيء، ما يجعل العزة له جميعاً، كما أكد ذلك في كتابه العزيز، {وَلِرَسُولِهِ} الذي يستمد عزته من الله، لأنه يستمد قوته منه، فينصره على الكافرين والمشركين، ويظهر دينه على الدين كله، {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} في ما يعيشونه في داخل أنفسهم من الشعور بالقوة من خلال اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه، ما يجعلهم في الموقع القوي الذاتي المتحرك في إرادتهم الصلبة الرافضة لأي ذلّ.
فالمؤمن لا يعيش الضعف الداخلي أمام كل التهاويل والضغوط التي يوجهها إليه الكافرون والمشركون والظالمون، ما دام واعياً لإيمانه ولموقعه من ربه وموقع ربه منه، وذلك في ما عبر عنه الرسول(ص) لصاحبه {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، وفي ما حدثنا الله عن موقف المؤمنين {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران: 173]، وفي ما يواجه به المؤمنون الكافرين في ساحة القتال {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52]، ما يوحي بأن المؤمن لا يخاف الموت، فلا يضعف أمام كل التهاويل التي تخوّفه بالموت.
وهكذا نستطيع أن نؤكد خطّ العزة الذي يلتقي بخط الحرية كخط مستقيمٍ في الواقع الإسلامي، بحيث لا يملك المسلمون جماعاتٍ وأفراداً أن ينحرفوا عنه إلى خط الذل، لأن المسألة تتصل بأصالة الإنسان المسلم في شخصيته وفي حركيته وموقع الإسلام في الحياة. وفي ضوء ذلك، لا بد من أن يرسم المعنيون بحركة السياسة الإسلامية ومواقع التحدي في ساحة الصراع، السياسة الإسلامية، على أساس انفتاح خطوطها على معنى العزة، وانطلاق حركة الصراع في هذا الاتجاه، فيكون الخط الذي يبتعد عن ذلك خطاً غير شرعي من جهةٍ، وخائناً لأمانة الإسلام والمسلمين من جهةٍ أخرى، مهما حشد له أصحابه من التأييد الشعبي، لأن الشعب لا يملك أن يذل نفسه، كما أن القيادة لا تملك الحرية في أن تفرض ذلك على الواقع وعلى الناس، انطلاقاً من وعي هذه القيمة الروحية والسياسية التي تفرض العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، بالرغم من تهويلات المنافقين والكافرين، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا يعرفون عمق القوة والحرية والعزة في العقيدة الإسلامية، والعمق الروحي في شخصية المسلم، ما يجعلهم ينظرون إلى الواقع من خلال الضغوط المادية على المسلمين، ولا ينظرون إلى الإرادة الإسلامية الصلبة في ما هو التصميم والموقف الحاسم في مواجهة التحديات.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | |
|