تسارعت الأحداث بشكل كبير في كل المنطقة العربية والإسلامية، خلال الفترة الأخيرة، وأصبح لسان حال "العامة" من العرب، يُردّد بشكل "ببّغاوي" شعارات الحرية، والإنعتاق من الأنظمة المتسلطة، وهذا برأي "الخاصة" ظاهرة صحية، تُنبئ ربّما باستفاقة الوعي العربي الإسلامي، هذا الوعي الذي تمّ تغييبه لعقود بل لقرون من الزمن، وأكثر من ذلك أقول أن هذا الوعي أو الإستفاقة العربية الإسلامية، أُريد لها من قبل الغرب أن تظل محنّطة، وعديمة الحركة، لأن الإستفاقة قد يستعيد معها العرب بالدرجة الأولى، بواعث النهضة الحضارية، التي سبق وأن صدّروها إلى أوروبا، ومكّنوها من خلالها من تحقيق القفزة الحضارية التي هي عليها اليوم.
صحيح أن التغيير والتغيُّر، هما قاعدتان لا يُمكن التنصل منهما، أو تجاوزهما، لأن أصل الأشياء الحركة، وليس الجُمود، ولا يُمكننا أن نستحمّ في النهر مرّتين، والواقع كالنهر الجاري ففي كل مرة تستحم فيه، تكون في نهر جديد، أي ماء جديد غير الذي استحممت به سابقا، وكذلك الواقع، فهو يتجدّد في كل يوم وفي كل لحظة، ومن هذا المنطلق، لا يُمكن لأي عاقل إلا أن يؤمن بحتمية التغيير، لكن ما نراه اليوم في العديد من البلدان العربية، لا يُمكن الإصطلاح عليه بأنه تغيير طبيعي، يندرج في إطار السُّنن التي تتحكم في حركية الشعوب، بل هو تغيير مُوّجه، من قبل قوى دولية، تستهدف من ورائه، إعادة عجن التركيبة الدينية والنفسية والسياسية وغيرها للشعوب العربية، بما يخدم مصالح هذه القوى بالدرجة الأولى.
وهنا سأبتعد عن الجانب التنظيري، لاستقراء الرّاهن العربي، على ضوء ما سمّاه البعض ب "ثورة" الشعوب العربية، والتي أزاحت بعض رجالات السُّلطة في تونس ومصر وأبقت على جذور النظام بهما، مع اختلافات بسيطة في الأشكال والألوان لا غير، لأن الغرب بقيادة أمريكا وإسرائيل بالأساس، هيّأ كل الظروف لإجراء هذا التغيير بهاذين البلدين، بالشكل الذي يضمن استمرار التخلف بهما، وتبعيّتهما للغرب، بل وضمان تحويلهما إلى معاول حقيقية لهدم كل الدّول العربية والإسلامية التي لا تسير في الخط الذي يُريده لها الغرب، ولا أظن أن تحكم الغرب في مفاتيح التغيير هذه هو نتاج مخطط تمّ الإعداد له مؤخّرا، بل إنه ثمرة عمل مخابر مختصة دام لعقود من الزّمن، وأستحضر هنا ما قام به الأمريكيون من تصنيع لأسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، ومن زرع لبذور الحركات الإرهابية التي ألبسوها ظلما رداء الإسلام، وأستحضر بعدها كيف أن الغرب وأمريكا وإسرائيل، تفنّنوا في ترهيب العالم ككل من هذا المنتوج "أي القاعدة والإرهاب"، ووضعوا العالم العربي والإسلامي ككل في خانة المتهم بالعنف والإرهاب، وعوض أن ننتبه كعرب ومسلمين لمقاصد ومرامي المخططات الغربية والأمريكو صهيونية، وننتقل إلى ساحة مواجهتها،
رأينا كيف أن العرب والمسلمين، حصروا أنفسهم في دائرة المُدافع عن النفس، والسّاعي إلى إبعاد الشبهات عنه، وبكل تأكيد أن اختيار هذا التموضع الدّفاعي، هو ما استنزف قوى العالم العربي والإسلامي، ودفع به إلى تقديم كل التنازلات المطلوبة، وهو اليوم ومن هذا المنطلق الإنهزامي، باتت بعض دُويلاته ومماليكه، تُهرول إلى مساندة كلّ عدوان غربي على أيّ دولة عربية وإسلامية، لتُثبت أنها حليفة للحلفاء الغربيين والأمريكيين، ليس طلبا للغنائم، وإنما اتقاء لشرور المتحالفين الصّليبيين الجُدد، ولا أستبعد أن حُكام هذه الدويلات والمماليك، سيُمانعون يوما في الإنبطاح إلى حدّ التحوّل إلى سجّادات "ليست للعبادة عليها" وإنما لممارسة كل الفواحش في حق شعوبهم -إن كانت لهم شعوب أصلا-، وأقول هذا الكلام، لأن البعض مّن فرضوه علينا أنه عالم جليل، ورئيس لاتحاد العلماء المسلمين، وأعني به "هذا الدّجال الجديد المُكنى بالقرضاوي"، بات يُفتي وكعادته بتحريم التغيير في مملكة البحرين، لأن الدّاعين إلى التغيير هم من الشيعة، الذين تُحرّكهم دولة إيران الإسلامية الشيعية، وهو الذي يفتي لنا بأن العدوان الغربي الأمريكوصهيوني على ليبيا، ليس "حربا صليبية"، وأن قصف الطائرات الدنماركية والنرويجية اللتين انطلقت منهما حملات الإساءة إلى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم، هو قصف من أجل "نصرة المسلمين" لأن القائد معمر القذافي بحسب هذا الدجال الجديد، لا يجوز له أن يتحدّث باسم الإسلام والمسلمين
