الموضوع: تضعيف الشيخ المفيد رحمه الله لكتاب سليم بن قيس الهلالي والإيراد عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين .
شيخنا الأستاذ الكبير آية الله المحقق الشيخ محمد جميل حمّود العاملي سدده المولى تبارك وتعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أرجو من سماحتكم الموقرة أن تجيبني على هذه الأسئلة .. ولك جزيل الشكر .
• الأسئلة تدور حول إيراد الشيخ المفيد رحمه الله تعالى على ما ورد في كتاب سليم بن قيس حول قضية كسر الضلع الشريف.
السؤال الأول :
هل يدل على جلالة الصحابي سليم بن قيس في نظر الشيخ المفيد من خلال الرواية التي رواها في كتابه الإختصاص ص 2 الدالة على أن سليماً كان من شرطة الخميس ؟
السؤال الثاني :
كيف ينكر الشيخ المفيد جميع ما ذكره كتاب سليم "رض" الذي يذكر مظلومية السيدة الزهراء صلوات الله عليها في حين أنه يذكر الرواية التي تتعرض إلى قتلها وولدها عليهما السلام في كتابه الإختصاص ص 344 نقلاً عن الراوي عبد الله بن بكر الأرجاني ؟ وكذا يصرح في نفس كتابه ص 185 وص 344 حادثة الرفس والإسقاط والضرب ـ ويذكر في كتابه الأمالي ص 59 / 50 الأمر بإضرام النار وإظهار السيف ، وفي كتابه الجمل ص 117 و 118 يصرح بجمع الحطب واقتحام البيت ، وفي كتابه المزار ص 459 يذكر في السلام عليها "ع" بأنها شهيدة .
السؤال الثالث :
ما مدى صحة ما أورده الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 413 عن الشيخ المفيد (رحمه الله) : "إنه قد زاد على الجمهور : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكراً ، وكان سماه رسول الله (ص) محسناً ، [وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة]" .
ومن هنـــا :
السؤال الرابع :
هل يصح أن نقول أن نكران الشيخ المفيد لجميع ما جاء في كتاب سليم يدل على التقية التي كانت مفروضة عليه في عصره ؟
السؤال الخامس :
هل يمكن القول أن كلامه ره ليس من نفسه بل دسه النواصب أو عملائهم في كتابه ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خادمكم الأقل
أحمد البقاعي
بسمه تعالى
السؤال الأول : هل يدل على جلالة الصحابي سليم بن قيس في نظر الشيخ المفيد من خلال الرواية التي رواها في كتابه الإختصاص ص 2 الدالة على أن سليماً كان من شرطة الخميس ؟
الجواب على السؤال الأول:
بسمه تعالى
لم ينفِ الشيخ المفيد رحمه الله وثاقةَ الصحابيَ الجليل سُليم بن قيس رضي الله تعالى عنه بل نفى أن يكون كتابه في الخلافة المعروف بإسم "سليم بن قيس الهلالي" لنفس سليم بل هو لأبان بن أبي عيّاش رضي الله تعالى عنه مدعياً بأن فيه تخليطاً وتدليساً فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه ولا يعوَّل على جملته والتقليد لرواته وليُفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد حسبما جاء ذكر كلامه في كتابه تصحيح الإعتقاد ص 149 فصل في معالجة الأحاديث المتعارضة... ولكننا نستغرب صدور مثل هذه العبارة عن الشيخ المفيد رحمه الله بسبب ما قاله قبلها كالتالي قال: [وأما ما تعلق به أبو جعفر – رحمه الله – من حديث سليم الذي رجع فيه إلى الكتاب المضاف إليه برواية أبان بن أبي عياش فالمعنى فيه صحيح غير أن هذا الكتاب غير موثوق به..] إذ كيف يطلق صحة المعنى الإجمالي في كتاب سليم ثم في الوقت ذاته يناقض نفسه بقوله (أن هذا الكتاب غير موثوقٍ به) فلا يمكن إجتماع الصحة الإجمالية لمضامين الكتاب مع عدم الوثاقة الإجمالية لأكثر مضامينه، فهو من باب إجتماع النقيضين (الإيجاب والسلب في موضوعٍ واحدٍ) وهو محال، فلا يخلو الأمر حينئذٍ من أحد شيئين:
إما أن يكون الشيخ المفيد قد وقع في إشتباه في كتابة عبارتيه المتقدمتين، وإما أن يكون ما في تصحيح الإعتقاد من عبارته الأخيرة مدلس عليه بعد موته لاسيما وأن المسافة بيننا وبينه بعيدة فليس من المستحيل وقوع مثل هذا التزوير في عبارته مع وقوع أمثاله في أخبارنا الشريفة.. ومن أراد المزيد فليراجع كتابنا (أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد ج2 ص 506 الشبهة الثالثة على كتاب سليم والجواب عنها)بالإضافة إلى أنه لم يتطرق إلى وجه التدليس والتخليط في الكتاب بحسب دعواه،فتبقى مجرد دعوى بحاجة إلى دليل فلا تصح والحال هذه الإعتماد عليها لنفيِّ مجمل مضامين كتاب سليم،نعم ثمة مورد أو موردين في الكتاب لا يصلحان للإعتماد عليهما في الكتاب وقد طرحناهما وأسقطناهما عن الحجية في كتابنا أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد وذلك لمخالفتهما الأدلة القطعية فليُراجع كتابنا المذكور للفائدة.
