شبكة النبأ: تكشف صفحات هذا الرجل الفذ عن نبوغ علمي فريد و رصيد فكري نادر وعطاء موسوعي ثر قلماً أجتمع لغيره، مما خلفه هذا الشيخ الجليل من مؤلفات وتصانيف وتحقيقات وغيرها، تكوَن موسوعة علمية وفكرية وأدبية متنوعة، دلت على سعة ثقافته العامة وانفتاحه على أبعاد المعرفة الانسانية المختلفة.
فتح هذا الرجل عينيه على الدنيا في مدينة العلم والعلماء، ونشأ في ارجاء المجالس العلمية والادبية، فشغفت بها ونهل من مواردها فراح يلبي طموحه في التزود منها، وظهرت جديته في تحصيل العمل والمثابرة على طلبه منذ صغرة حتى وهب نفسه له وبذر عمره كله اليه، ينتمي شيخنا الى أسرة علمية عريقة عرفت بآل ياسين، والذي هو لقب جده الاكبر ويرجع نسب هذه الاسرة الى قبيلة الخزرج، فهو الشيخ محمد حسن بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ باقر بن الشيخ محمد حسن آل ياسين الخزرجي، ولد في مدينة النجف الاشرف يوم 18 جمادي الأخر سنة (1350هـ - 1931م) و تلقى تعليمه الأول على يد والده الشيخ محمد رضا آل ياسين الذي عرفته النجف كبير فقهاء عصره والمرجع الأعلى فيها، كان المعلم الاول الذي كان له تأثير كبير على صقل شخصية أبنه العلمية، وشحذ مواهبة الأدبية والفكرية فغذاه من روحه العلمي والادبي وغرس فيه مقومات الشخصية الاسلامية المثالية من علم وورع وتقوى وخلق، كما كان للمجلس العلمي الذي يقيمه أبوه والذي زخر بثلة من العلماء والادباء، أكبر الاثر في تنمية قابلياته العلمية والذهنية، فأكمل دراسته بمراحلها المتعددة على يد كبار علماء عصره فحضر مجالس الشيخ عباس الرميثي والشيخ محمد طاهر آل راضي، والأبحاث العالية على يد الشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الخوئي، أضافة الى والده الذي حضر على يده درسه الخصوصي كما دخل مدرسة منتدى النشر على يد الشيخ محمد رضا العلوي.
أنتقل الشيخ آل ياسين من النجف الاشرف للأقامة في مدينة الكاظمية المقدسة بعد وفاة عمه الشيخ راضي آل ياسين سنة (1371هـ - 1952م) ونزل بها مرشداً ومبلغاً لأحكام الدين وامامة الجماعة وفيها بدأت رحلته الطويلة مع الكتابة والتي أمتدت الى نصف قرن، حتى أصبح علماً من أعلام الكتابة البارزين في العراق والعالم الاسلامي، أثرى بتأليفاته المكتبة العلمية والثقافية الاسلامية وترك بصمات واضحة لا تمحى من ذاكرة التاريخ العلمي الاسلامي، واضافة الى تأليفه فقد عرف الشيخ آل ياسين بنشاطه الثقافي الدؤوب والمتميز، فأسس دار المعارف للتأليف والترجمة و النشر في مدينة الكاظمية المقدسة، كما أنشأ مكتبة الأمام الحسن (ع) العامة وترأس الجمعية الأسلامية للخدمات الثقافية، وأشرف على تحرير مجلة (البلاغ) كما كان لمحاظراته العلمية والفكرية القيمة تأثيراً كبيراً وصدى واسع في النفوس، وخاصة في ليالي شهر رمضان المبارك من كل عام في جامع آل ياسين الذي كان مركزاً لنشاطه العلمي والديني والثقافي والتربوي والاجتماعي وشهد له جامع أمام طه في بغداد "قرب ساحة الرصافي" العديد من النشاطات التوجيهية والتربوية، وكانت بعض مؤلفاته من منشورات و اصدارات هذا الجامع.
كان شيخنا ولعاً في احياء التراث العلمي الأسلامي وقد حفلت مؤلفاته برؤية تاريخية تحليلية وطابع علمي في عرض الحقائق التاريخية وتناولها، كما كان ملماً في استعراض حياة الشخصيات الاسلامية التاريخية يفصح عن مخزون ثقافي كبير ودلت مقالاته التي كان ينشرها في مجلة المجتمع العلمي العراقي على نبوغه في النحو واللغة، كما كان شيخنا مدافعاً مخلصاً عن الاسلام وصيانة شريعته من الشكوك و الشبهات التي يثيرها أعداؤه ضده فألف في الرد على الفكر المادي.
وفي عرض سريع لمؤلفاته يتضح لنا مدى موسوعية الرجل وغزارة علمه في شتى العلوم والمعارف، ففي مجال شخصيات التاريخ الاسلامي ألف الشيخ آل ياسين العديد من الكتب استعرض فيها كوكبة من الشخصيات اللامعة في التاريخ الاسلامي، والتي كان لها دور كبير في دعم الرسالة الاسلامية والدفاع عنها، فكتب بجهادها و دمائها أروع الصفحات أشراقاً في التاريخ البشري فتناول شيخنا في هذه الكتب، حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير و سعد بن الربيع و سعد بن معاذ و زيد بن حارثة و جعفر بن أبي طالب وقد تحدث عن هذه الشخصيات العظيمة بالتحليل المبسط والعرض الوافي مبيناً دورها في مسيرة الاسلام، وسيرتها الجهادية وجوانبها المضيئة.
أما في مجال الدفاع عن الفكر الديني والرد على المتطاولين عليه فقد ألف الشيخ آل ياسين كتابه القيم (في رحاب الاسلام) وهو عبارة عن مسائل فلسفية بين المادية والاسلام، تضمن عدة بحوث قيمة بهذا الشأن وقد بين شيخنا مقصده من تأليفه هذا الكتاب بقوله: (اذا كان منها ما قصد به وجه العلم والبحث عن الحقيقة حين كتب ومنها ما أريد به البيان و الأيضاح رداً على بعض من تناول الفكر الديني بالحديث أو تطاول عليه)، والبحوث التي تضمنها هذا الكتاب الذي يقع في (520) صفحة هي:
1- المادة بين الأزلية والحدوث.
2- الانسان بين الخلق والتطور.
3- الشباب والدين.
4- هوامش على كتاب نقد الفكر الديني.
وقد طبعت هذه البحوث عدة مرات، كما طبع الكتاب كاملاً في العديد من العواصم العربية ولأكثر من مرة ولبيان أهمية هذا الكتاب وما أحدثه من صدى وتأثير في نفوس قرائه، نورد نبذة مما جاء في مقدمة الناشر في معرض التعريف في بالكتاب: (وها هو الاسلام بلسان دعاته وعلمائه يتصدى لقضايا العصر و شؤون الفكر ويدخل ميدان الصراع بين المبادىء ويخرج منها مرفوع الراية و ظاهراً على كل أعدائه ومخالفيه، وهذا الكتاب هو السجل الذاتي الذي دون فيه أحد علماء الاسلام المتخصصين موقف الاسلام، وآرائه ومناهجه في قضايا فكرية معاصرة، كقضية المادية والأزلية والموجد الاول وأصل الحياة ونظرية التطور والكتاب بهذا المحصول الغني أسهام كريم في الاسلام الفكرية).
ويعد هذا الكتاب من أهم وابرز كتب الشيخ آل ياسين على الصعيد الفكري والعلمي، ومن الكتب المهمة لشيخنا كتابه (الارقام العربية مولدها، نشأتها، تطورها) وهو من مطبوعات المجمع العلمي العراقي وقد أحدث هذا الكتاب أثراً كبيراً في الاوساط العلمية والادبية والفكرية وقد دارت حوله نقاشات ومؤتمرات وكتب عنه العديد من الباحثين مقالات وبحوثاً في المجالات العلمية.
