محمد حميد الصواف
لا يزال العمى سمة تلازم رؤية السلطات السعودية المتزمتة، سيما انها لا تستطيع استشراف ورؤية عاقبة الأمور في حال استمر الوضع كما هو، يغلب عليه التهميش والاستبداد والتمييز العنصري في السياسة المتعبة أزاء مكونات الدولة.
فيما يؤكد العديد من المراقبين ان النظام السعودي الحاكم ارتكب العديد من الخطايا التي لاتغتفر بحق شعبه اولا وشعوب المنطقة ثانيا، مما يمهد دون أدنى شك الى عاقبة وخيمة تنتظر اركان السلطة، وما يلزم ذلك سوى شيء من الوقت حتى يتحقق.
فالشعور الجامح لدى الشعب هناك المتطلع للحرية والحقوق بات ينتشر كالنار في الهشيم، على الرغم من انحسار الاحتجاجات الكبيرة في المناطق ذات الاغلبية الشيعية التي أرتأت انتزاع حقوقها في هذا الوقت مهما كانت التكلفة، خصوصا انهم أكثر مكونات الشعب تضررا من السياسة العنصرية والاستبدادية التي تنتهجها العائلة الحاكمة وأمراءها.
حيث لم تفلح العصا التي تلوح بها السلطات السعودية في لجم المطالبين بالإصلاح والتغيير، بل لوحظ تصاعد الاحتجاجات مع كل ضحية تسقط بسبب القمع الأمني، وهو ما يسقط الرهان الحكومي في اخماد الانتفاضة كما تعتقد.
الآلاف في مسيرة حاشدة
فقد شارك الآلاف في بلدة العوامية بمحافظة القطيف في تشييع الشاب الراحل عصام محمد أبو عبدالله (22 عاما) الذي قتل برصاص عناصر الأمن السعودي. وانطلق موكب التشييع من مغتسل العوامية بحي الديرة، وحمل الآلاف جثمان الشاب ابو عبدالله الذي غطته أغصان الريحان وعلته عشرات الرايات السوداء والحمراء. وأكدت مصادر مصرع الشاب عصام أبوعبدالله بعد اصابته بعدة أعيرة نارية في أنحاء متفرقة من جسمه. وروى شهود عيان أن عناصر من قوات الأمن فتحوا النار بكثافة بعد تعرض احدى المركبات الأمنية لرشق بالحجارة في أحد الشوارع الداخلية في البلدة.
وإلى جانب الشاب القتيل أصيب في اطلاق النار ثلاثة آخرون وهم محمد السعيد، ومرسي الربح، وعبدالله الصويمل. وذكرت مصادر مطلعة أن الصويمل نجى من موت محقق بعد تعرض سيارته لوابل من الرصاص عندما كان يعبر نقطة تفتيش عند أحد مداخل البلدة.
وأعقب الاشتباك بين الأهالي وعناصر الأمن اغلاق قوات الأمن لجميع منافذ البلدة في وجه الداخلين والخارجين. وأصيب رجل أمن عندما أطلق مجهولون النار على دورية لقوى الآمن. وأعلن الناطق الإعلامي باسم شرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد الرقيطي أنه أثناء "قيام دورية أمن بمهامها المعتادة في شارع أحد باتجاه طريق الملك فيصل بمحافظة القطيف تعرضت لإطلاق نار من مجهولين مما نتج عنه إصابة أحد رجال الأمن وتم نقله إلى المستشفى" . ولم يورد الناطق أية تفاصيل أخرى واكتفى بالقول أن"الجهات المختصة باشرت التحقيق في الحادث".
وكان متحدث أمني سعودي قال أن شابا قتل وجرح آخر عندما تعرضت دورية أمنية لهجوم بالمولوتوف وإطلاق نار في منطقة القطيف.
وكانت القطيف شهدت احداثا امنية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي اسفرت عن مقتل اربعة من الشيعة. واعلنت وزارة الداخلية السعودية مطلع العام الحالي اسماء 23 شخصا قالت انهم مطلوبون بتهمة "اثارة الشغب" في المنطقة الشرقية حيث دارت في الاشهر الاخيرة مواجهات متفرقة بين قوى الامن ومجموعات من الشبان الشيعة.
واتهمت الوزارة المطلوبين بالقيام "باعمال مشينة وتجمعات غوغائية وعرقلة حركة المرور واتلاف الممتلكات العامة والخاصة وحيازة اسلحة نارية واطلاق النار على المواطنين ورجال الامن تنفيذا لاجندات خارجية".