السؤال الثاني : كيف ينكر الشيخ المفيد جميع ما ذكره كتاب سليم "رض" الذي يذكر مظلومية السيدة الزهراء صلوات الله عليها في حين أنه يذكر الرواية التي تتعرض إلى قتلها وولدها عليهما السلام في كتابه الإختصاص ص 344 نقلاً عن الراوي عبد الله بن بكر الأرجاني ؟ وكذا يصرح في نفس كتابه ص 185 وص 344 حادثة الرفس والإسقاط والضرب ـ ويذكر في كتابه الأمالي ص 59 / 50 الأمر بإضرام النار وإظهار السيف ، وفي كتابه الجمل ص 117 و 118 يصرح بجمع الحطب واقتحام البيت ، وفي كتابه المزار ص 459 يذكر في السلام عليها "ع" بأنها شهيدة .
الجواب على السؤال الثاني:
لا ريب بإقرار الشيخ المفيد بمظلومية سيدة النساء الحوراء الزهراء عليها السلام كضربها على خديها وتناثر قرطها من أذنها والرفس على بطنها وضربها وقتلها حسبما جاء ذلك منه في الإختصاص وغيره من كتبه رحمه الله تعالى لكنه لم يتعرض إلى مسألة واحدة هي كسر الضلع فقط مع اعترافه ضمناً بأنها ماتت شهيدة وأسقطت جنيناً لها إسمه محسن (ع) قد سمَّاه رسول الله قبل رحيله بهذا الإسم متنبئاً بأنه سيُقتل بسبب ضغطة عمر بن الخطاب لعنه الله تعالى لسيدة نساء العالمين بين الحائط والباب ورفسه برجله على بطنها.. إلخ مما قصّه النبيُّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على إبنته من معارف الغيب الإلهي، فتضعيف الشيخ المفيد لكتاب سليم لا يؤثر في نفي ظلامة الصدّيقة الكبرى روحي فداها بكسر ضلعها الشريف لأن حكاية ورواية كسر الضلع ليست منحصرة بطريق رواية أبان بن أبي عياش بل رويت الظلامة بطرقٍ أخرى من غير طريق كتاب سليم بن قيس، فعدم إثبات الشيخ المفيد رحمه الله لظلامة كسر الضلع في كتبه لا يعني بالضرورة إنكاره لها، للقاعدة العقلية المحكمة المؤيدة بدليل الشرع المبين القائلة "بأن عدم الوجدان ليس دليلاً على عدم الوجود" بل من المؤكد بأنه لو كان معتقداً بعدم صحة ثبوت كسر الضلع لكان ذكرها في كتبه باعتبار أن نفي ظلامة كسر الضلع تصب في خانة المخالفين مما يجلب رضاهم بذلك، فحيث إنه لم يثبتها في جميع كتبه يستلزم ذلك عادةً بأنه قائلٌ بالظلامة المذكورة لكنَّه خاف من إثباتها لشدة حساسيتها عند المخالفين، والله تعالى العالم بخفايا الأسرار.
السؤال الثالث : ما مدى صحة ما أورده الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 413 عن الشيخ المفيد (رحمه الله) : "إنه قد زاد على الجمهور : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكراً ، وكان سماه رسول الله (ص) محسناً ، [وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة" .
