الإصلاح الإسلامي من الفكر إلى السياسات
إدريس هاني
Monday, December 07, 2009
الإصلاح الديني: الآفاق والفاعلون
الدين لا يصلحه إلا العقل-علي بن أبي طالب
مدخل
نحاول الحديث من خلال هذا المدخل العام عن أمرين ضروريين، لا بد من إحراز النظر فيهما قبل الجواب عن أي تساؤلات أخرى.
الأول: في أي سياق يتعين اليوم موضعة الحديث عن الإصلاح الديني ؟
الثاني: يتعلق بطبيعة النموذج المعرفي الذي تحكم حيناً في عملية الإصلاح الديني.
ولا يخفى ما للأمرين من أهمية وتأثير في موضوعنا، حيث لكل معالجة سياقها التاريخي الواقع وإطارها المعرفي المتوقع. بل إن كل هذه الضبابية التي حلَّت بالفكر الإصلاحي مردُّها إلى أننا نعالج قضايانا معزولة عن تاريخها ومتحررة من مرجعيتها النظرية، مما يجعل جدل الفكر قاصراً عن بلوغ مداه في تركيب نتائج النقاش مهما اتسع هذا النقاش واستمر. إنه سؤال الواقع وسؤال المنهجية.
الأمر الأول: في أي سياق يتعين موضعة الحديث عن الإصلاح الديني اليوم؟
ثمة زاويتان في تعيين الإطار التاريخي لنشوء خطاب الإصلاح الديني في عالمنا العربي والإسلامي:
أحدهما: طرح بإلحاح في نهاية النصف الأخير من القرن التاسع عشر في سياق ما عرف يومها بمشروع النهضة العربية، بدءاً بآراء رفاعة الطهطاوي وانتهاءً بآراء الشيخ رشيد رضا في مراحل عطائه الأولى قبل أن يظهر الفتور لدى هذا الأخير تجاه مقاصد نهج الجامعة الإسلامية، وتحديداً على مقاصد المنظور الإصلاحي لأستاذه محمد عبده، وانهماكه في مقاصد الخطاب السلفوي -تمييزاً بين سلفية رواد الإصلاح وفكرة الجامعة وبين سلفية المتأخرين رواد فكرة الجماعة-، وفكرة تصحيح المعتقد أولاً. وهي حالة النكوص كما يسميها البعض في نهج الإصلاح والنهضة، والردة عن مقتضيات النهضة وآفاقها كما يسميها البعض الآخر. قد يكون سببها تعرف الشيخ محمد رشيد رضا على آراء محمد بن عبد الوهاب، أو قد يكون سببها الإحساس بخيبة الأمل الذي أحدثها التخلي التركي الرسمي عن مؤسسة الخلافة.
وثانيهما: ما طرح راهنيًّا وبإلحاح على مستوى تغيير مناهج التربية والإصلاح الديني وإعادة هيكلة الحقل الديني، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها بعد ذلك من أحداث، أهمها وقوع احتلالين جديدين في العالم الإسلامي: أفغانستان والعراق. تغيير المناهج الذي بات مطلباً ينطلق من الدوائر الأمريكية ويقع ضمن مسلسل التدابير الوقائية وربما العقابية في سياق ما يعرف في الخطاب السياسي الأمريكي: الحرب على الإرهاب.
الحديث عن تجارب الإصلاح تستدعي نموذجين: أحدهما ما جرى في المجال العربي، والآخر فيما شهده المجال الإيراني عشية قيام الثورة الإسلامية. ويجدر بنا هنا العبور بعجالة على النموذج الإيراني قبل تجربة الإصلاح الإسلامي العربي التي هي عمدة النقاش في هذه الورقة.
أجل، هناك محاولات أخرى لإصلاح الفكر والسياسة في العالم الإسلامي خارج المنطقة العربية -أقصد المجال الهندي والتركي والإيراني- طرح فيها موضوع الإصلاح بإلحاح لا يقل ضراوة عما أشرنا إليه، وقلَّما يُلتفت إليه عادة بسبب انغلاق التجربة في مجالها القطري، أو قصور في الانفتاح عليها، كما هو شأن تجارب الإصلاح الإسلامي في تركيا، أو بسبب آخر يتعلق بشدة النزاع السياسي الكبير الذي حكم مسار العلاقة في منطقتنا، كما هو النموذج الإصلاحي الإيراني، وهو النموذج الأكثر حضوراً وحيوية. بل لا أدل على ذلك مما جرى ويجري داخل المجالي الإيراني الذي قادته ثورة 1979 إلى احتلال الواجهة في التأثير الديني في العالم الإسلامي وحركاته الإسلامية بمقادير مختلفة. وهناك حيث تنتصب أمامنا محاولات إصلاحية قادها علماء دين كبار في إطار ما عرف أنذاك بـ«المجلس العام للأحرار» 1902، وأثمرت حركة دستورية كبيرة دافع عنها كبار مراجع الدين، على رأسهم الميرزا النائيني صاحب رسالة «تنبيه الأمة وتنزيه الملة». ونافح عنها علماء في حجم الملا كاظم الخرساني والشيخ محمد الطباطبائي والشيخ عبدالله المازندراني وأضرابهم فيما عرف حينها بثورة الدستور - المشروطة.وانتهاء بمحاولات الثورة الإسلامية في إيران في إقرار الإصلاحات التي كان مقرراً أن تتواصل تباعاً لولا الدور السلبي للحرب، التي استُهلكت فيها طاقات ومقدرات هائلة أدخلت المنطقة في مناخ من التوتر قلب الأولويات وجعل خيار الممانعة هو التعبير المرحلي للدولة والمجتمع. تجلَّى الوجه الأول منها في حركة الإصلاح الديني السابق والمحايث للثورة، باتجاه أكثر تعبوية وأيديولوجية وسياسية، يبغي إحداث تحولات في الوعي الديني باتجاه موقف أكثر ثورية وانقلابية استدعى آراء علي شريعتي، وبازركان وبهشتي وطلقاني والأستاذ مرتضى المطهري وكثير ممن خرج من جبة قائد الثورة المذكورة الراحل الإمام الخميني. سياسيًّا اتجهت التجربة الإيرانية في الإصلاح الإسلامي نحو فرادة النموذج السياسي الذي سبق لقائد الثورة تطويره في أفق الجمع بين ولاية الفقيه -التشخيص مجازي حيث المقصد ولاية الفقه- الذي يضمنه العلم والملَكة الاجتهادية والعدالة المراقبة من قبل مجلس