أي والله إن الدّجال القرضاوي، نجح والحمد لله في إدخال الدانمارك والنرويج إلى الإسلام !؟ وهما اليوم تُشاركان في عملية نشر الإسلام... وفي سياق دفاع الدّجال الجديد عن العدوان الدنماركي النرويجي "الإسلامي بمفهوم الدّجال القرضاوي"، يخرج علينا مرّة أخرى، لإذكاء نيران الفتنة التي لعن الله من يُوقدها، ليقول لنا بأن " الرئيس بشار الأسد أسير طائفته.. وسوريا أولى بالثورات من جيرانها"،" فالرئيس الأسد يعامله الشعب -بحسب الدّجال القرضاوي- على أنه سني، وهو مثقف وشاب ويمكنه أن يعمل الكثير، ولكن مشكلته أنه أسير حاشيته وطائفته،" في إشارة إلى الطائفة العلوية التي يعتقد أنها تسيطر بشكل واسع على مفاصل السلطة والقوى الأمنية في البلاد، وإنني برغم رفضي للفتن في العالم العربي والإسلامي
إلا أنني أتمنى أن تندلع فتنة كبرى في "دُويلة" قطر، حتى أرى كيف سيُفتي هذا الدّجال الجديد، فبكل تأكيد أن الدّجال الذي لعق من العسل القطري المسموم، وبوّقت له أيّما تبويق، "قناة التخريب والتأمر" "الجزيرة الشرّيرة والملعونة"، سوف يجتهد بكل ملكاته الشيطانية، ليأتينا بحجج من القرآن الكريم والسُّنة، لتحريم أية مُعارضة في دُويلة قطر، والشأن نفسه بالنسبة لمماليك الخليج، التي نهب أمراؤها أموال المسلمين، وصرفوها في ملاهي وكاباريهات ومحلات القمار بأوروبا وأمريكا، في وقت تتضوّر فيه العديد من الشعوب العربية والإسلامية فقرا وجوعا.. ويا ليت هؤلاء الأمراء صرفوا أموال العرب والمسلمين في ذلك وكفى، لكننا اليوم نراهم يتكفّلون بكل نفقات العدوان الصليبي على ليبيا، وقبلها على العراق، هذا البلد الذي كان يُمثل منارة العقل في العالم الإسلامي، ومركزا للخلافة الإسلامية في عهد العباسيين على وجه الخصوص، هذا العراق الذي احتضن "بيت الحكمة" وعرّف الغرب بمدلولات المنطق والفكر الفلسفي اليوناني، في وقت كان الفكر الغربي مدجّنا في الكنائس لا غير، لقد أضاع حكام المماليك العراق، وهم اليوم يشتركون في إضاعة "دمشق" كما أضاع ملوك المماليك من قبلهم الأندلس، ولله ذر أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
أستسمح القراء هنا أنني لم أكمل قصيدة أمير الشعراء واكتفيت بانتقاء بعض الأبيات منها، كما تكتفي قوى العدوان الصليبي بانتقاء بلدان عربية بعينها، لدكّها وتهديمها وإرجاع شعوبها إلى عصور ما قبل التاريخ، حتى تبقى هذه القوى الغربية المتسلطة على العالم، هي الحاكم وال’مر والناهي، وأتمنى بكل صدق من عامة الناس في كل البلدان العربية والإسلامية، وبخاصة منها شعوب الدّول التي أُدخلت بلدانها في دوامة المؤامرة، أن تنتبه لحالها، فالتغيير الذي سيأتينا من هؤلاء الحاقدين على بلداننا لن يؤدي بنا إلا إلى ما هو أسوأ، وعلى الجميع في البلدان التي تلحق في قائمة الإستهداف الإستعماري الصليبي الجديد، ألا تكتفي بتحصين قلاعها، بل يتوجّب عليها مناصرة شعوبنا التي بدأت تتلظى بنيران التآمر الغربي الأمريكو صهيوني، وعلى حكامنا أن يعو بأن التغيير كما قلت في البداية هو سُنة الخلق، وعيهم أن يُباشروه فورا، وبإشراك شعوبهم، لأن ذلك لوحده ما سيُفوت الفرصة على الحاقدين علينا، وأحذّر هنا بالأخص شعبنا في الجزائر، وأقول لهم يجب أن تكفُروا بأي تغيير يأتينا من الغرب ومن فرنسا بالذات، التي نهبت ثرواتنا لمدة 132 سنة، وفوّتت علينا فرصا تاريخية للتطور، ففرنسا بكل تأكيد وبوصفة تغييرها هذه، ستستعمرنا هذه المرّة لقرون، كما أنبه هنا كذلك كل قوى المقاومة وبالأخص في لبنان، بأن حجم المؤامرة الجديدة، سيلتهم الجميع، فحقيقة أن هنالك حسابات بين المقاومة والقائد معمر القذافي، لكن هذا لا يُجيز لها أن تسمح بنحر الشعب الليبي ككا للإنتقام لواقعة مضت عليها السنين، لأن هذه المُقاومة التي باتت تستعمل مصطلح "قوات التحالف" عوض "قوات الإحتلال"، في خطاباتها وعبر فضائياتها، هي المستهدفة الأولى من التآمر على سوريا بالدرجة الأولى
من قلم : جمال الدين حبيبي