المعالم الجديدة للحركة الإسلامية المغربية -الحلقة الأولى-

تتناول الحلقة الأولى من هذا المقال المطول ، قراءة لتجربة الحركة الإسلامية المغربية من خلال رؤية نقدية لمسيرتها ، واختصت الحلقة الأولى بقضية محددة وهي قضية "الحركة الإسلامية والخصوصية المجتمعية في المغرب "
عصام احميدان

1-الخصوصية المجتمعية :

مما لاشك فيه أن هناك محاولات عديدة لتعريف الحركة الإسلامية ، ويمكن القول أيضا أن هناك تحديدات مفاهيمية مختلفة ومتفاوتة للحركة الإسلامية ، غير أننا كي لا ندخل في سجال مفاهيمي حول ماهية الحركة الإسلامية ، فإننا نكتفي بهذا التعريف الذي نعتقد أنه يتوفر على بعض المواصفات الإيجابية لجهة جامعيته لذاتيات المعرف ومانعيته لدخول الأغيار في ماهية ذلك المعرف ..فالحركة الإسلامية هي " حركة عقائدية تنتصر لنمط من التدين والخضوع والعبودية لله تعالى" وقد ابتعدنا بهذا التعريف عن الملابسات التي يثيرها تعريف آخر يقول أن "الحركة الإسلامية هي حركة الإسلام في الواقع وفق خطة " ..هذا الأخير بالرغم من جامعيته لعناصر مفهوم الحركة الإسلامية " الإسلام ، الواقع ، التخطيط الاجتهادي لتغيير الواقع" غير أن هذا التعريف يرد عليه إشكال أساسي وهو أنه يعطي الحركة الإسلامية قدسية الدين بينما الحركة الإسلامية هي تجربة بشرية وإن تعلقت بأهداف رسالية.
في تعريفنا المختار "الحركة الإسلامية هي حركة عقائدية تنتصر لنمط من التدين .." نكون أمام مفهوم جوهري ألا وهو "أنماط التدين" ، فالتدين ليس على نسق واحد من النمطية ، بل هو أنساق نمطية مختلفة تتفاعل فيها عوامل الزمان والمكان والأشخاص والأحوال ..من هذا المنطلق ، يستمد السؤال عن أنماط التدين التي تنتصر لها الحركة الإسلامية المغربية مشروعيته، فإلى أي نمط من أنماط التدين تنتصر الحركة الإسلامية المغربية ؟

بحسب قراءتنا لواقع الحركة الإسلامية بالمغرب نجد أن هناك ثلاث مجموعات :