الخبراء، وولاية الأمة التي تضمنها المؤسسات الدستورية. وهي منتج لجدل فقهي تقليدي وجد له آثاراً ليس فقط فيما أفرده صاحب جامع السعادات الملا النراقي في هذا الباب، بل هو نقاش فقهي قديم عولج بصورة أقل جدية وأقل شمولية مما صارت إليه محاولات قائد الثورة. لعله من المؤثرات السلبية على الدراسة الموضوعية لهذه التجربة الكبيرة أنها لا زالت في تقدير المحلل رهينة حقبة الحرب والمواجهة والتوتر السياسي الذي استدعى كل أحكام القيمة لزمن الحرب، جعلت تجارب الإصلاح على تفاوت مستوياتها في العالم الإسلامي لا تطرح على بساط التأمل ولم تخضع بعد لمنطق المراكمة النظرية التي تستدعي مقاربة أكثر موضوعية وأقل أيديولوجية. والحق أن قراءة متأنية لتجربة الإمام الخميني وآرائه الدينية والسياسية الإصلاحية لا تزال مطلوبة وإن غطت عليها الآراء والمواقف السياسية لزمن الحرب. فالخميني الفقيه هو مجتهد ذو نزعة إصلاحية تجد جذورها في الحركة الإصلاحية الكبرى التي عرفتها المنطقة عشية الاحتلال. هذه النزعة الإصلاحية حتماً لن تجد لها صداها خارج الضوضاء الذي أحدثته الحروب والتوترات التي عرفتها المنطقة تباعاً، وحيث بات واضحاً أن مقصدين كاناً قد استهلكا الأجندة الإصلاحية لقائد الثورة: القضاء أولاً على التبعية السياسية والاستبداد، وثانياً تكريس ثقافة الممانعة وحماية الاستقلال ومكتسبات الثورة. فالنزعة الإصلاحية هنا كانت تستجيب لشروط المرحلة حيث لا إمكان لقيام إصلاحات حقيقية في أفق الاستبداد والتبعية. وهي نزعة بنت على ما تراكم من مكتسبات النضال التحرري الإيراني، منح الحياة الدستورية ومؤسساتها الديموقراطية رسوخاً في الثقافة السياسية لما بعد الثورة. فولاية الفقيه لم تكن إلا الطريق الوحيد والممكن لاستعادة الفاعلية للعقل السياسي الديني للانخراط في العملية السياسية خارج ثقل العقل الانتظاري السلبي. لكن الأهم في ذلك أن ولاية الفقيه وضعت نفسها مؤمناً للحياة الدستورية وضامناً لدولة المؤسسات فيما يعرف اليوم بالديموقراطية الإيرانية. إن ولاية الفقيه في المدى الذي سعى إليه قائد الثورة الإيرانية تمنح الفقيه سلطة اجتهادية لا حدود لها. وقد كانت آراؤه الفقهية النظرية منسجمة مع هذا الخط الإصلاحي حينما أكد على مدخلية الزمان والمكان في الاجتهاد الفقهي، مؤكداً أن الاجتهاد المعاصر يختلف عما كان عليه سابقاً في عصر الأئمة، حيث كان تلقياً شفهيًّا وجدانيًّا في حين أنه اليوم اجتهاد نظري ظني وظيفي أكثر مما يُعنى بالأحكام الواقعية. وأما ولاية الفقيه في مداها الفقهي النظري فهي لم تأخذ طريقها للنقاش في مناخ جدل الفكر ومراكمة النظر في الفكر الإسلامي المعاصر، لأن من شأن ذلك النقاش أن يساهم في إنماء الفكر السياسي الإسلامي بدل الاكتفاء بثقافة أحكام القيمة في موضوع لم يدرس بما فيه الكفاية ولم يفهم على النحو الصحيح.
ولعل خصوصية المجال الإيراني منذ قيام الثورة حتى اليوم في سياق الجدل القائم اليوم داخل الدوائر العلمية والمراكز البحثية في نطاق ما يعرف بعلم الكلام الجديد والاهتمام المتزايد بفلسفة الدين وفلسفة الفقه -وهو جدل يطال عالم المعرفة والسوسيولوجيا والتاريخ والفكر السياسي والاقتصادي...- تكمن ها هنا في أن هذه النخبة هي الأكثر اقتراباً واحتكاكاً مع واقع الدولة في مفهومها الإسلامي الديني. فالنقاش هو بالغ الجدية في هذا المجال. كما أن إيران تشهد اليوم بروز نخبة ما فتئ يتنامى اطِّلاعها على تجارب الجدل اللاهوتي الغربي الحديث وعلى قدر من الاطلاع على مكتسبات ذلك النقاش الذي جرى في أوروبا الحديثة بين لاهوتيين وإصلاحيين كثر. قدر وجدناه يفوق ما عليه المجال العربي.
في المنطقة العربية لا يخلو الأمر من حضور آراء في الإصلاح الإسلامي هي اليوم تشكل جدلاً غير محسوم بين اتجاهين، أحدهما يغلب عليه التشدد في اختياراته ومواقفه، والآخر يغلب عليه التراخي فيهما. ويبدو لي أن موجات التطرف الديني في العالم العربي، بغض النظر عن أسبابها الموضوعية، هي الطابع الغالب على إسلام الحركات الإسلامية، دون أن يفوتنا تسجيل ملاحظة أخرى حول حقيقة التطور الذي تشهده هذه الحركات. ويبدو أن نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين كانتا متقدمتين من ناحية أطروحات الإصلاح الإسلامي على ما عرفه المجال العربي عقوداً بعد ذلك. ليس المسؤول الوحيد عما يمكن اعتباره ردة عن تجارب الإصلاح الإسلامي في المجال العربي، بل الأمر يتعلق بحصيلة صيرورة خضعت لشروط موضوعية تفاعلت فيها معطيات تاريخية وسياسية واجتماعية، جعلت الفكر الإسلامي في الغالب يتراجع لصالح مهام ما كان لها إلا أن تخفف طرديًّا من سؤال النهضة والإصلاح لصالح أسئلة الهوية والاستقلال والممانعة. وهو ما يعني أن المرحلة الحرجة التي يجتازها العالم العربي والإسلامي تحرض على قلب الأولويات، وحيث لا يمكن بعث المهمتين معاً، فإنه من الطبيعي أن يتغلب خطاب الممانعة على خطاب الإصلاح الذي ما فتئ يتعثر ويواجه الفشل مع كل نوبة من نوبات الصراع الذي شكَّل قدر المنطقة ولا يزال.
