تحقيق: حسين كاظم العرادي
السيدة نفيسة مرقدها في مصر في القاهرة وهي: السيدة نفيسة بنت السيد حسن الانور ابن السيد زيد الابلج ابن الامام الحسن السبط (ع) ابن الامام علي ابن ابي طالب (ع).
أمها أم ولد وتزوجت السيدة نفيسة السيد اسحق ابن الامام جعفر الصادق (ع) ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين ابن الامام الحسين ابن الامام علي ابن ابي طالب (عليهم الصلاة والسلام) وكان زوجها يلقَّبْ بأسحق المؤتمن، وكان من اهل الاصلاح والخير والفضل والدين وروى عنه الحديث (ابن كاسب رجل مصري) يقول حدثني الثقة الرضي اسحق ابن جعفر وكان له عقب في مصر من غير السيدة نفيسة، وولدت السيدة نفيسة منه ولدين (القاسم، وام كلثوم).
ولادة السيدة نفيسة
ولدت السيدة نفيسة بمكّة المكرمة سنة خمسة واربعون ومائة ونشأت في المدينة المنورة وكانت زاهدة في العبادة وكانت تصوم النهار وتقوم الليل وكانت لا تفارق حرم جدها رسول الله (ص) وحجّت في حياتها ثلاثين حجّة اكثرها ماشية على الاقدام، وكانت تبكي بكاءً كثيراً قرب أستار الكعبة وتقول إلهي وسيدي ومولاي متِّعني وفرِّحني برضاك عنّي فلا سبب لي اتسبب به يحجبك عني..
قالت عنها السيدة زينب بنت السيد يحيى المتوَّج، وهو شقيق السيدة نفيسة، اي بنت أخيها، خدَمتُ عمّتي نفيسة اربعين سنة، فما رأيتها نامت بليل ولا افطرت بنهار فقلت لها اما ترفقين بنفسك، فقالت كيف ارفق بنفسي وأمامي عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون.
سألت السيدة زينب عن قوت السيدة نفيسة (ع) فقالت، كانت تأكل ثلاثة ايام أكلة وكانت لها سلة معلقة امام مصلاّها فكانت كلما اشتهت شيئاً وجدته في السلّة، وكنتُ اجد عندها ما لا يخطر بخاطري ولا أَعلم من يأتي به فتعجبت من ذلك فقالت لي يا زينب من استقام مع الله تعالى كان السكون بيده وفي طاعته..
وعن زينب ايضاً قالت، كانت عمتي نفيسة (ع) تحفظ القران وتفسيره وكانت تقرأ القران وتبكي وتقول إلهي وسيدي يسّر لي زيارة خليلك ابراهيم (ع) فحجّت هي وزوجها إسحق المؤتمن أبن الامام جعفر الصادق (ع) ثم زارت قبر خليل الرحمن (ع) ثم رجعت الى مصر وسكنت بالمنصوصة في القاهرة في دار ام هاني، وكان بجوارهم يهودي له بنت مُقعدة لا تستطيع القيام فقالت لها أمها انّي ذاهبة الى الحمام حيث كان بعيد عن دارهم، فما اصنع بك فهل لك ان نحملك معنا، قالت لا استطيع ذلك قالت هل تقيمين في البيت وحدك حتى نعود قالت لا يا اماه ولكن اجعليني عند هذه الشريفة التي بجوارنا حتى تعودي، فدخلتْ امها الى السيدة نفيسة (ع) وسألتها في ذلك فأذنت لها، فجأت بابنتها اليها فوضعتها في جانب من البيت ومضت فجاء وقت صلاة الظهر فأحضرت السيدة نفيسة ماء وتوضأت به فجرى من ماء وضوئها الى جانب الصبية المقعدة فجعلت تمر به على اعضائها فتمددت بإذن الله تعالى فلما جاء أهلها خرجت اليهم تمشي فسألوها عن شأنها فأخبرتهم فأسلموا جميعاً...
قدوم السيدة نفيسة
قدِمت السيدة نفيسة (ع) الى مصر سنة ثلاثة وتسعين ومائة، على خلاف في ذلك وفي تاريخ ابن (خلكان) دخلت مصر مع زوجها اسحق ابن الامام جعفر الصادق (ع) وقيل دخلت مع ابيها الحسن وأن قبره بمصر لكنه غير مشهور، فلما سمع اهل مصر بقدوم السيدة نفيسة (ع) كان لها ذكر شائع عندهم حيث تلقتها النساء والرجال بـ(الهوادج) من العريش ولم يزالوا معها الى ان دخلت مصر فأنزلها عنده كبير التجار بمصر(جمال الدين ابن عبد الله ابن الجصاص) وكان هذا الرجل من اهل الاصلاح ومن محبي اهل البيت (ع) فنزلت عنده في داره وأقامت بها مدة شهور والناس يأتون اليها من سائر الافاق يتبركون بزيارتها.