الجواب على السؤال الثالث:
مراد الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب ص 413 بما نقله عن الشيخ المفيد أنه قد زاد على الجمهور إلخ ما ذكرتموه من عبارة الشافعي، هو أن الجمهور من المخالفين ينكرون إسقاط مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة عليها السلام جنيناً إسمه محسن عليه السلام لأن إثباتهم لإسقاط الجنين محسن عليه السلام يقتضي الإعتراف بإعتداء عمر بن الخطاب على الجنين وأمه الطاهرة عليها السلام فالمتفرد بنقل إسقاط الجنين بعض مؤرخي العامة منهم ابن قتيبة الدينوري والجويني في فرائد السمطين والعسقلاني في لسان الميزان في ترجمة محمد بن حماد الكوفي والذهبي في ميزان الإعتدال في ترجمة أحمد بن محمد بن السري عن محمد بن أحمد بن حمَّاد الكوفي، وكذا ذكر إسقاط سيدنا محسن عليه السلام من علماء العامة المعتزلة إبراهيم بن سيَّار بن هانئ النظام كما نقل عنه ذلك الشهرستاني في الملل والنحل في الخبر الأول منه.. ولعلَّ المتتبع الدقيق في كتب المخالفين القديمة التي لم تصلها آلة الطباعة الحديثة يجدُ العديد من الشهادات الدالة على ظلامة كسر الضلع، والله من وراء القصد.
السؤال الرابع : هل يصح أن نقول أن نكران الشيخ المفيد لجميع ما جاء في كتاب سليم يدل على التقية التي كانت مفروضة عليه في عصره ؟
الجواب على السؤال الرابع:
لا يبعد أن يكون نكران الشيخ المفيد رحمه الله لكتاب سليم تقيةً لما فيه من مسائل ذات حساسية كبرى عند المخالفين لاسيما وأن الكتاب يتعرَّض لأصل عقيدة أبي بكر وعمر السيئة بالنبيِّ الأكرم وأهل بيته المطهرين عليهم السلام فليس السبب في التقية هو نفس الإعتداء على دار سيدة النساء صلوات ربي عليها أو ضربها وقتلها لأن الشيخ المفيد ذكر ذلك في بقية كتبه، وإنما السبب هو الأصل العقديُّ الذي كانا – أي أبو بكر وعمر – يتصفان به من العداوة والبغضاء وعدم الإيمان بما جاء به سيد الرسل والأنبياء محمد صلوات الله عليه وآله الأطهار.. ولا عبرة بإنكار الشيخ المفيد لما جاء في كتاب سليم بعدما أشرنا إليكم في جواب السؤال الثاني من وفرة النصوص الدالة على ظلامة كسر الضلع من غير طريق كتاب السقيفة المعروف بكتاب سليم بن قيس الهلالي العامري، فإصرار البعض على الشيخ المفيد ورأيه في قضية كسر الضلع الشريف لسيدة الطهر والقداسة مولاتنا فاطمة (ع) دون رأيه الآخر المثبت في كتبه الدال على ظلامات مولاتنا فاطمة (ع) من رفسها وضربها وقتلها فيه شيء من التشكيك والتلاعب بعواطف المؤمنين الذين يغترّون بشهرة صيت الشيخ المفيد رحمه الله فيروّجون بين الناس بأن الشيخ المفيد منكر لمسألة كسر الضلع الشريف مع إن الواقع غير ذلك كما أشرنا إليكم أعلاه مع إن المفيد ذكر ما هو مساوٍ لكسر الضلع إنْ لم يكن أعظم وأفظع ألا وهو الرفس على البطن والضرب على الخد والعضد والإهانة والمذلة بتلكم الأمور التي لو تُليت على الصخر الأصم لذاب من حنانه على تلك الطاهرة الزكية بضعة النبيَّ وحبيبة الوصي وحجة الجبار وأمّ الأئمة الأطهار عليها وعليهم صلوات الله..
السؤال الخامس : هل يمكن القول أن كلامه ره ليس من نفسه بل دسه النواصب أو عملائهم في كتابه ؟
الجواب على السؤال الخامس:
ليس ببعيد أن يكون ما نُقل عن الشيخ المفيد في كتاب تصحيح الإعتقاد ملفقاً عليه رحمه الله تعالى كما لُفّق على غيره من العلماء الماضين والمعاصرين ونحن منهم فقد نسبوا إلينا أموراً لم نقلها ونعتونا بنعوتٍ ما كنا نتصور صدورها من أناسٍ يحسبون أنفسهم موالين ولأئمة الدين تابعين إلاَّ أنَّهم منافقون ولدينهم حاطمون وبشعائره آكلون!!
والحاصل: إن التأكيد على الشيخ المفيد لا نرى له وجهاً شرعياً أو عقلياً ما دامت الأخبار تؤكد ظلامة كسر الضع، وما دام غيره ممن هم أوثق منه بنقل الأخبار والأحاديث قد أثبتوا القضية في كتبهم التي هي من أوثق المصادر الحديثية عندنا نحن الشيعة الإمامية فالإصرار على الشيخ المفيد له خلفية بكرية وعمرية بأيادٍ شيعية ليست نقية ولا تقية!! والله من وراء القصد؛ والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
حرّرها العبد الفاني الشيخ محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت– سحر ليلة السبت الموافق 17 شهر رمضان 1431 هجري