نحن هنا مقيدون في نمذجتنا بالسياق الأكثر شمولية تاريخيًّا ومجاليًّا، لأن حركة الإصلاح الديني في القرن التاسع عشر في المنطقة العربية والإسلامية كانت داخلة في نطاق مشروع نهضوي وحضاري، مثلما ساهم فيه أعلام من المنطقة العربية في طليعتهم رفاعة الطهطاوي والكواكبي ومحمد عبده... ساهم فيه أعلام إسلاميون من غير العرب وفي طليعتهم محمد إقبال اللاهوري والسيد جمال الدين والسيد أحمد خان... ولأن هاتين الحركتين إنما سلكتا مسارهما الوعر في سياق تحدٍّ خارجي، فرض أجندته على جدول أعمال الحركة الإصلاحية في العالم العربي والإسلامي، فارضاً معها وتيرة أسرع وجدية أكبر. سواء في سياق صدمة الحداثة التي فجّرها حدث احتلال نابوليون لمصر، وبالتالي تداعي خضوع المنطقة العربية والإسلامية للاحتلال والحماية من قبل فرنسا وإنجلترا، أو في سياق صدمة الموقف الأمريكي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما أعقبها من احتلال ودعوى لتغيير النظم السياسية والتعليمية، تحت شعار تصدير الديموقراطية -العنوان الواضح- أو تحت شعار الفوضى البناءة -العنوان الغامض- والتي شكّلت تداعياً لاختلال استراتيجي في التوازن الدولي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وانحلال المنظومة الشرقية بعد سقوط سور برلين ودخول أوروبا الشرقية دورة الرهان على السوق الأوروبية وحلف الناتو. فالسياقان شكَّلا معاً صدمة، لا بل أحدثا جرحاً غائراً في الوجدان العربي والمسلم، جعل عملية الإصلاح الديني تنطلق في عمق هذا الجرح، وتجرّ معها خيبات أمل كبرى من جراء التنكُّر لقضايا العالم العربي والإسلامي العادلة، وللسياسة الدولية المرهونة للضغوط، والمتحيزة في سياستها وقراراتها المزدوجة المعايير. ففي السياق الأول شعرت المنطقة العربية والعالم الإسلامي بأن خطراً يتهدد الأرض ويستبيح الأوطان. لكنه اليوم وبفعل الفوضى التي يشهدها العالم والحوادث الكارثية العاصفة بمنطقة الشرق الأوسط، أصبحت المنطقة تشعر بأن دينها وثقافتها وأنماطها هي المهددة بالاستباحة. وحتى وإن حاول الغرب أن يخفف من وطأة هذا الإحساس المتنامي من خلال تصريحات وأقوال الآحاد من مسؤوليه بأن لا وجود لحرب حضارية ولا لحرب صليبية، فلا يمكن أن يُغيِّر قناعة عموم الشعوب العربية والإسلامية التي تلمس على الأرض كل مظاهر الاستباحة، للأرض والثروة والإنسان والمكتسبات الثقافية والحضارية. السياق التوتري الذي شهد انبثاق سؤال التجديد والإصلاح الديني محكوم بهذه المعادلة الصعبة. بل إنه معنيٌّ بأن يجيب عن تحدٍّ مخصوص وأسئلة حرجة لا مندوحة من استئنافها. لكن هذه المرة ليس على أساس المطلب المحلي الإصلاحي والنهضوي لتربية الجيل الجديد على قيم التقدم والنهضة أو ما عبر عنه الكواكبي ذات مرة في أم القرى: «بضرورة إنماء الشوق إلى الترقي في أذهان الناشئة». ولا لغاية انتزاع ما أسماه المرحوم مالك بن نبي: «القابلية للاستعمار»، بل هذه المرة على أساس الغلب السافر والإكراه المكشوف، وسياسة انتزاع كل ما يتراءى للقوى الخارجية عنصراً ثقافيًّا قابلاً بتمثل الوظيفة الاجتماعية والسياسية للممانعة المحلية. بين حسابات الاستراتيجيا البرّانية وحساب الاستراتيجية الجوّانية، حصلت صدمة أخرى أثرت في الزمان والمكان على رسالة الإصلاح الديني وأوجدت موانع موضوعية ساهمت بشكل أو بآخر في إعاقته، تحت وابل التلويح بالغزو وممارسته، والحصار والتأديب والتهديد الدوليين وما شابه. أي تضارب الأجندة الخارجية مع الأجندة الداخلية بخصوص الشكل والوتيرة التي يجب أن يقوم عليها الإصلاح الديني في المنطقة العربية خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن عملية الإصلاح الديني في القرن التاسع عشر في المنطقة العربية والإسلامية لم تحقق استمراريتها التي كان متوقعاً أن تنجز التراكم الكافي لانطلاق مراحل جديدة من أسئلة التقدم بدل أن نظل نراوح مكاننا حول الأسئلة ذاتها وإعادة إنتاج أجوبة سابقة بعينها. فبين المرحلتين حصلت قطيعة كبرى، أفقدت العقل الإصلاحي شرط الوصال، فكان أن حدثت النكسة في فلسفة الإصلاح ومضمونه بما انتهى إلى حرف المضمون النهضوي الإصلاحي الذي وسم مشروع النهضة العربية والإسلامية، باتجاه أسئلة ومشاريع لم تتجاوز في أوج غليانها سوى كونها مجرد رد فعل على مشروع الثورة كما مثله المشروع الناصري. ما جعل التوافق الذي عاشته النهضة العربية والإسلامية في عنفوانها يواجه نهايته السيئة، التي بلغت أوجها في الصراع القومي - الإسلامي منذ أقدم جمال عبد الناصر على إصدار الحكم بإعدام الشهيد سيد قطب. استطاع كل من الفاعل القومي والفاعل الإسلامي بعد عقود من القطيعة تجاوز تلك المرحلة من الهدر النضالي في إطار ما عرف بعد ذلك بالحوار والتنسيق القومي - الإسلامي. وذلك بعد صراع مرير وفي مناخ من تبادل الاتهام . فبينما اتهم التيار القومي الناصري حركة الإخوان المسلمين وسيد قطب آنذاك بالعميل الأمريكي والتآمر على النظام لا سيما في حادثة المنشية؛ يتهم الإخوان النظام الناصري بمعاداة الإسلام والتآمر على الدعوة، وقد بات ذلك واضحاً من خلال التوضيح الذي كشفت عنه رسالة سيد قطب الموسومة: لماذا أعدموني. وفيها يعلن براءته مما اتُّهم به وتياره، ويشير إلى مؤامرة مدبرة ضده والإخوان. وإذا كان عبد الناصر قد اعتبر كتاب معالم في الطريق كتاباً انقلابيًّا يومها فإن إصلاحيًّا مغربيًّا كبيراً في مستوى علال الفاسي كان من أوائل من أدخل كتاب المعالم وكتابات قطب الأخرى إلى المغرب، وتعاطف مع قضيته إلى أبعد الحدود.
تميزت هذه القطيعة السلبية مع مكتسبات النهضة العربية والإسلامية بميزتين:
الأولى: تراجع السؤال الإصلاحي بمدلوله النهضوي الجامع.
وثانيتهما: حصول الشرخ وتشتت الموقف الداخلي من مجمل القضايا التي عالجتها الحركة الأولى.
بوادر ردة الفعل تلك بدأت تبرز بشكل ملفت للنظر في تراجع السيد محمد رشيد رضا عن الخط العام الذي رسمته الجامعة الإسلامية وعكسته مجمل الأفكار التي قدمتها مجلتي العروة الوثقى والمنار. لكن سقوط الخلافة العثمانية وهجمة الحوادث السياسية المحبطة التي شهدتها المنطقة كان لها ذلك الأثر الكبير، الذي جعل محمد رشيد رضا، وهو أستاذ الشيخ حسن البنا الذي سيؤسس بعد ذلك جماعة الإخوان المسلمين، يتراجع بسؤال النهضة إلى الأسئلة الجزئية التي تُعنى بقضايا الفكر السلفي وتصحيح المعتقد، انطلاقاً من رسائل ابن تيمية وابن عبدالوهاب اللذين أولاهما اهتماماً كبيراً في نهاية مشواره الإصلاحي. فأصبحنا أمام رشيد رضا السلفي وليس رشيد رضا النهضوي.
