الشيعة والتقوى
قال: إن الله جمع ما يتواصى به المتواصون من الأولين والآخرين في خصلة واحدة هي التقوى، قال عز وجل: ووصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا} جماع كل عبادة صالحة، وبها فبالتقوى وصل من وصل إلى الدرجات العلى وعاش من عاش مع الله بالحياة الطيبة، والأنس الدائم، قال سبحانه: إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}
وقال الإمام الباقر: والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه...
وقال الإمام علي : التقوى رأس الأخلاق..
وعن جابر الجعفي، قال: خدمت الإمام محمد الباقر ابن علي بن الحسين ثماني عشرة سنة، ولما أردت الخروج ودعته، وقلت له:
أفدني يا ابن رسول الله.
قال: أبعد ثماني عشرة سنة يا جابر؟ !
قال جابر: نعم، يا سيدي، إنكم بحر لا ينزف، ولا يبلغ قعره.
قال الإمام: بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله، ولا يتقرب إليه أحد إلا بالتقوى، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا، جعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون.
ويتبين معنا من هذه الأقوال أن معنى الدين والأخلاق والتشيع عند أهل البيت يرجع إلى شيء واحد، إلى التقوى ووازع الأعمال الصالحة.
وإذا رجعنا إلى تاريخ الشيعة، وتراجم رجالهم وجدنا أنهم كانوا يعرفون بالإخلاص والتضحية، والتواضع والخشوع، والثورة على الباطل وأهله، والأمانة والوفاء، وذكر الله والعبادة، وتلاوة القرآن والتهجد والمناجاة والسخاء وتعهد الإخوان والجيران، وصدق الحديث، وكف الأذى عن الناس.
اقرأ التاريخ، فإنك واجد من الشيعة في كل عصر رجالاً تتمثل فيهم عظمة الدين والخلق الكريم، ومن أجل ذلك تنكروا للسلطان الجائر، فمنهم من ثار عليه بالسيف، ومنهم من هرب منه، ومنهم من امتنع عن التعاون معه بالرغم من المغريات، لقد أبى الشيعة في جميع الأدوار والعهود أن يتحالفوا مع السلطة، كما تحالف غيرهم، وهذا هو السر في ابتعاد علماء الدين – على وجه الإجمال – عن الدولة ورجالها ووظائفها، إن اعتزالهم عن الحكم والحكومات إن هو إلا امتداد لتاريخهم وسيرة أئمتهم وسلفهم.
كتب المنصور إلى الإمام الصادق: لمَ لا تغشانا كما يغشانا الناس؟
فأجابه الإمام: ليس لدينا شيء من الدنيا نخافك عليه، وليس لديك شيء من الآخرة نرجوك به.
فكتب إليه المنصور ثانية: تصحبنا لتنصحنا.
فأجابه الإمام: من أراد الآخرة لا يصحبك، ومن أراد الدنيا لا ينصحك.