بسم الله الرحمن الرحيم
((رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ))
أي باحث منصف مهما بحث لايمكن ان يستدل بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فوض نصب الامام إلى اختيار الامة ، أو أهل الحل والعقد منهم خاصة . . .
وهنا نبحث عما إذا كان قد عين شخص الامام بعده ، فمن هو هذا الامام ؟ أصحيح انه هو ( أبو بكر ) ؟ يقطع الباحث ان الاحاديث المروية في النص عليه موضوعة إذا كان يفهم منها النص المدعي .
وليس أدل على ذلك مما ثبت من تصريحاته نفسه ، ولا سيما عندما تمنى - قبيل موته - ان يسأل عن أشياء ثلاثة ترك السؤال عنها ، أحدها أمر الخلافة انه فيمن حتى لا ننازع أهله .
ثم من تصريحات خليفته عمر ابن الخطاب لا سيما عندما دنت منه الوفاة فصرح ان النبي لم يستخلف . ثم من تصريحات عائشة " وهي المدافعة والمنفحة عن أبيها وقد قامت بقسط وافر من تأييده وتثبيت خلافته " فنفت الاستخلاف لما سئلت من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف ويكفينا لعدم الوثوق بهذا النص المدعى أن نطلع على مجرى حادث السقيفة ، ونعرف استدلال من استدل على صحة بيعته بالاجماع .
أولا تراه نفسه يوم السقيفة كيف قدم للبيعة عمر وأبو عبيدة ، فقال : " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين " . أتراه كان لا يعلم بالنص عليه ، أو كان عالما به ولكنه أعرض عنه ؟ - لا شئ منهما يصح أن يقال . ولا شئ أوضح من خطبته يومئذ إذ يقول فيها : " ان العرب لا تعرف هذا الامر إلا لقريش أوسط العرب دارا ونسبا " . بل لو كان نص عليه لما كانت العرب تعرف هذا الامر إلا لشخصه بنص صاحب الرسالة . وليس المقام مقام حياء من الدعوة إلى نفسه . وعندي لا شئ أوضح من وضع الاحاديث في النص خفي عليه كثير من أمر رسول الله ( ص ) كالاستيذان وغيره ، أو أنه أراد استخلافا بعهد مكتوب ، ونحن نقر ان استخلافه لم يكن بعهد مكتوب . وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك ايضا . . . " . ولئن خفي هذا الامر على عمر وعائشة فعلى غيرهما اخفى واخفى ، على ان جمله ارادتها للعهد المكتوب فابعد وابعد عليه .
وأجد ان الذي ألجأ إلى وضعها ان من وضعوها بعد ان ضاقوا ذرعا بالاستدلال على خلافته بالاجماع ، مما وجدوه من مخالفة من خالف ممن لا يمكن اهمال شأنهم . وهذا هو التعصب الذي يحمل صاحبه على الكذب والاختراع ، فيقف حجر عثرة دون وصول طالب الحقيقة إلى هدفه ، ويجعل النفس لا تثق بكل ما يرويه هذا المتعصب فيما يخص معتقده ، بل في كل شئ .
أما قضية تقديمه للصلاة فان صحت ( وهي صحيحة بمعنى انه صلى بالمسلمين ) ، فليس فيها اية اشارة إلى تعيينه للخلافة ، فضلا عن النص ، لان الامامة في الصلاة ليست بالامر الخطير الشأن الذي لا يكون إلا لمن له الامامة ، ولا سيما على مذهب اهل السنة ، وكان ائمام المسلمين بعضهم ببعض مما اعتادوا عليه ، وشاع يومئذ بينهم بترغيب النبي فيه ، فقد ورد ان ابا بكر صلى بالناس من دون إذن النبي ( ص ) لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم . ولا اعتقد بصحة ما يروى ان النبي هو الذي قدمه للصلاة وانه صلى أياما ، لان ابا بكر كان من جيش اسامة من غير شك وقد نهي النبي عن التخلف عنه ، وشدد في الاسراع ؟ بانفاذه ، فكيف يجتمع هذا مع تقديم النبي له للصلاة مدة مرضه ؟ نعم الثابت انه صلى صلاة واحدة وهي صلاة الفجر يوم الاثنين يوم وفاة النبي ( ص ) ، وقبل ان يتمها خرج صاحب الرسالة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان الارض من الوجع فصلى بالناس صلاتهم وتأخر ابو بكر . فان عائشة هي التي روت امر النبي بتقديمه لا غيرها ، وانها راجعته في ذلك حتى قال لها غاضبا : " انكن لانتن صواحب يوسف " وهي نفسها تروي خروجه في نفس تلك الصلاة.
