الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)
اسمه (موسى) وكنيته (أبو إبراهيم) و(أبو الحسن)، ولقبه (الكاظم) و(العبد الصالح)، وأمه حميدة وتكنى لؤلؤة. ولد بالأبواء موضع بين مكة والمدينة في السابع من صفر سنة 128. تنقسم حياته لمرحلتين، مرحلة ما قبل الإمامة ومرحلة إمامته وهي طويلة. استمرت 35 عاماً من سنة 148 إلى 183، بذل فيها مختلف الجهود في الحفاظ على الإسلام الأصيل ونشره وعدم الاستسلام لحكام عهده، لذلك زج في السجون مرات عديدة، عاصر من الخلفاء العباسيين المنصور والمهدي العباسي والهادي وهارون الرشيد. واستشهد بالسمّ بأمر هارون الرشيد في سجنه سنة 183 في بغداد وعمره (55) عاماً، بعد أن قضى 15 عاماً في السجن لا يخرج منه حتى يدخل إلى آخر، ودفن في مدينة قرب بغداد سميت بالكاظمية، وقد واصل الإمام سيرة أبيه في نشر العلم والتعاليم الإسلامية الحقة وتوعية الأمة وهدايتها. ونشأ على يديه الكثير من التلاميذ من العلماء والرواة، ولكن النظام العباسي الذي كان يخشى من انتشار الوعي الإسلامي الأصيل، ومن اتساع شخصية الإمام واجه الإمام وأصحابه بمختلف الضغوط المشددة حيث سجن بعض أصحابه أمثال ابن أبي عمير، وطار الشيعة، فقتل الكثير من العلويين وشرد الكثير منهم في الأقطار، وأوعز إلى بعض الشعراء في النيل من أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن الإمام كان يواصل مهمته التعليمية في الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام)، لذلك كان يصرح بالحق، وتوعية الأمة بالحقائق التي حاول أعداء أهل البيت إخفاءها، حتى في محضر حكام عصره. فمن ذلك ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار: "ن هارون كان يقول لموسى خذ (فدكاً) وهو يمتنع، فلما ألحّ عليه، قال: ما آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها، قال: الحدّ الأول عدن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: والحدّ الثاني؟ قال: سمرقند، فأربدّ وجهه قال: والحدّ الثالث؟ قال: أفريقيا، فاسودّ وجهه، قال: والحد الرابع؟ قال: سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينيا. فقال هارن: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل في مجلسي، فقال موسى: قد أعلمتك إن أن حددتها لم تردّها، فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره" وهو يشير بذلك إلى أن مطالبة الزهراء بفدك هي مطالبة بحق الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة التي نصّ عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا مما أدى إلى اغتصابها. وروى الخطيب البغدادي قال: "بعث موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون". لذلك فإن النظام ألقى القبض عليه وأودعه السجن، لمرات عديدة، وفي آخرها دس إليه السمّ واستشهد في السجن كما ذكرنا.
ومن نشاطاته حواراته واحتجاجاته مع الآخرين.
وتلامذته كثيرون، وكذلك رواياته كثيرة في كتب الحديث. ومن آثاره وصيته لهشام بن الحكم وهي وصية طويلة ذكرت في كتاب تحق العقول. تعتبر فترة الإمام الكاظم (عليه السلام) طويلة نسبياً إلا أن الملاحظ أنه (عليه السلام) تحرّك فكرياً وعلمياً في ظل ظروف قاسية، وبالرغم من ذلك فقد وصلتنا من الإمام (عليه السلام) نصوص متنوعة في مختلف ميادين المعرفة من الفقه والعقائد والأخلاق، والآداب، والتفسير، وغيرها. والمهم أن نعرض لنموذج من النتاج الذي صدر عنه (عليه السلام) ونقتصر على التوصية والكلمات القصار، فمن وصية يوجهها إلى تلميذه هشام بن الحكم يقول: "يا هشام: إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ... ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجّه، ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنّه. يا هشام: إياك ومخالطة الناس والأنس بهم، إلا أن تجد عاقلاً مأموناً فأنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع". ومن كلماته وحكمه قوله (عليه السلام): "تعجّب الجاهل من العاقل أكثر من تعجّب العاقل من الجاهل". "المؤمن مثل كفتي ميزان: كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه". "زكاة الجسد صيام النوافل".