الا المودة في القربى
يقول سبحانه و تعالى : " و ما خلقت الجــــــــن و الانــــــــس الا ليعبدون " الذاريات 56
و عبادة الله هي امتثال أوامره و اجتناب نواهيه ، اجـــلالا لله تعالــــــــى لا
طمعا في جنة و لا خوفا من نار .
لكن شاء الكريم العادل ان يجعل لكل عمل أجرا و جزاء ، و ان يكــون الأجـر
و الجزاء من جنس العمل ، فان كان حسنة فبعشر أمثالها بكرمه ، و ان كان سيئة فبمثلها بعدله .
فالعبد يطيع مولاه امتثالا لأمره ، و هو سبحانه و تعالى يعطيه ما وعـده من أجر و مثوبة ، لأن أي عمل يقابله أجر ، فالعمل يطلب الأجرة بذاته ثم يعود ذلك الأجر الى العامل ، و لذلك قالت الرسل عليهم الصــــــــلاة و السلام عن أمر الله تعالى لاممهم ، تعريفا لهم بما أمر الله : " و يا قوم لا أسألكم عليه مالا ، ان أجري الا على الله " هود 29 ، " و ما أسألكــم عليه من أجر ، ان أجري الا على رب العالمين " الشعراء 127 ؛ ..... فذكروا استحقاق الأجر على من استعملهم و هو الله سبحانه و تعالـــى ، فكان شــعـــــــــار الأنبياء و الرسل جميعا " لا أسألكم عليه أجرا " ، الا خاتمهم محــمدا صلى الله عليه و آله و سلم ، فقد اختص بفضيلة لم ينلها احد غيره ، عاد فضلها على أمته مع بقــــــــاء أجره على الله كغيره من الأنبياء و الرسل ، فأمره الله سبحانه ان يأخذ أجره الذي له على رسالته من أمته ، و هو ان يودو ا قرابته ، فقال تعالى : " قــــل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى " الشورى 23 .
فتعين على أمته أداء ما أوجب الله عليهم من مودة قرابته و اهل بيته .
لــكــــن ، اذا كانت المودة المأمور بها هي الحب و الاحسان ، فان حب قربى رســــول الله صلى الله عليه و آله وسلم واجـبـــــــة علينا ولو لم يرد بشأنها نص خاص ، لأن الـمـحــبـــــــــة لله و لرسوله و لأهل بيته ، بل و للمؤمنين عموما ، تابثة و مأمور بها شرعا ، كقوله تعالى :
" المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض " التوبة 71 ، و قوله تعالى " انما المؤمنون اخوة " الحجرات 10 .
فتبين ان الأمر ينصرف الى ما تبطنه الآية الكريمة ، أي الـمفهــــوم المخالف للآية و هو النهي على ما يخالف المودة و الاحسان كالاساءة و الايـــــــذاء ، فيكون أجـــــــر الرسالة هو عــدم أيــــــــذاء قرابة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم .
فلقد أوذي الرسول صلى الله عليه و آله و سلم حتى قــــــال : " مــــــا أوذي نــبــــــي مثل ما أوذيت " ، و لما كان هــــو خـــاتم الأنبياء و المرسلين ، و صاحب الرسالة الخاتمة ، و لما كان اهـــــل بيته عليهم السلام هو الـثــقـــــل الأكبر الموازي للقرآن الكريم ، و الامــتـــــــداد الطبيعي لرسول الله و رسالة الاسلام ، لم يكن ممكنا تقيد هذه الأذيــــــــــة في زمانه فقط بل سـتـسـتـمــر و ستتواصل عليه و عـــلى ذريته الحاملين لرسالته ، و التاريخ يشـهـــــد ان الأذى انـصــب و كان اكثر قـســــوة على اهل بيته ، باعتباره احد الثقلين من
جهة ، و امتــــدادا لرسول الله و رسالته من جهة ثانية ، فكـــان طبيعيا أن
يكون أجر رسالته صلى الله عليه و آله و سلم هو عدم ايذائهم .