علي حسين عبيد
يقدم لنا المعنيون في علم النفس، تفسيرات صائبة عن الشخصيات التي تعجز عن تقديم الفعل على الشكل او الجوهر، فيؤكد هؤلاء العلماء أن الانسان حين يعجز عن تقديم الفعل الصائب والمطلوب، فإنه يلجأ الى أساليب أخرى ذات طابع شكلي قولي لكي يملأ الفراغ الفعلي الملموس.
ولكي نبسّط هذا الكلام، نقول أن المسؤول الفلاني قد يعجز عن القيام بمسؤوليته وفقا للدور الوظيفي التنفيذي المطلوب منه، ولهذا يلجأ الى معالجة هذا الخلل عن طريق إبراز دوره وشخصيته بالقول الفارغ من الفعل، ومن هذه الاساليب اللجوء الى التواجد في الواجهة الامامية في المحافل والتجمعات والصحف أيضا.
بمعنى أن المسؤول الفلاني قد يقوم بفرض صورته –وهو قادر على ذلك- ونشرها في الصفحة الاولى من الجريدة الفلانية تعويضا عن النقص العملي في أدائه لدوره، وبهذا يحاول أن يسد جانبا من الخلل الموجود في شخصيته ودوره العملي الصحيح أيضا، من دون أن يعرف بأنه لا يصيب في هذا المنحى، بل يشكل مثل هذا العمل –نشر الصورة- انتقاصا واضحا منه، فحتى لو كان مؤديا تنفيذيا ناجحا لدوره، من المستحسَن أن لا تظهر صورته مع الكلام، إستنادا الى القاعدة الأخلاقية والايمانية التي تقول (إعمل ولا تتكلم) بمعنى أن هناك أناسا يؤدون أعمالا مفيدة لغيرهم ولكن يتم ذلك بصمت تام، أي أنهم لا يشيرون الى هذه الاعمال حتى بالكلام وحده، ويفضلون أن يتم ذلك صمتا لأن الاعمال كما يُقال أعلى صوتا من الاعمال.
هذا يعني أن العمل الجيد يُفصح عن نفسه من دون وسائط، لذا فإن الصورة تنتفي لها الحاجة حتى لو قام المسؤول او الانسان العادي بواجباته تجاه الآخرين على النحو المطلوب، فكيف إذا كان قاصرا عن أداء دوره؟! هل يجوز أن يلجأ الى الاساليب الشكلية التي تضره قبل أن تمنحه أية فائدة تُذكر.
هنا يؤكد المعنيون في التحليل النفسي، أن اللجوء الى المنهج التبريري يعبر عن فشل في التكوين الشخصاني للانسان، أي أنه ربما يعاني من نقص ما في تشكلاته النفسية، الامر الذي يدفعه الى معالجة هذا النقص بوسائل وسبل خاطئة، وهذا ما يؤكد لجوء الطغاة الى محاولات تزيين شخصياتهم من خلال الاعلام عبر الترويج لهم ولأقوالهم الخالية من الافعال ولصورهم التي غالبا ما كانت –ولا تزال في بعض الدول- تتصدر الصفحات الأولى لصحفهم، ولنا تجربة لاتزال ساخنة مع طغاة كثر أطاحت بهم شعوبهم وآخرون لاتزال الشعوب تناضل من أجل إزاحتهم، ولسنا هنا بحاجة الى شواهد، فالعالم يضج بمثل هذه النماذج والتجارب الراهنة او المنظورة.
وفي حالة الاتفاق على هذه الآراء، فإننا بحاجة الى مسؤولين تتحدث عنهم أفعالهم وأعمالهم ومنجزاتهم قبل صورهم أو حتى أقوالهم، ولا أظن أن العقلاء يرفضون مثل هذا المنطق، فالهدف الاول في النوايا والاقوال أن تتقدم خدمة الناس على غيرها، وذلك مقابل أجر تكفله الوظيفة التنفيذية التي يتبوّأها المسؤول أو أي موظف آخر مهما كانت درجته في سلم الهرم القيادي الاداري او غيره.
وقد يرى آخرون أن الاعلان والترويج للأعمال والجهود المتميزة يدفع الموظفين والمسؤولين الآخرين الى الانجاز الامثل، وهو أمر ربما يصح مع صغار الموظفين او العمال، فيمكن أن يُكافأ وتعلن مكافأته وتُنشر صورته في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى من اجل التشجيع على القيام بما قام به وانتشار هذه الحالة بين الآخرين، مثل هذا الكلام والرأي لا غبار عليه، ولكن هل يصح هذا مع مسؤول كبير يتقدم الناس ويقودهم في مجمل جوانب الحياة لاسيما الادارية والسياسية، منها وهل يكون بحاجة الى نشر صورته أو مكافأته على خدماته التي يقدمها للآخرين؟
إننا نرى بعدم ضرورة مثل هذا التشجيع للمسؤولين، لأن تجارب الانسانية مع الحكام والمسؤولين الطغاة أثبتت بأنهم يلجؤون الى مثل هذه الاساليب عندما يفشلون في خدمة الناس كموظفين يتقاضون اجورا عن أعمالهم التي غالبا ما تكون ظالمة للرعية.