[size=24]باسمه تعالى
اللهم صل على محمد و آل محمد
كثيرا ما يحاول بني وهبان ، إثارة شبهة أن الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ عند خروجه سيأتي بقرآن جديد غير هذا الذي بين أيدينا ، وذلك بالإعتماد على بعض الروايات الشيعية الواردة في هذا الموضوع ، من أجل إهام العامة من المسلمين أن الشيعة تعتقد بأن القرآن المجيد محرف ، خاصة وأن مسألة مجيء الامام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ بقرآن جديد او انه يأتي بالقرآن كما انزل مسألة في غاية الحساسية ويجب الوقوف عليها وقفة تأمل لان القول بذلك يعني القول بأن القرآن الذي بين أيدينا محرف وهذا ما لايقبل اطلاقا وهذا ما سنحاول الوقوف عليه واثباته من خلال هذا الموضوع٠
ذكر في الأحاديث والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) إن الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن يأتي بالقرآن كما أنزل وفي أحاديث أخرى قيل يأتي بكتاب جديد على العرب شديد.
ويمكن تفصيل البحث في الآتي:
--- إن الإمام ـ عجل الله فرجه الشريف ـ يأتي بالقرآن كما أنزل وما يؤيد هذا القول عدة روايات منها:
1.ما رواه المفيد في الإرشاد عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : ( إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط ، ويعلم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل ، فأصعب ما يكون على ما حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف) (1)
2.جاء عن أحمد بن محمد بن عقدة عن علي بن الحسن عن الحسن ومحمد ابني علي بن يوسف عن سعدان بن مسلم عن صباح المزني عن الحارث بن الحصيرة عن حبة العرني قال:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل) (2)
3.حدثنا أبو سليمان أحمد بن هوذة قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي قال حدثنا عبد الله بن حماد الأنصاري عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت عليا (عليه السلام) يقول: ( كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل ) قلت : يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أنزل ؟ فقال:
(لا محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آباءهم وما ترك إلا أبو لهب إلا إزراء على رسول الله لأنه عمه) (3)
هذه بعض الأحاديث الواردة من أن الإمام ـ عجل الله فرجه الشريف ـ يأتي بالقرآن كما أنزل ولا بد من الوقوف وقفة تأمل من هذه الأحاديث وفق ما يلي:
أولا : النظر في صحة هذه الأحاديث والنتيجة هي
إن الحديث الأول مرسل كما أوضح ذلك السيد الصدر في موسوعته (4) وأما الحديث الثاني والثالث فسندهما مشتمل على الحارث بن حصيرة وصباح بن قيس المزني والأول مجهول الحال والثاني زيدي المذهب وضعيف عند ابن الغضائري(5) . ومثل هذه الأحاديث لا يعتد بها لضعفها.
ثانيا: التأمل في متن هذه الأحاديث على فرض صحة سندها والنتيجة هي إنها تؤدي إلى القول بأن القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو ليس كما انزل وهذا التأمل له عدة عوامل أدت إلى القول به منها:
1.آلية جمع القرآن وما صاحبها من تداعيات لا يسع المقام للحديث عنها تجعل الاحتمال أقوى بأن القرآن الذي لدينا الآن ليس كما انزل.
وهذا الرأي مردود لإيماننا بأن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله ومؤلفا على ما هو عليه الآن كما أشار بذلك السيد المرتضى بقوله : ( المحكي أن القرآن كان على عهد رسول الله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن فان القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان .... وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على انه كان مجموعا مرتبا غير منشور ولا مبثوث) (6)
أما بالنسبة لترتيب السور والآيات في القرآن الكريم واحتمال أنها لم ترتب كما رتبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا أيضا مردود لأن ترتيب سور وآيات القرآن الكريم هو ترتيبا نبويا بأمر الهي وهذا ما دلت عليه روايات عديدة تبين أن الرسول كان يأمر بوضع الآية التي تنزل عليه في سورة كذا والآية الفلانية في سورة كذا.
وهناك بحوث قرآنية عديدة بحثت في كون ترتيب الآيات والسور هو ترتيبا توقيفيا أي انه بأمر من الرسول عن الله سبحانه وتعالى منها ما ذكره الزركشي في البرهان حيث قال : ( معنى تأليف القرآن من الرقاع ترتيب السور والآيات وفق إشارة النبي وتوقيفه فأما الآيات في كل السور ووضع البسملة أوائلها فترتيبها توقيفي بلا شك ولا خلاف فيه ولهذا لا يجوز تعكيسها) (7).
وقد أشار السيوطي إلى هذا الإجماع الذي نقله الزركشي حول ترتيب الآيات التوقيفي (8) وأضاف : ( وقد ثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قرأ سورا عديدة بترتيب آياتها في الصلاة ...فكان ذلك دليلا صريحا على إن ترتيب آياتها توقيفيا وما كان للصحابة ليرتبوا ترتيبا سمعوا النبي يقرأ على خلافه فبلغ ذلك حد التواتر)
وأما ترتيب السور فتوقيفي أيضا وقد علم في حياته (صلى الله عليه وآله) وهو يشمل جميع سور القرآن ولسنا نملك دليلا على العكس فلا مسوغ للرأي القائل أن ترتيب السور اجتهادي من الصحابة ولا للرأي الآخر الذي يفصل من السور ما كان ترتيبه اجتهاديا ومنه ماكان توقيفيا. (9)
2.تعدد القراأت للقرآن الكريم دليل على انه ليس كما أنزله الله سبحانه على نبيه الأكرم.