ومن سؤال النهضة للجامعة الإسلامية إلى سؤال الحاكمية بمفهومها السياسي للجماعة الإسلامية، كانت الهوة أكبر مؤشر على وجود تراجع في صميم السؤال. وقد رأينا كيف أن الرؤية السلفية التي بلورها أعلام من الحركة الوطنية المغربية -حيث لم يقف مؤرخو فكر النهضة العربية والإسلامية على الفارق الكبير للرؤيتين السلفيتين- استطاعت أن تعانق فضاء الأسئلة الكبرى التي تبنتها الجامعة الإسلامية لرموز النهضة والإصلاح كالسيد جمال الدين ومحمد عبده. وهي بخلاف الرؤية السلفية التي استحوذت على تفكير السيد محمد رشيد رضا، فجعلته يقلب المجن على كل أفكاره التي بشَّر بها وعكست التزامه وإعجابه بأستاذه محمد عبده. فهذه أدخلت المجتمع في صراع بيني أشبه بحرب أهلية، في حين أن الثانية أنتجت وعياً تحرريًّا كانت ثمرته تحقيق الاستقلال وبناء الدولة الوطنية. بل إن نهضويًّا كبيراً هو المرحوم مالك بن نبي، لم يكن، وهو من رموز الإصلاح الديني، متحمساً لاستقلال باكستان عن الهند كما نظَّر له ودافع عنه، كل من إقبال والمودودي، على اعتبار أن سؤال النهضة لا يتحقق بمجرد الفوز بدولة في شروط لا تمنع من استمرارية القابلية للاستعمار. يوقفنا ذلك على ضرب من المفارقة، تجعل إقبال سياسيًّا أقرب إلى سيد قطب منه إلى مالك بن نبي. وإن كان إقبال الفيلسوف أقرب من مالك بن نبي فلسفيًّا منه إلى سيد قطب. وقد شهدت هذه المرحلة الكثير من الأحداث التي تفسر جنوح الحركة الإصلاحية إلى هذا المستوى من التردي في حمأة الصراع الأعمى الذي استبدل سؤال التقدم والنهضة بسؤال دولة الحاكمية. ويعود الفضل إلى هذه الحقبة فيما صار من أمر الصحوة الإسلامية التي وجدت في خطاب الحركة الإسلامية من حسن البنا إلى المودودي وسيد قطب ما أنزل النقاش إلى الشارع، وجعل لسلطة الشارع مدخلية في تحديد الأسئلة المشروعة. فبينما كان الجدل الجاري في إطار الجامعة الإسلامية تتولاه نخب ورموز إصلاحية بعيداً عن سلطة الشارع، فإن الخطاب الإسلامي في المرحلة الأخيرة أصبح خطاباً ديماغوجيًّا تحريضيًّا تعبويًّا، ربما أدى وظيفته على أحسن وجه على صعيد الممانعة ضد التحدي الخارجي، وربما أدى دوره مضاعفاً على صعيد العمل الاجتماعي، لكنه أوقف أسئلة النهضة وأجهز عليها إجهازاً، فكان النكوص، وكانت الصحوة غير مكتملة، صحوة عواطف وانفعالات وممانعة وتعبئة، لكنها قلَّما عانقت فضاء الصحوة النهضوية العقلانية في مداها الحضاري. وإن كانت في مديات فاعليتها تظل مفتوحة على كل اختيارات النضوج الواعد والرشد الممكن، لكن بعد أي جهد؟!
غاية القول في الأمر الأول من مدخلنا، أن ثمة سياقاً تاريخيًّا يحكم نقاشنا اليوم وهو على النحو التالي:
- أن سؤال الإصلاح الديني اليوم لم يطرح عندنا لأول مرة، بل سبق وطرح مع رواد الجامعة الإسلامية وما قبلها بقليل كما تشهد آراء السيد رفاعة الطهطاوي.
- أنه سؤال طرح في سياق توتري، موسوم بالصدمات والاحتلالات، ما يطرح سؤال إمكانية النجاح في تأمين مطلبين أساسيين: الممانعة ضد التهديدات الخارجية، وتحقيق الإصلاح الداخلي.
- أن ثمة قطيعة بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من طرح السؤال، موسومة بالنكوص والتراجع عن سؤال النهضة، ما يحتم استحضار كل النقاش الحيوي الذي خلَّده تاريخ النهضة العربية المجهضة في القرن التاسع عشر.
- أن مطلب الإصلاح حينها كان مطلباً نهضويًّا داخليًّا، في حين كان مطلب الإصلاح في المرحلة الجديدة مطلباً خارجيًّا.
- أن عملية الإصلاح الديني حينها كانت توفيقية جنَّبت المجتمع حرباً أهلية متوقعة، في حين هي اليوم عملية تغييرية غير معنية بتبعات الإكراه الخارجي، أي الحرب الأهلية المحلية المحتملة في سياق ما يعرف بالفوضى البنَّاءة.
الأمر الثاني: النموذج المعرفي لمسألة الإصلاح الديني
إذا سلَّمنا بوجود تاريخية متعثرة لمسألة الإصلاح الديني في العالمين العربي والإسلامي، من حيث كونها حاجة تولدت في سياق توتري محكوم بصدمة الاحتلال والضغوط الخارجية، وسلَّمنا أيضاً بأن ثمة فترة تخللت المحاولتين، لكنها بالنتيجة لم تراكم على مكتسبات الإصلاح الديني الذي وسم مرحلة النهضة وتراث الجامعة الإسلامية كما مثلتهما الأفكار المبثوثة في العروة الوثقى أو المنار، لصالح نكوص مشهود حرف شمولية الجامعة الإسلامية إلى تجزيئية الجماعة الإسلامية، وشمولية فكرة النهضة وشروطها إلى تجزيئية فكرة الحاكمية وشروط الدولة الإسلامية، وشمولية الإصلاح الديني في جدله الحضاري إلى تجزيئية الإصلاح الديني في جدله السياسوي التعبوي؛ إذا سلمنا بكل ذلك، فإننا نجد ثمة نموذجين معرفيين حكما وجهات النظر الإصلاحية والإسلامية اليوم:
الأول: النزعة التوفيقية التي طبعت كل محاولات جيل النهضة العربية ورواد الجامعة الإسلامية من السيد جمال الدين إلى محمد عبده إلى محمد رشيد رضا، ومن رفاعة الطهطاوي إلى الكواكبي إلى شكيب أرسلان...