وكان خروجه بهذه الحال إلى الصلاة يوم وفاته وهو يوم الاثنين . ولو ان النبي كان قدمه للصلاة اشارة إلى خلافته ، فلماذا خرج بهذه الحال المؤلمة ، وصلى بالناس صلاة المضطرين جالسا ؟ ولا معنى ما يقال : " انه صلى ابو بكر بصلاة النبي وصلى الناس بصلاة ابي بكر " فمن هو الامام اذن ؟ ان كان أبا بكر فلم يكن قد صلى بصلاة النبي ، وان كان النبي فلم تكن الناس قد صلت بصلاة أبي بكر ، وتأويله - ان صح - ان النبي جالسا فلا يرون شخصه وكان مريضا فلا يسمعون صوته ، فكانت الناس تعرف ركوعه وسجوده بصلاة أبي بكر الذي كان بارائه لما تأخر عن مقامه . والاحاديث مضطربة في هذا الباب ، مع أن أكثرها عن عائشة ام المؤمنين واختلافها الجوهري في تسعة امور :
1 -( في علاقة عمر بالصلاة ) فيذكر بعضهم ان النبي قال : ( مروا عمر ) بعد مراجعة عائشة عن أبيها فأبى عمر وتقدم أبو بكر وبعضها ذكر انه أبتداء أمر عمر ، فقال عمر لبلال قل له ان أبا بكر على الباب . وحينئذ أمر أبا بكر . وبعضها ذكر انه اول من صلى عمر بغير اذن النبي فلما سمع صوته قال : " يأبى الله ذلك والمؤمنون " وفي بعضها انه أمر أبا بكر ان يصلي نفس الصلاة التي صلاها عمر بالناس ، وفي بعضها صلى عمر وكان ابو بكر غائبا . وفي بعضها ان النبي أمر أبا بكر وأبو بكر قال لعمر صل بالناس فامتنع .
2 -( في من أمره النبي ليأمر ابا بكر ) ، فبعضها تذكر عائشة ، وبعضها بلالا ، وبعضها عبدالله بن زمعة .
3 -( فيمن راجعة في أمر أبي بكر ) ، فبعضها تذكر عائشة وحدها راجعته ثلاث مرات أو أكثر ، وبعضها تذكر عائشة راجعته ثم خالت لحفصة فراجعته مرة أو مرتين ، فلما زجرها النبي قالت لعائشة : " ما كنت لاصيب منك خيرا "
4 -( في الصلاة المأمور بها ) ، فبعضها يخصها بصلاة العصر وبعضها بصلاة العشاء ، والثالث بصلاة الصبح .
5 -( في خروج النبي ) ، فبعضها تذكر انه خرج وصلى ، واخرى تقول أخرج رأسه من الستار والناس خلف ابي بكر ثم القى الستار ولم يصل معهم .
6 -( في كيفية صلاة النبي بعد الخروج ) ، فيذكر بعضها انه ائتم بأبي بكر بعد أن دفع في ظهره ومنعه من التأخر . وبعضها أن أبا بكر تأخر وائتم بالنبي . وبعضها ان ؟ با بكر صلى بصلاة النبي والناس بصلاة ابي بكر . وبعضها ان النبي ابتدأ بالقراءة من حيث انتهى ابو بكر .
7 -( في جلوس النبي إلى جنب ابي بكر ) فبعضها تذكر جلوسه إلى يساره ، وبعضها إلى يمينه .
8 -( في مدة صلاة ابي بكر ) ، فبعضها تجعلها طيلة مرض النبي ، واخرى تخصها بسبع عشر صلاة ، وثالثة بثلاثة أيام ، ورابعة بستة ، ويظهر من بعضها انه صلى صلاة واحدة .
9 -( في وقت خروج النبي إلى الصلاة ) ، فبعضها صريحة في انه خرج لنفس الصلاة التي امر بها ابا بكر ، وبعضها صريحة في انه خرج لصلاة الظهر بعد صلاة ابي بكر ايما ، وبعضها صريحة في خروجه لصلاة الصبح .
وهذه الاختلافات كما رأيت في جوهر الحادثة . ولم يظهر من الاخبار تعدد أمر النبي له بالصلاة ولا تعدد خروجه .
واذا تضاربة المتون فهذا دليل على ضعف الرواية والله المسدد.
وسيعلم الذين ظلموا ال محمد أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .