لنفهم هوية التشيع
أحمد الحاج
لا يعتبر التشيع تمذهباً في إطار حركة سياسية نابتة في التاريخ ، بقدر ما يعبّر عن الاستقامة الواضحة للشرعة الاسلامية الحنيفة ، ولذا كان من الخطأ الفادح الذي وقع به غالبية الباحثين في نسبة التشيع إلى ظروف سياسية قهرية ، وإن كنا لا ننفي ما للأجواء السياسية من أثر بالغ في تشكيل القالب الخارجي لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
إن التشيع بقيادة أهل البيت (عليهم السلام) الذين صدعوا بالرسالة النقية البعيدة عن كل الانحرافات التي أقحمت في الاسلام ، وأوضحوا السبل للوصول السريع إلى الهدف المأمول الخالص عبر مجموعة من البرامج التي تصنع إنساناً منسجماً ومتناغماً روحاً وجسداً ، إن أئمة أهل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) نازلوا الباطل في عقر داره واعلنوا أن فاصلاً قاطعاً يفصل ويميز بين المؤمن والمنافق بحب علي ابن أبي طالب (عليه السلام) .
هذا الصراع بين الحق والباطل شكّل قالباً خارجياً للتشيع وساهم الاعلام الطاغوتي برسم صورة عن التشيع بأنه لا يخرج من كونه حزباً سياسياً يتحرك وفق أطماع يسعى لتحقيقها بقصارى جهده ، أيضاً لا نغفل دور التقية التي اضطر الشيعة لاستخدامها للوقوف امام حملة الابادة الشاملة التي استخدمت بحقهم مما ساهم أيضا في اعطاء هذه الصورة القاصرة عن التشيع .
فهم هذه الحقيقة واستيعابها أمر غاية في الأهمية لعدة ضرورات :-
الأولى : تتمثل حقيقة أن المذهب الشيعي حوصر في دوائر مرسومة لم يكن هو سببها وإنما أعداؤه ، أولئك الذين يمتلكون في الحاضر والسابق كل أجهزة الاعلام والتوجيه ، وبذا صوّر المذهب أنه لا يتعدى صفة الحزب السياسي المعارض لا لشيء سوى الوصول لمكاسب مادية . وقد آن الأوان لتتضح حقيقة الشيعة وعظمة أهدافهم وسلامة منطلقاتهم ، يصف مولانا الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) الشيعة بقوله : شيعتنا من أطاع الله ، فالهدف والآليات والطرق كلها تنبعث من الله وإلى الله ، فالشيعة سيماهم في وجوههم وأخلاقهم في سلوكهم كما يوصي الامام الصادق (عليه السلام) : كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم ، وذلك تجسيداً للآية ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ، من هنا تنبع الضرورة الأولى ليعلم الجميع ان إعلان التشيّع إنما هو الخطوة الأولى والأهم لإعلان الدخول في الإيمان المحمدي بجميع معطياته .
الثانية : تنطلق من حقيقة أن أمتنا الاسلامية تعيش حالة من التراجع والتخلف بشكل كبير وواضح ، والمنفذ أمام العالم الاسلامي للخروج من ازمته التخلفية الكبرى تبدأ بالعودة الواعية للإسلام الصحيح المتألق ، والعودة تكون عبر الخط الذي رسمه الله لنا ، وربما كانت مسألة القيادة من أهم المسائل التي توصل إلى المنهاج السليم ، ولذا ذكر القرآن الكريم على مسألة الولاية بقوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) وقرن طاعته بطاعة الرسول وأولي الأمر ، فدين الله يؤتى من بابه ، يقول تعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، فاستشفاف الطريق يكون عبر أهل الذكر ، أي أهل البيت ، فعبر القادة الحق نستطيع استيضاح السبل الموصلة إلى التقدم في الدنيا والآخرة .
الثالثة : اغلاق باب الاجتهاد لدى المذاهب الأخرى وحصرها في عدد من الرجال والكتب الفقهية ، أدى إلى خلق ربكة معرفية وفقهية لدى عامة المسلمين الذين وجدوا انفسهم محاصرين في الكثير من المسائل المستحدثة ، والتي لم يجدوا لها ذكراً في كتبهم القديمة ، مما اضطرهم الى انزال الحديث (كل محدثة في النار) حتى على تلك المسائل المبتلى بها بشكل يومي ، مما خلق حالة من النفور عند الناس من الدين الذي لم يجدوا فيه سوى تكراراً لما سبق وتمجيداً وعبادة لكل ما هو قديم آت من السلف .
في هذا الوقت بدا أن لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذي واكب تلك المتغيرات ووضعها على محك الاجتهاد باستمرار أثر بالغ في استمرار الشرعة المحمدية على استقامتها ، إذ كلما انحرفت المسيرة أمام المتغيرات المتسارعة وجد من يواكبها دون ذوبان فيها .
إن مذهباً هكذا مرتكزاته ونهجه لا يمكن أن تكون حركته السياسية منفصلة عن الدين وشرعته الأصيلة .