أما الثاني فهو النزعة التفكيكية -لو صح الوصف- التي طبعت كل محاولات جيل الصحوة الإسلامية ورواد الحركة الإسلامية من المودودي إلى سيد قطب إلى الشيخ عبد الرحمن إلى علي بلحاج والظواهري ونظرائهم. اصطفاف كل هذا الرعيل في خانة نموذج معرفي واحد لا يقلل من أهمية التفاوت الفكري والثقافي والتمايز في التكوين، الذي كان يميز بين معتدليهم ومتشدديهم، أو بين بعضهم البعض سواء في خط التشدد نفسه أو في خط الاعتدال نفسه. فلقد كانت هناك فروق حتى بين متشددي النموذج الثاني، إذ ليس سيد قطب في سعة ثقافته ونبوغه كالشيخ عبد الرحمن أو علي بلحاج أو.. أو.. على الرغم من أنه هو الرمز التاريخي للجماعات الإسلامية المتشددة إلا أنه أكثر من كل شيوخها قبولاً ببعض مظاهر الحداثة التي يرفضها الآخرون كما يوحي مظهره الأفندي ونظراته في حضارية الإسلام وقيمه الانسانية والتحررية مثلاً. وإذا كان ثمة خلاف بين المعتدلين والمتشددين حول مفهوم التكفير والتجهيل للمجتمع الإسلامي الذي لا يدين في نظرهم لحكم الشريعة، فإنهم لا يختلفون حول جاهلية الحضارة الغربية ودنو انحطاطها. النموذج التوفيقي لجيل النهضة كان وسيلة تهدف تحقيق وظيفتين: وظيفة اجتماعية قوامها منع نشوب شرخ اجتماع وصراع يقسم الاجتماع إلى جبهتين لا وصال بينهما، كما انتهى إليه الأمر بعد ذلك، مع الجيل اللاحق، حيث انقسمت النخب الإصلاحية إزاء مسألة النهضة والتحديث إلى دعاة أوربة وقطيعة مع التاريخ العربي والإسلامي، كما برز في آراء سلامة موسى ولطفي السيد وطه حسين لا سيما في مستقبل الثقافة في مصر، وإلى دعاة أسلمة ومعانقة التراث بالجملة، كما برز في آراء كل الجيل الذي أعقب محمد رشيد رضا من الصحوة الإسلامية التي يلخصها العنوان الأبرز والأوضح بعدئذ لمحمد قطب: «جاهلية القرن العشرين». من ناحية يبدو محتوى تجهيل الحضارة المعاصرة منطقيًّا داخل النسق التفسيري الذي استند إليه محمد قطب وطعَّمه بآراء مفكرين غربيين يُنذرون بسقوط الحضارة الغربية -شبينغلر- وانحطاط الفلسفة الغربية وخطرها على مستقبل الإنسان -الإنسان ذلك المجهول لألكسيس كاريل- وهما عمدة ما أسند ذلك النسق التفسيري القطبي -لشقيق سيد قطب-. لكن المسألة تتعدى كونها نتاج رؤية تحليلية منطقية، بل لا بد من ملاحظة التداعي الوظيفي لمثل هذه الأحكام، لا سيما حينما تصبح مجرد أحكام تُرتَّب عليها مواقف وآثار، إحداها العزوف عن الدنو من معرفة الآخر واستيعاب ثقافة العصر ومكتسبات العلوم الاجتماعية الحديثة: ما أسميه بالتأثير الوظيفي غير المباشر، الذي يؤسس لعدميته انطلاقاً من تأصيلات تبدو في ظاهرها منطقية وأحياناً تعبيراً عن اعتقاد طهراني كما يحيل العنوان ذو الدلالة الشرعية، حيث الجاهلية هنا تستدعي موقف -تكليفي- القطيعة والحرابة والعزلة الشعورية.
أما الوظيفة الثانية فهي وظيفة إيجابية ترمي إلى الدفع بالناشئة إلى الاندماج السمح في مكتسبات الحضارة المعاصرة بوصفها تعبيراً عن قيم وتعاليم ندين بها في واقعنا العملي. وبأن لا وجود هناك لما يدعو للصدام بين قيم الحداثة والتحديث وقيم الأصالة والمعاصرة. مثل هذا المنظور التوفيقي، نجده في «طبائع الاستبداد» عند عبد الرحمن الكواكبي، كما نجده في «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم» عند شكيب أرسلان، كما نجده قبل ذلك في «تخليص الإبريز في تلخيص باريس» عند رفاعة الطهطاوي، كما نجده في «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» لخير الدين التونسي. كما نجده في كل آراء هذا الجيل من السيد جمال الدين ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا والكواكبي من مصر والشام إلى المختار السوسي صاحب «سوس العالمة» والحجوي الثعالبي صاحب «الفكر السامي في تاريخ الفكر الإسلامي» من المغرب، إلى النائيني صاحب «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» من إيران.
التهدئة الاجتماعية وتنمية القبول بالاندماج الإيجابي في الحداثة بوصفها تعبيراً عن قيمنا، هما الوظيفتان الأساسيتان اللتان استهدفهما النموذج التوفيقي لرواد الإصلاح الديني للجامعة الإسلامية. في حين استهدف النموذج التفكيكي لجيل الصحوة الإسلامية وظيفتين على طرف نقيض مع الأولى: الوظيفة الأولى، تكريس الصراع الداخلي، ونقل مفهوم دار الحرب إلى الداخل بما يستتبعها من تكفير وتجهيل للمجتمع المسلم المحلي، سواء أعبر عنه أولئك صراحاً في وقتها أم أنه أوجد نوعاً من التداعي المنطقي المؤسس لهذا الخطاب. الوظيفة الثانية، تكريس الفصل التام بين قيمنا وقيم الغرب، وحفر سدود بيننا وبينهم تصل إلى حد الفصل الحاسم والقطيعة الكبرى بين المجتمع الإسلامي -المختزل قطبيًّا في الدينونة بالحاكمية السياسية بلا شرط- والمجتمع الجاهلي. النموذج الأول جاء ردَّ فعل طبيعي لصدمة الاستعمار، وكبر همه بسعة الأفق الحضاري الذي يمثله هذا القلق، في حين أن النموذج الثاني جاء ردَّ فعل طبيعي لصدمة الثورة، فصغر همه بضيق الأفق الذي يمثله ذلك النزاع. والحق يقال إن ثمة غموضاً كبيراً يطبع هذه التجربة في التحول البنيوي في فكر الإصلاح، نستطيع أن نتحدث عنه على سبيل المفارقة. ما يعني أن ليس ثمة منطق ديني صرف لهذا التحول الباراديغمي، بقدر ما هناك انزياح، ينعكس على جدل الفكر انعكاسه على جدل الواقع، ما يعني أن ثمة قدراً من الفوضى والجزافية ظلت مستحكمة في مسارات الفكر والمعاش الإسلاميين.