وهذا ما لا يمكن قبوله وهو مردود لان الأخبار الواردة في القراأت هي أخبار آحاد لم تثبت قرآنيتها وقال في ذلك السيد الخوئي ( المعروف عند الشيعة أنها غير متواترة بل القراأت بين ما هو اجتهاد من القارئ وبين ما هو منقول بخبر واحد) (10) .
3.لو كان القرآن الذي بين أيدينا الآن هو نفسه ما جاء به علي ابن أبي طالب (عليه السلام) للقوم ما كانوا رفضوه ولم يقبلوه وقال لهم لن تروه بعد يومكم هذا.
ويمكن الرد على هذا القول بأنه لا احد ينكر أن الإمام (عليه السلام) جاء بالقرآن الذي كتبه بيده ولكن ما هي ماهية هذا القرآن؟ ومن قال أن النص القرآني الذي هو كلام الله الذي جمعه الإمام كان مغايرا لما جمعه القوم؟
نعم هناك شيء مغاير وهو تفسير هذا النص الذي كان عند أمير المؤمنين وتأويله والذي جعله مرافقا للنص القرآني عند جمعه له والتفسير القرآني لا يؤخذ إلا من أهل البيت عليهم السلام وهناك عدة روايات تشير إلى ذلك منها:
عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (...فإنما على الناس أن يقرأوا القرآن كما أنزل ،فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالاهتداء بنا وإلينا..) (11)
وهنا إلتفاتة يجب ان نلتفت لها وهي:
كيف يأمر الإمام الناس بقراءة القرآن كما انزل إن لم يكن موجود بين أيديهم؟
ألا يدل ذلك على إن القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو نفسه القرآن الكريم الذي رتبه رسول الله صلى الله عليه وآله؟
ويمكن أن نختم هذا الموضوع بجزء مقتبس من رسالة الإمام الباقر (عليه السلام) التي بعث بها إلى سعد الخير وهي رسالة طويلة جاء فيها:
( ...وكل أمة رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرَفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه...) (12)
قال الشيخ المازندراني في شرحه للكافي في معرض تعليقه على قوله(عليه السلام) : ( وكان نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه)
إنهم أقاموا حروفه وكلماته وإعرابه وصححوها عن التصحيف والتحريف وحرفوا حدوده وأحكامه وجعلوا حلاله حراما وحرامه حلالا وولاية الحق مردودة وولاية الباطل مقبولة فهم يرونه بضبط الحروف ومبانيه أي أن هؤلاء حفظوا الشكل وأضاعوا الحكم واهتموا بالظاهر وفرطوا بالمعنى. (13)
ومن هنا يمكن الوصول إلى النتيجة القائلة بأن الإمام أمير المؤمنين جاء القوم بالقرآن مع التفسير وكما هو المعلوم أن تفسير الإمام للقرآن لا يستسيغه القوم كما لم يستسيغوا طلب الرسول بإحضار الدواة والكتف قبل وفاته صلى الله عليه وآله.
وهذا هو المقصود أي : التفسير الصحيح الذي أخذه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الآيات ، أي كأنه كتب التفسير كحاشية للمصحف الشريف . أو بكيفية أخر لا نعلمها الآن ...
وذلك لأن أعلم الناس بالقرآن الكريم هو أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما روي عن عامر بن واثلة قال : خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلى على نبيه ، ثم قال :
أيها الناس سلوني سلوني ، فوالله لا تسألوني عن آية من كتاب الله إلا حدثتكم عنها بما نزلت ، بليل أو بنهار ؟ أو في مقام أو في مسير ؟ أو في سهل أم في جبل ؟ وفيمن نزلت : أفي مؤمن أم في منافق ؟ وما عني به أخاصة أم عامة ؟ ولئن فقدتموني لا يحدثكم أحد حديثي ...
وقال علي (عليه السلام) : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت أبليل نزلت أم بنهار نزلت في سهل أو جبل ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤلا ... وقال علي (عليه السلام) : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب .
الهوامش
1)الإرشاد للشيخ المفيد،344
2)مستدرك الوسائل للميرزا النوري، 3/369
3)الغيبة للنعماني 318
4)تاريخ ما بعد الظهور للسيد الصدر 452
5)الغيبة للنعماني 318
6)تدوين القرآن للشيخ الكوراني 41
7)البرهان للزركشي، 1/256
8) الإتقان للسيوطي، 1/4
9)مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح، 70/71
10)البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي، 123
11) وسائل الشيعة للحر العاملي، 27/202
12) شرح الكافي للمازندراني، 11/378
13) التحريف والمحرفون للسيد محمد علي الحلو،88/91
[/size]