كرامات السيدة نفيسة في مصر
ذكر القرماني في تاريخه لما ظلم احمد ابن طالون الحاكم في مصر حيث ذاك استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا الى السيدة نفيسة (ع) يشكونه اليها فقالت لهم متى يركب قالوا في غد فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت يا احمد ابن طالون فلما رآها عرفها فنزل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها حيث كان فيها من البيان، فإذا فيها ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وخولتم فعسفتم وردت اليكم الارزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم ان سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد اعريتموها فما حال ان يموت المظلوم ويبقى الظالم، أعملوا ما شئتم فإنّا صابرون وجوروا فإنّا بالله مستجيرون، أظلموا فإنا الى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فقيل عدَلَ لوقته وغيّرَ سياسته مع الناس، وهذا في دولة الطولونية التي أولها احمد ابن طولون كان في سنة اربع وخمسين ومئتين، كما في تاريخ الاسحاقي.
وفاة السيدة نفيسة (ع)
توفيت السيدة نفيسة (ع) في رمضان سنة ثمان ومئتين في مصر في القاهرة ولها قبر يزار من قبل المسلمين ويسميها بعض المصريين السيدة نفيسة المصرية.
ومن كرامتها ايضاً يقال توقف النيل في زمنها فجاء الناس اليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعتها فجأوا به الى البحر وطرحوه فيه فما رجعوا حتى وفي البحر وزاد زيادة عظيمة ،وعن وفاتها ان السيدة نفيسة انتقلت من المنزل الذي نزلت به الى دار ابي جعفر خالد ابن هارون السلمي وهي التي وهبها لها أمير مصر السري بن الحكم في خلافة المأمون فأقامت بها حيناً الى زمن وفاتها وحفرت قبرها بيدها في بيتها وكانت تصلي فيه كثيراً وقرأت فيه مائة وتسعين ختمة وفي رواية ألفَي ختمة.
قالت زينب بنت اخيها، تألمتْ عمّتي في اول ايام من رجب وكتبتْ الى زوجها اسحق المؤتمن كتاباً وكان غائباً بالمدينة تخبره بالمجيء اليها ولا زالت كذلك الى اول جمعة من شهر رمضان فزاد بها الالم وهي صائمة فدخل عليها الحكماء وأشاروا عليها بالافطار لحفظ القوة لما رأوا من الضعف الذي اصابها فقالت واعجباه لي ثلاثون سنة أسأل الله عزوجل ان يتوفاني وأنا صائمة فأفطر معاذ الله، ثم أنشدت تقول:
اصرفوا عني طبيبي ودعوني وحبيبي
زاد بي شوقي اليه وغرامي في لهيبي
طاب هتكي في هواه بين واش ورقيب
لا أبالي بفوات حين قد صار نصيبي
ليس من لام بعزل عنه فيه بمصيب
جسدي راضي بسقمي وجفوني بنحيب
قالت زينب، انها بقيت كذلك الى العشرة الاواسط من شهر رمضان فاحتضرت واستفتحت بقراءة سورة الانعام فلا زالت تقرأ الى ان وصلت الى قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة) ففاضت روحها الكريمة، وفي درر الاصداف عنها فلما وصلت الى قوله تعالى (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) غشي عليها فضممتُها الى صدري فتشهّدَت بشهادة الحق وقبضتْ روحها الطاهرة.
ووصل زوجها في ذلك اليوم فقال اني احملها الى المدينة وأدفنها بالبقيع فأجتمع اهل مصر الى امير البلاد واستجاروا به الى أسحق ليردّه عمّا أراد فأبى فجمعوا له مال كثير واسقى بعيره الذي أتى عليه وسألوه ان يدفنها عندهم فأبى، فباتوا في مشقّة عظيمة فلما اصبحوا اجتمعوا عليه فوجدوه غيّر ما عهدوه عليه بالامس، فقالوا له ان لك لشأناً قال نعم رأيت في عالم الرؤيا جدّي رسول الله (ص) وهو يقول لي ردَّ عليهم اموالهم وادفنها عندهم وذلك سنة ثمان ومائتين، فدُفنتْ بدرب السباع، وكان يوم دفنها يوماً مشهود وأتوها من البلاد والنواحي يصلون عليها بعد دفنها وأوقدت الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار في مصر وعظم الاسف عليها..
وينبغي زيادة على ما تقدَّم ان الزائر اذا دخل ضريحها بل وضريح كل من كان من اهل البيت (ع) خلافاً لمن خصّه بالسيدة نفيسة (ع) ان يقول: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً) (صدق الله العلي العظيم).
..................................................................................
المصادر/
1- نور الابصار في مناقب آل بيت النبي المختار(ص) للشيخ الشبلنجي.
2- طبع بمطبعت المكتبة السعيدة بجوار الازهر ، صاحبها حيث ذلك / سعيد علي الخصوصني.
3- تاريخ الطبع تمت يوم الثلاثاء لعشرة ليال خلت من رمضان سنة 1185.