كما خاض شيخنا ميدان المعاجم فألف (معجم النبات والزراعة) بجزئين وهو أيضاً من مطبوعات المجمع العلمي العراقي ويقع هذان الجزآن في (1130) صفحة، ويضم هذا المعجم اسماء النبات وتسمية كل نبت بما ذكر وبيان ما يتعلق بكل نوع من أنواعه وفصيلة من فصائله، وما يتعلق بواحدة أيضاً من أسماء أغصانه وورقه أصله وفرعه وورده وثمرة فجه وناضجة رطبة و يابسة غضة وقديمة وسائر ما يتصل به، وقد رتب كل ذلك على نسق حروف الهجاء و كان يولي عناية فائقة بالمعاجم وحفظهما من الضياع و ظلت هذه الفكرة تشغلة حتى ألف كتاباً بهذا الصدد هو (المعجم الذي نطمح اليه) استعرض فيه المعاجم العربية مبتدءاً بالعين للفراهيدي و قد أٌقترح في كتابه هذا حفظ هذه المعاجم بقوله: (أن الحل الاوحد الذي يضمن الفائدة الشاملة والمراجعة الميسرة ويوفر الوقت والجهد ومدة البحث هو جمع معجمات العربية كلها في معجم واحد، يضم أشتاتها ضماً تاماً أميناً لا زيادة فيه ولا نقصان ويعرضها على طلابها وقرائها بنسق مبسط ونظام موحد مع الحفاظ الكامل على كل معجم منها من ذاتية خاصة ووجود متميز صيانة للتاريخ اللغوي في تسلسله الطويل ولأولئك اللغو بين الأفذاذ على أمتداد التاريخ من الذوبان و النسيان).
وكان همه سلامة اللغة وحفظها فدعى الى معالجة المسائل اللغوية التي كانت موضع الجدل والأخذ والرد من قبل لجنتي (الأصول) و(اللغة العربية) وهما اللجنتان المعنيتان بتقعيد القواعد اللغوية والفتوى في الصحيح والغلط من الصيغ والتراكيب والألفاظ المتداولة، فقدم هذه المسائل ومعالجاتها ودونها في مذكرات الى هاتين اللجنتين بصفته عضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي، وكانت هذه المسائل تستحق العناية والأهتمام ودارت بشأنها المطارحات والمناقشات وتبادل المعلومات و كعادته في نشر العلم وزيادة الفائدة على المعنين من غير أعضاء المجمع العراقي، فقد قدم هذه المذكرات للنشر فصدرت له في مجلة المجمع العلمي العراقي في المجلدين الثامن والثلاثين والتاسع والثلاثين بـ (80) صفحة.
وكان الشيخ آل ياسين من رواد النشر في هذه المجلة يرفد قرائها ببحوثه العلمية و اللغوية القيمة، أما في الفقه فقد كان له باع طويل فيه و هو أول تعليمه على يد والده وقد كتب تقريراته وطبعت تحت عنوان (على هامش كتاب العروة الوثقى).
كما كانت له بصمات واضحة في علوم القرآن والتفسير ومما ألف في هذا الشأن (في رحاب القرآن) و(نهج الشيخ الطوسي في التفسير).
أما في العقائد فنلمح له في كل أتجاه أثر مما ألف في ذلك (العدل الإلهي) و(النبوة) و (المهدي المنتظر) و(الإمامة) و(الله بين الفطرة والدليل) و(الاسلام ونظام الطبقات) و(بين يدي المختصر النافع) و (التخطيط القرآني للحياة).
وفي العلوم المختلفة تبرز لنا هذه العناوين لكتبه: (تاريخ المشهد الكاظمي) و(شعراء كاظميون) و(تاريخ الصحافة في الكاظمية) و (الصاحب بن عباد) و(مفاهيم اسلامية عامة) و(المبادئ الدينية للناشئين) و(الاسلام بين المرجعية والتقدمية) و(الاسلام والرق) و(الاسلام والسياسة) و(الشيخ المفيد) و(نصوص الردة في تاريخ الطبري) و(مالك بن نويرة.. حياته وشعره).