المفارقة الأولى، وأسميها مفارقة الوسيط
المفارقة الثانية، وأسميها مفارقة الاختيار
تتجلى المفارقة الأولى، مفارقة الوسيط، في الشخوص نفسها التي تولت عملية الإصلاح والإحياء في الفكر الإسلامي، من الجيل الأول للنهضة إلى يومنا هذا. فبينما كان الوسيط المتصدي لعملية الإصلاح في عصر النهضة هم نخبة في الأغلب الأعم من رجال الدين بالمعنى التقليدي للعبارة. عالم الدين أو رجل الدين، لا مشاحة في الاصطلاح. في حين كان المتصدي لعملية الإحياء الإسلامي في الجيل المتأخر نخبة من محترفي التدريس النظامي والمهندسين والمحامين والأطباء، أي التكنوقراط. ما نريد التأكيد عليه هو أن أنصار الباراديغم التوفيقي، سواء من الجيل الأول للنهضة أو الجيل الثاني للإحياء، كانوا رجال دين وعلماء دين محترفين أزهريين كالطهطاوي ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي -من خلال نظيرة الأزهر: المدرسة الكواكبية بحلب الشهباء التي كان أبوه زعيمها وراعياً ومتولياً لها- وعلي عبد الرازق.. أو الزيتونة والقرويين كخير الدين التونسي والحجوي الثعالبي وابن المواز وأبي شعيب الدكالي، وصولاً إلى علال الفاسي أو حوزويين نجفيين كالسيد جمال الدين والشيخ محمد حسين النائيني، وصولاً إلى السيد الشهيد باقر الصدر ومهدي شمس الدين والسيد فضل الله والسيد حسن الأمين وأضرابهم. في حين كان رموز الإحيائية الإسلامية حاملة النموذج التفكيكي، ليسوا من رجال الدين وعلمائه في الأعم الأغلب، فحسن البنا معلم في المدارس النظامية، وسيد قطب كاتب وناقد أدبي، وأخوه صاحب كتاب «جاهلية القرن العشرين» خريج أدب إنجليزي، والظواهري طبيب، وبلحاج مدرس، وابن لادن خريج إدارة أعمال، وعبد السلام يسين مفتش تربوي، والترابي خريج قانون، وهكذا كان معظم رموز وقيادات الحركة الإسلامية في المنطقة العربية تكنوقراط وأفندية، وليسوا في الأعم الأغلب علماء دين وآخوندية.. إن أكثر الأفكار الإصلاحية الأكثر توافقية والأكثر عمقاً وجاذبية هي ما خرج من تحت جبة رجال الدين المحترفين والمنخرطين في عملية الإصلاح سواء في الجيل الأول أو الجيل التالي. في حين أن أكثر الأفكار المتشددة والتفكيكية خرجت من معطف الإسلاميين الأفندية التكنوقراط، لكنهم في الأعم الأغلب ليسوا رجال أو علماء دين بالاختصاص والاحتراف. تلك هي المفارقة الأولى. لنقارن على سبيل المثال بين تلك الآراء المتشددة الصادرة عن هؤلاء بتلك الآراء الإيجابية التي صدرت عن أولئك. فبينما عمل محمد قطب الأفندي على تجهيل الحضارة الغربية نجد عالم الدين الآخوندي السيد باقر الصدر يتعاطى مع الفكر الغربي من منظور التحليل والنقد والمعالجة المعرفية وليس من منظور المؤامرة. فالأفكار والفتاوى التي حررت الفقه الإسلامي من الجمود صدرت عن مشايخ تقليديين . لنتأمل الموقف الفقهي الإيجابي من حقوق المرأة حد توليها الرئاسة والقضاء عند الشيخ شمس الدين وإبراهيم جناتي، والسيد فضل الله، والشيخ الفضلي وأضرابهم.
وأما المفارقة الثانية فتتعلق بمفارقة الاختيار. إن الجيل التالي الذي مثَّل الحركة الإحيائية الإسلامية بعد محمد رشيد رضا، وتحديداً بعد رحيل حسن البنا، شكَّل الوريث الأكبر لكل التراث الفكري المنحدر من المجال الهندي، والذي عكسته آراء المودودي بخصوص الحاكمية وخطاب الاستقلال بالجماعة المسلمة الهندية في دولة معزولة ومستقلة. وهو الخطاب الذي سيجد له تعويضاً في فكرة حتمية العزلة الشعورية داخل المجتمع نفسه في المنظور القطبي. وليس الأمر يتعلق فقط بمفارقة الجغرافيا ولا بمفارقة الخطاب، بل هي مفارقة الاختيار التي تجعل سيد قطب يبحث في خطاب تيار الحركة الانفصالية الباكستانية عن الهند عن حلول لمصر بعد الثورة الناصرية. نقر بهذه الحقيقة إلى حد ما وإلا فإن لسيد قطب منظوراً يعكس تجربته الخاصة. فلقد أظهر وجهة نظره في الحضارة الغربية وموقفه منها. وقد اعتبر أن لا حل إلا بقيام المجتمع الإسلامي الذي يدين بالشريعة في مداها الأوسع وليس للفقه الإسلامي. من هنا لا يمكن استفتاء الإسلام في مشكلات ليس مسؤولاً عنها المجتمع الإسلامي الذي لم يقم بعد في نظر سيد قطب. الحل في قيام هذا المجتمع وليس في استفتاء الإسلام. هكذا عبَّر عن موقفه من خلال كتبه وفي مقدمتها الإسلام ومشكلات الحضارة. موقف يحكي عن مفارقة اختيار، على الأقل يعكسها خلاف منظوري شبه بنيوي بينه وبين مالك بن نبي، المؤيد للثورة الناصرية غير المكترث لدعاوى محمد إقبال لانفصال باكستان عن الهند، وأيضاً غير المتحمس للطريقة القطبية في تجريم الناصرية، التي رأى فيها هذا الأخير طليعة الانتهاض في وجه التحدي الحضاري، وأحد أبرز فواعل حركة عدم الانحياز الفتية والواعدة آنذاك. ثمة إذن مسار متعرج في الخطاب القطبي، يعكس مفارقة الاختيار المذكورة، التي تتجلى بقوة في التحول الذي طرأ على الموقف والفكر القطبي، الذي كانت مواقفه السياسية والأيديولوجية في عهد الملك فاروق لم تصل إلى حد التكفير والتجهيل، وكأن الثورة الناصرية هي وحدها ما أدخل مصر في العهد الجاهلي. مع أنه في بداية الأمر كان من أنصارها ككل الإخوان المسلمين -قبل أن ينتمي لهذا التنظيم ويصبح واحداً من منظريه وقياداته- والتيارات المناهضة لحكم الملك فاروق وسيطرة الإنجليز.
ومفارقة أخرى، آيتها ذلك التهافت في الاحتجاج بأهمية الحضارة الإسلامية وانحطاط الحضارة الغربية. التي جعلت الخطاب الإسلامي في أوج عنفوانه التفكيكي، يقدم مثالاً فاضحاً لمفارقة نفسية ومعرفية. فبينما حاول المنظرون لهذا الهجاس التفكيكي أن يؤكدوا على دنو انهيار الحضارة الغربية وإعلان انحطاطها استناداً إلى شبينغلير في «انحطاط الغرب»، والذي سنجد للمودودي مقالاً على مقاسه بعنوان «انتحار الحضارة الغربية»، فإنهم أخبروا عن أهمية حضارة العرب والمسلمين استناداً إلى كتاب: «شمس العرب تطلع على الغرب». فبين خطاب «ليست حضارتهم على شيء» وخطاب «فضل حضارتنا على حضارتهم»، كانت هذه المفارقة تحفر تراجيديا مفارقة العقل الإحيائي الإسلامي في هيامه التفكيكي الذي بلغ أقصى شقوته وأشوه فصاميته وأنكر هجاسه، منتجاً حالة من الخطاب البارانوياني شديد التردد بين نزعة المكابرة ونزعة الشعور بالاضطهاد.
