المشرف العام المدير
تاريخ التسجيل : 16/08/2009 عدد المساهمات : 1175 العمر : 54 الموقع : http://al-ofeq.blogspot.com/
| موضوع: شيعة المغرب والموقف القانوني / عصام احميدان الأربعاء 03 فبراير 2010, 18:05 | |
| كنا قد وقفنا في مقال سابق على الموقف الدستوري المغربي من الاختلاف المذهبي، وتبين لنا من خلال تصدير الدستور المغربي وفصوله أن الوحدة المذهبية ليست من الثوابت الدستورية، وبالتالي فلا يمكن اعتبار شيعة المغرب خارج الثوابت الدستورية للأمة المغربية.
وفي هذا المقال، سنحاول الوقوف على الموقف القانوني المغربي من الاختلاف المذهبي، وبالتالي موقع شيعة المغرب من أحكام القانون المغربي، رفعا لكل التباس وتبيانا أن كل كلام عن متابعة قضائية محتملة لـ «شيعة المغرب» ليس له أي مستند قانوني.
كثر الحديث إعلاميا وأيضا تضمنت بعض محاضر التحقيق الجنائي في عام 2003 مع شيعة مغاربة من شمال المغرب في منطقة تطوان-الفنيدق، وكذلك أثناء التحقيق مع شيعة مغاربة أعضاء في جمعية «الغدير» بمدينة مكناس وهي جمعية غير مرخص لها قانونا، عن كون شيعة المغرب معرضون للمتابعة القضائية بناء على مقتضيات الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي، وتحديدا من خلال الفرع الثاني منه المعنون بـ«الجرائم المتعلقة بالعبادات» وهو الفصل الشهير بـ«فصل زعزعة عقيدة المسلم»، والذي نص بما يلي «من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها، أو لمنعهم من ذلك، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم ويعاقب بنفس العقوبة كل من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استغلت لهذا الغرض، وذلك إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات» .
وبالرجوع إلى النص القانوني «الفصل 220 من القانون الجنائي المغربي، نلاحظ في تصدير الفصل المذكور أن المشرع المغربي يدافع عن حرية التدين، حيث أكد تجريم الإكراه على ممارسة عبادة ما أو على منع الناس من عبادة ما، وفيه إشارة مهمة إلى كون القانون المغربي كرس مبدأ حرية التدين التي أكدها الدستور من خلال تصدير هذا الفصل، ومن حقنا أن نتساءل: ألا يمكن الاستناد إلى تصدير الفصل القانوني للتأكيد على عدم قانونية إلزام شيعة المغرب بالعبادة وفقا لمذهب معين؟ وألا يعد منع التدين والطقوس العبادية وفق مذهب مختلف جريمة يعاقب عليها بمقتضى مقدمة هذا الفصل القانوني؟
وفي الفقرة الثانية من هذا الفصل القانوني نلاحظ أن المشرع الجنائي المغربي لم يجرم «زعزعة عقيدة المسلم» بل جرم «من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى»، بمعنى أن استغلال احتياج المواطنين للدعم المادي من أجل زعزعة العقيدة الإسلامية ونشر عقيدة غير إسلامية مما يجرمه القانون المغربي..بمعنى أنه لو فرض زعزعة عقيدة مسلم بغير اعتماد وسيلة من وسائل الإغراء المادي، كالاعتماد على أسلوب المناظرة الفكرية والحوار العلمي، فإن ذلك لا يدخل في خانة التجريم . وما يؤكد كون المشرع المغربي قد جرم الوسيلة وليس الغاية، أي جرم استعمال وسائل الإغراء المادي وليس زعزعة عقيدة المسلم نفسها، ما استكمل المشرع من بيان وتوضيح حيث ذكر بعد «واو» عطف البيان ما يلي: «وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم» الملاحظة الثانية على هذه الفقرة الثانية من الفصل 220 هي كون المشرع الجنائي يتوجه بالمتابعة لمن يستعمل وسيلة من وسائل الإغراء المادي لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، أن المزعزع للعقيدة الإسلامية ليس بمسلم، أو ينتمي لديانة أخرى غير الدين الإسلامي . وبالرجوع إلى التشيع في المغرب تفتقر المتابعتهم القانونية بناء على هذا الفصل إلى ركيزتين:
أولا: عدم اعتمادهم على وسائل الإغراء المادي في إقناع الآخرين بمذهبهم، واقتصارهم على الحوار والمناظرة والإحالة على الكتب أو المواقع الإلكترونية المختصة .
ثانيا: عدم خروجهم من دائرة العقيدة الإسلامية، ذلك أن أصل الخلاف يكمن في ادعاء كل طرف مذهبي أصالة انتمائه للعقيدة الإسلامية الصحيحة .
وحيث ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وحيث لا نص على قانونية المتابعة القضائية لـ«الشيعة المغاربة» إلا ما يدعى من تأويل تعسفي للفصل 220 من القانون الجنائي السالف الذكر، والذي بان بطلان تأويله، فإن الانتماء العقدي والفقهي لـ«التشيع» مما لا يمكن القول بخروجه عن القانون الجنائي. ومن حسن الحظ أن القضاء المغربي سواء في حالة تطوان أو مكناس ذهب إلى عدم صحة التكييف القانوني بالمتابعة للشيعة المغاربة على أساس الفصل 220 المذكور، وقضى ببراءة المتهمين من التهمة المذكورة «زعزعة عقيدة المسلم».
وبالعودة لفصول قانون الأحزاب السياسية، لا نلمس إلا حديثا عن عدم جواز تأسيس أحزاب سياسية تقوم على أساس ديني أو عرقي أو طائفي، وعلى هذا الأساس يمكن القول أنه لا يجوز تأسيس جمعيات أو أحزاب شيعية لكون التشيع أساس ديني، غير أنه من غير المقبول عدم تقديم وصل الإيداع القانوني عند التصريح بتأسيس جمعية أو حزب لمجرد كون أعضاء المكتب من الشيعة، إذ لإبطال قانونية التصريح والتأسيس يجب إعطاء الوصل، وإعطاء القضاء صلاحية التأكد من مدى انسجام القانون الأساسي والنظام الداخلي للجمعية أو الحزب، لا مجرد الاعتماد على تقارير تفيد اعتقاد أعضاء من المكتب المسير بمذهب مخالف..ولو تأكد القضاء المغربي من قيام الجمعية على قانون أساسي أو داخلي مخالف لقانون الجمعيات أو الأحزاب السياسية، فيحق له حل الجمعية أو الحزب السياسي .
وأخيرا، نرجو أن تسود ثقافة احترام الدستور والقوانين، والابتعاد عن المواقف المسبقة والهواجس المفرطة، وأن نتعامل مع كل الحساسيات المختلفة بناء على الرقابة المواكبة والبعدية لا القبلية التي تصادر كثيرا الحريات العامة وحقوق الإنسان بدعوى حفظ النظام العام..فكلنا معنيون بحفظ النظام العام لكن بشكل يحترم حقنا في الاختلاف، في الرأي والتعبير .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] | |
|