لا أحد يختلف على أن النظام السياسي في السعودية قائم على التسلط، وحصر الحكم في عائلة آل سعود، حتى من يتفق معه في الاهداف، حيث يعد هذا النظام من اكثر النظم السياسية قمعا واستبدادا، ولا أدل على ذلك من تناقل الحكم بالوراثة، وكأن السلطة في السعودية معقودة في هذه العائلة حصرا، أما الآخرون من الشعب السعودي فلا حق لهم في ادارة بلدهم وشعبهم وأنفسهم، وهذا دليل قاطع على أن النهج السياسي في السعودية، قائم على التسلّط والاكراه المتواصل.
وكلنا نتفق على أن هذا النوع من النظم السياسية، يتعارض كما هو واضح مع فطرة الانسان، فالناس خلقهم الله أحرارا، كما جاء في قول معروف للامام علي بن ابي طالب عليه السلام، وطالما أن القمع والاستبداد من وسائل احتكار السلطة، فإن الانسان بطبعه يختلف ويناقض هذا المسار، طال الزمن أم قصر، لذا يحتاج آل سعود دائما الى وسائل لحماية وجودهم على رأس السلطة، وهكذا كانت لعبهم السياسية غالبا ما تمتد الى الفضاء الخارجي (العربي)، كونه السبيل الأنسب لحماية سلطتهم وعرشهم من التهاوي والسقوط.
في لبنان قبل ما يقرب من اربعين عاما، كان الدور السعودي معروفا في تأجيج الحرب الأهلية بين مكونات هذا الشعب، وقد ضُخَّت الدولارات السعودية بالملايين لمواصلة تلك الحرب الطاحنة بين طوائف الشعب اللبناني الواحد، وذلك من اجل إلهاء الشعب السعودي عن مشكلاته الكثيرة، التي تتمثل بغياب الحقوق السياسية والاجتماعية وما شابه ذلك، حيث يحاول النظام الحاكم في السعودية أن يزرع نوعا من التفوق السياسي الاجوف للسعودية، ليس على الصعيد الداخلي المتهالك والمأزوم دائما، بل في الخارج العربي الذي يشكل حلا لمشكلات النظام السعودي دائما.
يتكرر هذا الدور الشرير في دول عربية اخرى، لاسيما في مرحلة الربيع العربي الراهنة، كما نلاحظ مثلا محاولة النظام السعودي في سرقة انجازات الثورة المصرية، ومحاربة قادتها الشباب وغيرهم، ناهيك عن الدفاع المستميت عن حسني وزبانيته، كذلك دفاع النظام السعودي عن زين التونسي الذي بطش بشعب تونس وسرق امواله وثرواته هو وعائلته وحاشيته.
مثل هذا الدور السعودي الملتبس، يتكرر الآن في سوريا، فالهدف ليس الوقوف الى جانب الشعب السوري كما يدّعي رموز النظام الملكي السعودي، بل هو اشعال الحرب الاهلية بين مكونات الشعب السوري، للقضاء على وحدته وتماسكه وتطلعه الى التحرر، لأن النظام السعودي يخشى البلدان المتحررة كما حدث مع لبنان في السبعينيات، عندما كانت تمثل قبلة التحرر العربي، الذي زرع الخوف في قلوب حكام الانظمة العربية القمعية، وفي المقدمة منها السعودية، التي سعت في دورها التخريبي بلبنان آنذاك، خوفا من انتقال جذوة التحرر الى شعبها الامر الذي يشكل تهديدا مباشرا لعرش السلطة الملكية.
وهكذا يمتد مثل هذا الدور السعودي المتمادي، الى جميع الدول العربية المتحررة، كما لاحظنا ذلك في العراق بعد تجربته الجديدة في مرحلة ما بعد نيسان 2003، حيث دأب هذا النظام على افتعال الازمات مع العراق وتصدير الارهاب له وزعزعة امنه، اذن هناك دور سعودي مستميت لوقف حركات الاصلاح في معظم الدول العربية، كونها تشكل تهديدا قويا للعرش الملكي السعودي.
وهذا يتطلب تأشيرا دقيقا لهذا الدور السعودي الخطير، من لدن جميع الساسة العرب، لا سيما في الدول التي تحررت من انظمتها القمعية في الربيع العربي الراهن، ولابد من الوقوف عند هذا الدور، وفضح مخططاته للجميع، لأن الحرية وهذا النظام القمعي في تقاطع تام ودائم، وأينما يتأسس نظام حكم عربي متحرر، ستجد هذا الدور التخريبي حاضرا، لأنه السبيل الوحيد لحماية العرش الملكي في السعودية.
مطلوب من الساسة العرب التعامل الحكيم والدقيق مع الدور التخريبي الواضح للعيان، ليس على مستوى الحكومات العربية فقط، بل مطلوب تحرك شعبي لفضح التسلط السعودي على شعبها اولا، وللتخلص من ادوارها التخريبية التي تسعى لوأد الاجواء العربية التحررية وهي لا تزال في مهدها، على أننا يجب أن نفهم بأن هذا الدور يعتمد نشر الفوضى بي مكونات الشعب الواحد، ولكنها فوضى ليست خلاقة.