غاية الأمر في الأمر الثاني من مدخلنا، أن ثمة نموذجاً معرفيًّا مؤسساً ومؤطراً لمنظور الإصلاحيين، وهو المسؤول عن وجود بنية تناقضية تنتج هذا الشرخ المنظوري. ومظاهره التي لا تحصى يمكن اختصارها في الآتي:
- النموذج التوفيقي الذي أدى وظيفتين أساسيتين سرعان ما تراجع لصالح نموذج تفكيكي عكس الوظيفتين معاً.
- النموذج التوفيقي، بغض النظر عن الإشكالية المعرفية التي يستبطنها، كان تجلياً لسعة الأفق الذي جاء ردَّ فعل تجاه الاستعمار وصدمة الحداثة، في حين أن النموذج التفكيكي، بغض النظر عن الظروف التي حتَّمته، كان تجلياً لضيق الأفق الذي جاء ردَّ فعل تجاهه.
- الوسيط الذي شكَّل الحامل والناقل للوعي المؤطر بالنموذج التوفيقي والوسيط المؤطر بالنموذج التفكيكي ليسا سواء. بل المفارقة أن كبرى الأفكار الحيوية التي أنتجها عصر النهضة العربية في إطار الجامعة الإسلامية خرجت من جبة علماء ورجال دين بالتخصص والوظيفة، في حين أن كبرى الأفكار التي تميزت بالتشدد والجزئية والظرفية خرجت من معطف الأفندية والتكنوقراط بالتخصص والوظيفة.
- التحولات الدراماتيكية في النموذج المعرفي التأطيري للحركة الإحيائية، حصيلة منتج لانفعالات جزافية ومسارات توترية تحكمت فيها مفارقات الاختيار.
وبالجملة، فإن المدخل أعلاه يضع إشكاليتنا اليوم في إطارها التاريخي والمعرفي، حيث معالجتنا اليوم لمسألة الإصلاح الديني، ستواجه بسؤالين رئيسين:
الأول: هل معالجتنا لمسألة الإصلاح الديني ستبني على هذا الموروث الإصلاحي، أم أنها ستجترح أسئلتها الخاصة؟ بتعبير آخر، هل ستكون أسئلتها استئنافية أم ابتدائية؟
الثاني: هل معالجتنا لمسألة الإصلاح الديني ستستوعب الإشكال المعرفي الباراديغمي، أم أنها ستتحرر من سلطة التأطير المعرفي وتنطلق جزافاً في عماء وقفر معرفي مفتوح على نقائضه بلا شرط ظهير، كحاطب ليل؟
السؤال الأول، يفرض جواب البناء على إرث من العمل، وتراث من الاشتغال معتبر. حيث الفعل الإصلاحي نفسه يستدعي مخزون التراكم التاريخي شرطاً للاستمرارية لا محيد عنه. كما أن السؤال الثاني يفرض جواب تحديد النموذج المعرفي، حيث التحرر من الإطار المعرفي لا يحرر بالضرورة الفكر، بقدر ما يجعله أسيراً لفوضى النماذج وضحية سلط معرفية متضاربة، فلا مخرج إلا بتحديد النموذج المعرفي الناجع، حيث نجاعته لا تتحقق إلا بشرط الباراديغم المفتوح على موقف منظوري يتقوم بنزعة بيتخصصية تتسع اتساع وشمول الظاهرة الدينية والاجتماعية.
المتوقع والمنتظر من الإصلاح الديني اليوم
- من "ما كان" إلى "ما ينبغي أن يكون".
بعد أن وقفنا على ما كان من أمر الإصلاح الديني وحركة النهضة والإحيائية عبر جيلين فصلتهما قطيعة في النموذج، ماذا نتوقع من عملية الإصلاح الديني اليوم وما شروط قيام عملية كهذه في مجالنا العاصف والملتهب؟
هذا ما سنجيب عنه، في حدود العناوين والمحاور التي يؤطرها جدول أعمال هذا الورش. هناك بلا شك جدل أولوي بين عملية الأسلمة وفق الشروط الذاتية وأنماطها المتاحة وإعادة بناء الفكر الديني في عالمنا العربي والإسلامي، وفق الشروط الموضوعية والأنماط الحديثة التي يفرضها واقع التجدد. وهما ما يميز مشروعين على تمام الاختلاف. التيار الإسلامي يرى أن المجال الإسلامي يعيش فراغاً إسلاميًّا على مستوى تطبيق الشريعة، في حين أن لسان حال التيار العلماني النقيض، هو أن المشهد يغص بما يكفي من الإسلام، وأن المهمة باتت ناجزة لقيام حركة إصلاحية للفكر الديني. في سياق هذا الجدل تتعمق الفجوة إلى الحد الذي يبدو فيه النقاش أشبه بحوار طرشان. فداخل التيار الإسلامي هناك موجة عارمة للفكر الإصلاحي، حيث لم تخل حقبة من الحقب من المناداة بضرورة الإصلاح الديني. دعوة أطلقها رواد الإصلاح الإسلامي كرفاعة الطهطاوي ومن أتى بعده من الإصلاحيين. بل خير من مثَّل لذلك محمد إقبال من خلال محاضراته في الجمعية الإسلامية بمدراس التي شكلت بعد ذلك مؤلفه الشهير: «تجديد التفكير الديني». وبينما هدف الإصلاح الديني بمدلوله الإسلامي إلى القضاء على الفكر الخرافي ومظاهر التخلف الفكري، لمزيد من الأسلمة، وهو أساس الفكرة السلفية النهضوية التي دعا إليها محمد عبده والحجوي وأبو شعيب الدكالي ونظراؤهم؛ كانت غاية الإصلاح الديني في مدلول التيار العلماني الوصول إلى فصل كبير وإن اقتضى الحال فصلاً تاماً وحاسماً بين الدين والدولة، وأحياناً بين الدين والمجتمع، لمزيد من التخفيف من الأسلمة. فلكل تيار أهدافه ولكل اتجاه تكتيكاته الخفية والمعلنة. ولا يحتاج الأمر إلى كثير نظر، حيث يكفي الوجدان لإدراك هذا الاختلاف بين المنظورين. ولو أننا مضينا في استقراء مجمل الخطابات الإصلاحية منذ عصر النهضة العربية حتى اليوم، سوف نجد أن أكثر المشاريع والآراء التي شطَّت باتجاه محو آثار الأسلمة أو العروبة أو التراث أو الخصوصية، هي تلك التي نشأت في أحضان التيار العلماني والوضعاني العربي، حيث مثَّلها أفضل تمثيل فرح أنطون وسلامة موسى ولطفي السيد وطه حسين ولويس عوض. واليوم خرجت عن حدِّها وغالت غلواً يمثله بديماغوجية أكبر أمثال العفيف لخضر والطرابلسي وأضرابهما؛ بالدعوة الصادحة إلى الاندماج اللامشروط في العلمانية المطلقة والقطيعة التامة مع التراث والخصوصية، وكثيراً ما تحدثوا عن قطيعة مع الإسلام نفسه كما أظهرت بعض مقالات العفيف لخضر صراحاً. ومع أن ثمة الكثير مما يفرق