وسجلت ابرز المواجهات في العوامية التي تطغى عليها سمة التشدد في شكل عام. وتعد المنطقة الشرقية الغنية بالنفط المركز الرئيسي للشيعة الذين يشكلون نحو 10% من السعوديين البالغ عددهم نحو 19 مليون نسمة، وكانت شهدت تظاهرات محدودة تزامنا مع الحركة الاحتجاجية في البحرين وغيرها. ويتهم ابناء الطائفة الشيعية السلطات السعودية بممارسة التهميش بحقهم في الوظائف الادارية والعسكرية وخصوصا في المراتب العليا.
وتقول الحكومة ان هناك نحو مليون شيعي في المنطقة الشرقية لكن تقريرا من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات من 2005 قال ان هناك نحو مليوني شيعي وقالت برقية دبلوماسية أمريكية سربها موقع ويكيليكس ان العدد 1.5 مليون شيعي.
وهم يقولون انهم يجدون صعوبة في الحصول على وظائف حكومية أو مناصب جامعية أو اقامة دور للعبادة وان الاحياء الشيعية لا تلقى نفس القدر من الاستثمار وان رجال الدين السنة ينتقصون من قدرهم.
وأشرك الملك عبد الله بن عبد العزيز الشيعة في سلسلة من اجتماعات "الحوار الوطني" وعين أعضاء شيعة في مجلس الشورى لكن نشطاء يقولون ان مثل تلك الخطوات لم تسهم كثيرا في تحسين وضعهم.
وعلى الرغم من ان الشيعة يتركزون في المنطقة الشرقية في منطقتي القطيف والاحساء القريبتين من منشات النفط الرئيسية في المملكة الا ان محللين يقولون ان الاضطرابات لا تمثل خطرا على انتاج النفط او تصديره.
الى ذلك قالت السعودية انها اعتقلت اثنين من بين 23 شيعيا مطلوبين فيما يتعلق بالاضطرابات في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط بالمملكة وان ثلاثة آخرين سلموا أنفسهم للسلطات. وقال التلفزيون الحكومي ان بيانا لوزارة الداخلية قال ان ثلاثة من المطلوبين بتهمة إثارة الاضطرابات في المنطقة الشرقية سلموا أنفسهم للسلطات الأمنية بينما جرى اعتقال اثنين آخرين.
وتتهم السلطات المطلوبين بخدمة أهداف قوة أجنبية وفي العادة يكون هذا إشارة الى ايران الشيعية التي تعتبر الرياض انها تؤجج الاضطراب الطائفي لزعزعة استقرار المنطقة.
وقالت وزارة الداخلية في بيان سابق ان بعض المطلوبين لهم سجلات اجرامية وكانوا يحملون اسلحة غير مرخصة ويعرقلون المرور ويحاولون إثارة الاضطراب.
لجنة دولية لملاحقة المسؤولين
من جهة أخرى يعتزم معهد شؤون الخليج في واشنطن إنشاء لجنة لملاحقة كبار المسؤولين الحكوميين الرسميين والأمنيين منهم، الذين ينتهكون حقوق الإنسان في السعودية. وذكر المعهد ان اللجنة التي تحمل اسم "لجنة التحقيق والإدانة" ستصدر قائمة بأسماء وصور المسؤولين المنتهكين لحقوق الإنسان ومعلوماتهم الكاملة ومواقعهم الوظيفية وستكشفها للعالم.
وستصدر اللجنة قائمة سنوية ودورية بأسماء المنتهكين وسيتم توزيعها على حكومات وسفارات الدول الغربية. وحذرت من انها ستقوم بملاحقتهم دوليا لمنعهم من السفر إلى الخارج ومحاصرتهم قانونيا عملا بالقوانين في تلك الدول التي تحرم دخول القتلة والمعذبين والمنتهكين اليها وفقا للمعهد.
ودعا المعهد كافة المواطنين المشاركة بتوفير معلومات عن المنتهكين وتوثيق جرائمهم وذلك بالتواصل عبر هاتف المعهد او البريد الإلكتروني. كما دعا من وصفهم بالمسؤولين "الشرفاء" إلى تسريب مايمكنهم تسريبه من أدلة ووثائق ومعلومات تخص أوامر القتل والتعذيب والإعتقال وغيرها التي يتحمل تبعاتها كبار المسؤولين من الوزراء وحكام المناطق والقيادات الأمنية العليا.
