نصر الله عضو مشارك
تاريخ التسجيل : 14/10/2009 عدد المساهمات : 35
| موضوع: مستقبل "شيعة المغرب" : الأحد 21 فبراير 2010, 19:33 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهم 1ـ حقيقة التشيع في المغرب : التشيع في المغرب حالة انتماء ولائي لتراث أهل البيت (عليهم السلام)، وهو موقف فكري توصل إليه أصحابه بعد بحث عميق في أصول الاستدلال الديني من القرآن والسنة والسيرة والتاريخ وعلم الكلام ..
وظاهرة التحول الفكري من مدرسة فكرية إلى مدرسة فكرية أخرى ليس جديدا ولا طارئا على تراثنا الإسلامي ، بل هو سلوك إنساني طبيعي تحدده سجالات الأفكار وتطورها في وعي المتلقي والقارئ الباحث عن الحقيقة .
ولو تتبعنا تفسيرات أولئك الذين تحولوا فكريا إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لوجدناهم كلهم قد عانوا فكريا ونفسيا قبل إعلان تحولهم ، خاصة وأن هذا التحول يعبر عن مقاومة للثقافة الموروثة وللمحيط الاجتماعي ، كما قد يدخلهم ذلك في ظل الجهل والتعتيم في خانة "التكفير" من قبل البعض و "التخوين" من قبل البعض الآخر ..
صحيح أن تعرف المتلقي المغربي على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في ظل حكم صدام بالعراق وتعتيمه على الفكر الشيعي العراقي ، وأيضا بسبب عدم بروز التشيع في بلدان الخليج لأسباب داخلية ، لم يكن ليتم خارج الأقنية الإيرانية .. لأن إيران دولة شيعية ولديها إمكانية عرض فكرها الديني من خلال وسائل التواصل والمعرفة .. ومن هنا يمكن القول أن التشيع الأول كانت قنواته إذاعة طهران أو كتب مطبوعة في إيران يجلبها بعض المواطنين المغاربة من بلاد المهجر الأوروبي خلال عطل الصيف ..لكن مع مرور الوقت ، شهدنا دخول الكتاب الشيعي بشكل قانوني ورسمي في فترة التسعينيات ، وأغلب هذه الكتب كان مصدرها هذه المرة دور النشر اللبنانية .. وما أن ظهرت وسائل أخرى للتواصل والمعرفة كالانترنت والفضائيات حتى تراجع إقبال المغاربة على الكتاب بشكل عام ، وهو ما قد يكون السبب في إقفال كثير من المكتبات وإفلاسها بما فيها مكتبات اختصت بعرض الكتاب الشيعي .. وأخص بالذكر هنا إفلاس مكتبة بطنجة وأخرى بمكناس .
لم يكن يعني تراجع الكتاب الشيعي ضمورا للتشيع في المغرب ، كما ليس مؤشرا على ضعف جاذبية هذا الفكر وإشعاعه ، إنما احتل الإنترنت والفضائيات الأهتمام الأكبر وأصبح أهم قناة لتواصل المغاربة من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) .
كما أن ظهور الشبكة العنكبوتية والفضائيات أضعف الكتاب الشيعي ، فإن دور الجالية المغربية في نقل الكتاب والشريط لم يعد ذو جدوى ، مما أدى بالشيعة المغاربة إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عما يدور في فلك الجالية المغربية المتشيعة في أوروبا ..إن النتيجة الطبيعية لقناعة شريحة من المواطنين بـ "التشيع" هو التفكير في مزيد من التفقه في المذهب ، تلبية لحاجة معرفية ذاتية متعطشة وغير مكتفية ، فكانت فكرة التوجه إلى "الحوزات العلمية" والتزود المعرفي منها ، مما خلق للتشيع المغربي مصدرا محليا للمعرفة بهذا القسم من التراث الإسلامي .