المجموعة الأولى : تنتصر لنمط سلفي من التدين ، وتعتمد على مرجعية فكرية محددة في عقيدة أهل الحديث من الحنابلة مع تعديلات جوهرية أدخلها على هذا الاتجاه ابن تيمية ، لدرجة أن الكثير من العلماء يميل إلى القول بأن ابن تيمية عندما رفع شعار رفض التقليد في العقائد خرج بمذهب عقائدي سرعان ما أصبح يقلد من قبل أنصاره وأتباعه إلى يومنا هذا ..وقد اعترف الراحل الأستاذ فريد الأنصاري في كتابه " الحركة الإسلامية والأخطاء الست" بأن الحركة الإسلامية في المغرب وقعت في خطأ الاستنساخ العقائدي للسلفية التيمية بتصورات مشرقية ..وأنه كان عليها التأصيل للحالة السلفية من خلال البيئة المحلية المغربية خصوصا تجربة السلفية الوطنية لكل من الشيخ محمد بلعربي العلوي والشيخ أبي شعيب الدكالي .
المجموعة الثانية : تنتصر لنمط صوفي حركي من التدين ، غير أن هذه المجموعة لم تستند على مرجعية صوفية تاريخية ، لأن التصوف في المشرق والمغرب له سند وينتقل من خلال إسناد السر والمشيخة من شيخ إلى مريده ..وبسبب غياب السند التاريخي لهذا النمط تم استحداث تجربة صوفية مقطوعة عن السياق التاريخي للتصوف المحلي تماما كما جاءت المحاولة السلفية مرسلة إلى خارج السياق المحلي ، لكن هذه المرة التجربة الصوفية الحركية جاءت مقطوعة عن السياق المحلي والتاريخي للتصوف المغربي .
المجموعة الثالثة : تنتصر لنمط من التدين قائم على التحديث والعصرنة ، متطلعة بالأساس إلى بناء تجربة ديموقراطية معتبرة الخيار الديموقراطي هو المدخل الوحيد الممكن لوضع الاختيار الإسلامي في موضع المنافسة على أساس البرامج في أفق تجسيد ما لبديل حضاري للأمة .
هذه المجموعة بدورها تعكس الأزمة الثقافية والاجتماعية لمشروع التحديث المجتمعي ، فتجربة التحديث في الغرب عاشت التطور الطبيعي والصيرورة المنطقية للتحولات الداخلية للمجتمع ، فكان التحديث إفراز تاريخي لتحول ثقافي واجتماعي وتاريخي ، غير أن الاستعمار فرض علينا في مرحلة اجتماعية تقليدية أن نقطع بشكل فوري مع بنياتنا الثقافية والاجتماعية من خلال عملية قيصرية ، مما أفرز في نهاية المطاف صورة بئيسة للتحديث ، وديموقراطية واجهاتية فارغة من كل محتوى ثقافي واجتماعي أصيل .
أمام هذه المجموعات الثلاث ، والتي وإن اختلفت ظاهريا في أنماط التدين المراد الانتصار له ، غير أنها تتوافق على أمر محدد وهي اجتزاء وقطع الصيرورة الثقافية والاجتماعية من خلال آليتي "الإرسال خارج السياق" و "القطع مع السياق" : آلية الإرسال خارج السياق "المجموعة الأولى والثالثة " و آلية القطع مع السياق المحلي "المجموعة الثانية" .
إن القطع والإرسال لا ينتجان إلا حركية ثقافية واجتماعية في سطح المجتمع لا في عمقه ، وبالتالي فإن الحركة الإسلامية هي حركة نخب ثقافية واجتماعية لا حركة مجتمعية ، بالرغم من الحيوية في الاستقطاب الاجتماعي التي تتوفر عليه هذه الحركات بسبب فطرية التدين الاجتماعي وانجذابه لكل ما هو ديني ، وأيضا لبساطة الخطاب الثقافي والاجتماعي وتعلقه بعناوين تفرضها الحاجة الاجتماعية "الأخلاق ، الأمانة .." خاصة في ظل وجود نموذج مقابل معاد للحركة الإسلامية ، تلبس في قضايا منافية للأعراف والأخلاق الاجتماعية سواء على المستوى الفردي للقيادات أو على مستوى تجربة التدبير العام .
إن الحركة الإسلامية الجديدة ، والتي نسعى من خلال مشروع جديد بلورتها "الائتلاف الإسلامي الأمازيغي" ، تقوم أساس على قراءة عميقة للبنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي ، في محاولة لتكيف الخطاب الإسلامي والمشروع الإسلامي مع الصيرورة الداخلية للمجتمع المغربي في الزمن الراهن ، وذلك من أجل تجسيد شعار "أصالة الحركة الإسلامية" والتي لا تعني سوى انسجامها مع الخصوصية المجتمعية للمجتمع الذي تتحرك من خلاله .
-يتبع-

بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله عنا خيرا
تابع ... بارك الله فيك

» المعالم الجديدة للحركة الإسلامية المغربية : 2- الشرعية التأسيسية لمفهوم الجماعة
» المعالم الجديدة للأصول - محمد باقر الصدر
» آفة ترجمة القرآن إلى الدارجة المغربية
» شيعة المغرب: بالدارجة المغربية قصة الحسين ع جد مؤثر
» بين عائشة وفاطمة -الحلقة الأولى