وأورد المعهد الذي يرأسه المعارض السياسي السعودي علي الأحمد، جملة من الانتهاكات التي سوف يلاحق من يرتكبها من المسؤولين.
وهي "القتل، والتعذيب، الحكم بالقتل على المعارضين السياسين، الحكم بالسجن على المعارضين السياسيين، إتلاف وسرقة ممتلكات المواطنين، الإعتداء على المتظاهرين واطلاق الرصاص عليهم، التمييز العرقي والديني والمذهبي، التمييز ضد المرأة، الجرائم ضد الأطفال مثل المساهمة في تزويج الصغيرات، وغيرها من الانتهاكات". بحسب شبكة راصد الإخبارية.
وطالب المعهد المواطنين الذي يعتزمون التواصل مع اللجنة إلى "توخي الدقة والمصداقية في شكاواهم والتركيز على أصحاب القرار الرئيسي في الإنتهاكات" مطمئنا اياهم بالمحافظة على "خصوصية المشتكين".
النمر يدعو الشعوب
من جانبه دعا إمام وخطيب جمعة العوامية الشيخ نمر باقر النمر شعوب المنطقة إلى أن تتحمل مسؤوليتها الدينية في الوقوف ضد القمع المفرط الذي تمارسه الأنظمة السياسية بحق شعوبها المطالبة بالحرية والكرامة.
وفي خطبة الجمعة وأمام حضور حاشد من المصلين، شدد النمر على أن شعوب المنطقة ليست ملكاً للأنظمة الحاكمة، مؤكداً على حقها في التحرر من سلطة الاستبداد والدكتاتورية. ورفض الشيخ النمر تصوير ما يجري من أحداث في سوريا وفي البحرين على أساس أنه صراع طائفي، مؤكداً أن الطغيان والدكتاتورية لا تتدين بدين أو مذهب، وأن ما يدفع الأنظمة للإفراط في لغة القمع هو الحفاظ على السلطة لا غير.
وحث على نصرة الشعوب والمجتمعات الحرة أياً كانت وأياً كان انتماؤها المذهبي، مشيراً إلى أنه لا فرق بين سوريا والبحرين، أو بين بريدة والقطيف، أو بين جدة والأحساء. وتابع بأن الإسلام خيمة تجمع وتحمي كل المسلمين بمختلف مذاهبهم وطوائفهم.
وحذر من أن يتحول المظلوم إلى ظالم لأخيه المسلم، فيظلم الشيعي السني أو يظلم السني الشيعي. وشدد على مطالبته بالإفراج عن سراح جميع معتقلي الرأي من السنة والشيعة، خاصاً منهم إصلاحيي جدة والشيخ توفيق العامر والسجناء المنسيين. وأضاف أن المطالبة بالحقوق من خلال التظاهر والتعبير السلمي هو حقٌ مشروع ومسؤولية شرعية، وأن أياً من المذاهب الإسلامية ومنها السلفية لا تحرم التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق بصورة سلمية.
وأوضح أن الأنظمة السياسية في المنطقة هي التي تدفع الشعوب لخيار التظاهر السلمي حينما توصد أبوابها أمام المطالب المشروعة التي تنادي بها الشعوب. بحسب شبكة راصد الإخبارية.
وفي سياق مختلف، انتقد النمر بشدة ما أقدمت عليه القوات السعودية من مداهمات وانتهاك حرمة البيوت وترويع الأهالي بالأسلحة. وحذر من تكرار سياسة المداهمات، مشدداً بأن عواقبها ستكون وخيمة على المعتدي حيث أن الدفاع عن العرض والمال مسؤولية شرعية وفطرة إنسانية.
وكانت قوات الأمن السعودية داهمت قبل أيام عدة من البيوت واعتدت على الممتلكات الخاصة لأصحابها. وقد نسب مراقبون للأهالي تعرض أموالهم للسرقة من قبل القوات.
وأوضح النمر أن لغة الرصاص واللجوء للحلول الأمنية هي السبب الأساس في التوتر الذي تشهده المنطقة، وأن بابه وصدره مفتوح للحوار والكلمة مع المسؤولين والسلطة السياسية في البلاد.
وتعليقاً على ذكرى أربعينية الشهداء شدد على ضرورة التمسك بمنهج الشهادة لأنه سبيل تحصيل الحقوق والكرامة. وأشار إلى المقام العظيم الذي جعله الله سبحانه للشهداء، وأن الجرحى الذين يتعرضون للاعتداءات الجسدية والنفسية ويقابلونها بالصبر والثبات لهم مقام الشهداء يوم القيامة.