بين الاتجاهين إلى حد الخصومة والقطيعة، إلا أن ثمة جامع مشترك في حدود نزوعهم التمامي إلى «اللابشرط». أقصد بذلك نزوع كلا الاتجاهين نحو وجهة نظره دونما اهتمام بالشروط التي تجعل دعوته ممكنة ومشروعة. فأما التيار الإسلامي الإحيائي في صورته التمامية والشمولية، فهو يتحدث عن عملية أسلمة شاملة بلا شرط. وينتزع مشروعية ما يؤول إليه تداعي هذا الخطاب في الجملة من خلال مشروعية الأسلمة بالجملة[1][6]. فلو أخذنا على سبيل المثال دعوة سيد قطب لتطبيق الحاكمية، بوصفها فيصلاً جوهريًّا بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الجاهلي، فإننا نجد أن الأسلمة تمر من هنا، من الحكم والسلطة. فلا يكفي أن يدين هذا المجتمع بالإسلام حتى يكون مجتمعاً إسلاميًّا. فسيظل مجتمعاً جاهليًّا حتى لو دان كل أفراده بالإسلام ما لم يحققوا حاكمية الله على الأرض. لكن سيد قطب لم يقدم مشروع الأسلمة بشروط تكفل له النجاح. إنه يتحدث عن الإسلام في نفس الأمر وكما هو. والحاكمية كما صيغت في رؤيته الأدبية الأخاذة لن تجد قبولاً شاعريًّا في واقع يفرض على داعية الأسلمة بلا شرط أن يقدم ما يشبع قناعة المتلقي بقيمة ما يطرحه وجدواه خارج هذه المجازات الجميلة. فالواقع على الأقل كان يلح في السؤال: طيب هب أننا قبلنا بتطبيق الشريعة بهذا المعنى الغامض والمجمل، وتنازلنا عن كل هذه الشرائع والقوانين التي تقوم عليها إدارة الاجتماع السياسي الحديث وتشكل مكتسبات لا غنى عنها للدولة الحديثة، ولو كانت الكثير من الدساتير العربية والإسلامية تتحدث عن الشريعة الإسلامية بوصفها مصدراً أساسيًّا للتشريع، فكيف سيكون التدبير يا ترى.. وهل البديل جاهز في كل التفاصيل لكي يملأ الفراغ.. ومن هو الحاكم الشرعي الذي سيتولى تحقيق الحاكمية؟ سؤال طرح على سيد قطب، لكنه لم يقدم جواباً غالباً لم يطرحه المتلقي المأخوذ بسحر العرض الشاعري لمفهوم الحاكمية التي مجالها علم الكلام وما يتصل بها من فروع الفقه وأحكامه، لا سيما تلك التي تتوقف على تدخل الحاكم الشرعي. ذلك لأنه أجاب عن السؤال الأول بأننا غير معنيين الآن وقبل إحراز الدولة الإسلامية وتحقيق الحاكمية، بالتفاصيل. وليس من المجدي البحث في التفاصيل الفقهية إلا بعد قيام الدولة الإسلامية.
وأما السؤال حول شرائط الحاكم الشرعي ومن يحكم، فلم يجب عنهما، بل غفل عنهما أيما غفلة. والنتيجة، ستكشف عنها تداعيات الأحداث وسيرورة زمان قاتم من الاندحارات والنكوصات. فلقد قامت في أفغانستان دولة تدين بالحاكمية وتطبق الشريعة من قبل طلبة الديوباندية الأفغان في باكستان. وشهدنا ما هو جدول أعمال هذه الدويلة فور إجهازها على حكومة المجاهدين الأفغان، التي شكَّلت نشازاً أكثر غرابة مما قد تثيره جماعة وحشية معزولة في الأدغال. ولبشاعة النموذج الذي قدمته للعالم الذي لم تُعره أي اهتمام وهي تراكم الإهانة والحرج للنموذج الإسلامي. حيث حصرت اهتمام الحاكمية الإسلامية في تصفية الحساب مع تعليم المرأة وفرض مقاييس اللحى، ولما خلصت من ملحمة الصفع والركل للمواطنين، توجهت بالتدمير للتماثيل والحجر. لقد كانت مثالاً لدولة دونكيشوتية بائسة، أقفرت قفراً وأفقرت فقراً كان ولا يزال هو لعنة هذا المجتمع الذي دفع الثمن غالياً. ومع أن حليفها الأول كان يسندها بالإعلام، ويواري سوآتها، إلا أن الفضيحة شاعت، وكان أكثر الناقمين على هذا النموذج هم المسلمون أولاً. ولو أنك تلوت «معالم في الطريق» على شاب قطط، ثم بعد أن يختمه توجهت به إلى دولة طالبان، لقال: إنها الدولة التي طبقت «معالم في الطريق»: مجاهدون يقاتلون ببسالة أصحاب الأخدود، وجيل قرآني فريد لا يدري أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، وأمة تقاتل لكي يحكم شرع الله في الأرض وتتحقق حاكميته. جماعة تححقت عندها قيمة العزلة الشعورية عن كل ما حولها من مدارات جاهلية... إنها دولة الصحابة. قال ذلك أحدهم يوم زار الجماعة المقاتلة بالجزائر، وسمعناها جميعاً ممن رأى يوماً في ابن لادن صحابيًّا يعيش في القرن الواحد والعشرين. ومع ذلك، فإنني جازم بأن دولة كهذه لم تكن لترضي صاحب معالم في الطريق. فهو أكثر انزعاجاً من التشبث بالشكليات كما تحدث مليًّا في كتابه «الإسلام في مواجهة الرأسمالية». بل ماذا كان سيقول لشرطة طالبان لو أنها طالبته بامتثال واجب إعفاء اللحية التي جعلت منها حكومة الملا عمر، قضية تفوق كل القضايا الحضارية للأمة. لكن ذلك كله نتيجة غياب شروط حقيقية، جعلت مفهوم الحاكمية بلا فقه ولا شرط، يمكن أن تأتيك بآلهة بشرية تستعبدك، وليس أنها الحاكمية التي تحررك من سلطان البشر. أفلا يتساءل المرء: ترى ماذا خسر المنظور القطبي، عندما استهان بمسألة التأصيل والتفصيل وشرائط ما كان يدعو له بحماسة؟!. لا بل حتى المودودي الذي حاول الإجابة عن السؤال أعلاه، بأن الحكم ليس من وظيفة الفرد بقدر ما هو وظيفة الجماعة المؤمنة التي تستحق تمثيل تعاليم السماء، لم يتحدث عن إجراءات احترازية من خطر الانهداد في مهوى الاستبداد، سوى أوصاف أخلاقوية، تجعل الأمة تحت رحمة المجهول والاتفاق والجزاف السياسي. إن الحديث عن البديل، هو جوهر إشكالية خطاب الأسلمة. وكثيرة هي الحركات الإسلامية التي لا تملك جواباً حقيقيًّا أمام تحدي الوقائع والنوازل والموضوعات المتجددة. ودائماً أحب أن أضرب مثالاً موجعاً يحكي عن أن مسألة ال