إن دخول فكر أهل البيت (عليهم السلام) إلى المغرب لم يكن بقرار من أحد ولا بدعم من أحد ، إنما كانت مبادرات فردية في اتجاه مصادر المعرفة الشيعية "الكتاب ، الشريط ، الإنترنت ، الفضائيات ، الحوزة " ، غير أننا نجزم أن الحالة الشيعية في المغرب هي حالة أفراد ، وهي ليست حالة سياسية ولا مسكونة بالعمل السياسي ، بقدر ما مسكونة بالهم المعرفي والترقي الروحي لأفرادها ، غير أن جهل البعض ومكر البعض الآخر ساهم في إدخال هذه الحالة في دائرة الضوء ، فكثر الهرج المرج ، وظهر أناس يدعون أنهم باحثين في الظاهرة ليس لهم من الإطلاع المعرفي بالتشيع نصيب ، وذهنهم محشو بأحاديث التيار الوهابي عن التشيع ، وربط بين إيران والشيعة في العالم . 2ـ مستقبل "شيعة المغرب" :
إن حالة النفي داخل الوطن وعدم توفير الحرية لمكون ثقافي واجتماعي من شأنها أن تشكل ردة فعل عفوية لدى "شيعة المغرب" ، وهي الاستغراق في "التقية" والانكماش إلى الداخل ليتعزز الوعي الطائفي لديهم في مقابل ضمور الوعي الوطني ..وهذا الأمر له من السلبيات الكثير سواء على نفس الأفراد المكونين للحالة الشيعية أو على مستوى المحيط الموضوعي الوطني ككل .
إن الخوف من "التشيع السياسي" لا يبرر اتهام الشيعة المغاربة بالارتباط الخارجي بإيران ، إذ لو كان الأمر كذلك ، فهل "الإخوان المسلمون" في مصر شيعة ؟ وهل حماس والجهاد في فلسطين شيعة ؟ وهل الحركات التي اتهمت بصلاتها بالفكر الثوري الإيراني قديما من حركة الاتجاه الإسلامي في تونس وحركات مغربية شيعة ؟
إنني أعتقد أننا اليوم بحاجة إلى ضرورة التمييز بين "التشيع السياسي" و "التشيع المذهبي" ، فالأمر الأول له دوافع خاصة وتجليات معينة ، بينما الأمر الثاني "التشيع المذهبي" له دوافع خاصة وتجليات مختلفة ، بما يعني أنه يجب توفر مقاربتين مختلفتين : مقاربة سياسية في التعاطي مع "التشيع السياسي" ومقاربة أخرى ثقافية واجتماعية في التعاطي مع "التشيع المذهبي" ..وما يعنينا هنا هو مستقبل "التشيع المذهبي" في المغرب ..مع استحضارنا لكثير مع الإكراهات والشروط المتعلقة تارة بالحقل الديني الرسمي ، وتارة أخرى بالإسلاميين والمجتمع ككل .
إن هناك أفكارا طرحناها في جريدة "رؤى معاصرة" في عددها الأول في مقال معنون باسم "إصلاح الحقل الديني بالمغرب : قراءة في الدلالات والأبعاد " كانت بمثابة مساهمة أولية في هذا النقاش التأسيسي لاندماج شيعة المغرب في السياق الوطني على قاعدة "المواطنة " لا المذهب ، دون الحاجة لتأميم المعرفة الدينية وإلغاء التنوع وتبني نهج الإقصاء الثقافي والاجتماعي ..كما أكدنا في عدة مقالات على ضرورة اعتماد مذهبية معرفية بديلة عن المذهبية الطائفية ، ووجوب إعطاء تفسير مرن للوحدة المذهبية يعطي الأولوية التشريعية وما له صلة بالنظام العام للمذهبية السنية المالكية دون حاجة لإنشاء "محاكم تفتيش " مذهبية لمصادرة المذاهب الإسلامية .
هذه أفكار للنقاش وتأملات بحاجة إلى مزيد من التطوير ، وأعتقد أن عددا من مثقفي شيعة المغرب يملكون رؤى وتصورات يحاجة للتطوير والتنقيح ، ومن شأنها أن تدفع بسؤال الهوية الدينية والثقافية للمجتمع المغربي إلى الواجهة لبناء مغرب معاصر يقوم على أساس الوحدة التي لا تلغي التنوع ، وعلى أساس التنوع الذي لا يلغي الوحدة
المقال : منقول من كتابات السيد عصام الحسني
والحمد لله رب العالمين
| |
|