ولم يقتصر أبداع الشيخ آل ياسين على مجال التأليف بل مده الى التحقيق كجانب آخر في مشروعة العلمي والفكري، فلعبت جهوده في التحقيق دوراً كبيراً في رفد الساحة العلمية والفكرية والأدبية وفي اطلاع القارئ على أنجازاته في هذا المجال يكتشف مدى قدرته في التحقيق فمن الكتب التي حققها (المحيط في اللغة) و(الفصول الادبية) و(الأقناع) و(التذكرة) لكافي الكفاة الصاحب أسماعيل بين عباد (326_ 385ه) و(العباب الزاخر واللباب الفاخر) للحسن بن محمد الحسن الصنعاني (577- 650هـ) و(ديوان أبي الأسود الدؤلي) صنعة أبي سعيد السكري و(من وافقت كنيته كنية من الصحابة) لأبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوية النيسابوري، و(كتاب الشجر والنبات) و (كتاب النخل) و (كتاب السحاب والمطر) و(كتاب الأزمنة والرياح) لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفي سنة (224هـ) و(ديوان الخبر أرزي) المتوفي سنة (33هـ) بخمسة أقسام نشرت في مجلة المجمع العلمي العراقي و (مسألة في خبر مارية القبطية) و(إيمان أبي طالب) للشيخ المفيد و(التنبيه على حدوث التصحيف) للأصفهاني و(شرح قصيدة الصاحب بن عباد) للبهلولي و(شرح مشكل أبيات المتنبي لأبن سيدة) و(معاني الحروف) للرماني و(الشافي) للسيد مرتضى و(مقدمة في الأصول الاعتقادية) للشريف الرضي.
كما شمل سعيه الحثيث وعمله الدؤوب في نشر العلم عنايته بالمخطوطات فقد أخذ على عاتقه تحقيق ما وجده منها وتقديمها الى الساحة الأدبية بشكل ميسر على القراء وفي خضم هذه المكتبة العامرة بالمؤلفات والتحقيقات، ربما سيدهش القارئ حينما يعلم أن فيها خانة للشعر نعم فقد كان الشيخ آل ياسين شاعراً مطبوعاً تناول في شعره شتى الأغراض يجعله في مصاف الشعراء الكبار كانت لهذه الرحلة العلمية المعطاء والمجهود العلمي والفكري العظيم أثره الكبير في شتى مجالات العلم.
فعين الشيخ آل ياسين عضواً في المجمع العلمي العراقي وعضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الاردني في السنة ذاتها، وزميلاً في هيئة ملتقى الرواد، كما اختير عضو شرف في المجمع العلمي العراقي، أربت نصوصه التي أفنى خمسين عاماً من عمره في تأليفهما على المائة مؤلف و74 تحقيق سوى الدراسات و البحوث التي كان ينشرها في مجلة المجمع العلمي العراقي ومجلة البلاغ وغيرها.
وشملت مؤلفاته كافة العلوم الدينية واللغوية والتاريخية والسير والتراجم والمعاجم والفلسفة والأدب والفقه والاجتماع وغيرهما.
في عام 1980 أعتزل الشيخ محمد حسن آل ياسين الكتابة و توقف عن نشاطاته كلياً ولزم داره حزناً على أبن عمته آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي أعدم على يد الطاغية المجرم صدام وبقي شيخنا ملازماً داره حتى ودع هذه الدنيا في يوم السبت 26 جمادي الآخر سنة 1427 هـ - 2006 م وشيع في اليوم التالي تشيعاً مهيباً ودفن في الصحن الكاظمي الشريف وقد أقيمت مجالس الفاتحة على روحه في الكاظمية وايران ولبنان.