المشرف العام المدير
تاريخ التسجيل : 16/08/2009 عدد المساهمات : 1175 العمر : 55 الموقع : http://al-ofeq.blogspot.com/
| |
المشرف العام المدير
تاريخ التسجيل : 16/08/2009 عدد المساهمات : 1175 العمر : 55 الموقع : http://al-ofeq.blogspot.com/
| موضوع: رد: المواسعة والمسامحة: آليتان في تدبير الخلاف الإثنين 08 نوفمبر 2010, 20:01 | |
| في اتساع دائرة المسامحة العلمي
تقتضي سياسة التقريب و تدبير الخلاف عناية خاصة و جهدا مكثفا و اشتغالا مستداما، بحثا و تنقيبا على خروم و هشاشات في جدر المذاهب المنيعة، لتأمين فعل التسلل الاجتهادي و الحواري السمح، و لتأمين قدر ممكن من الذهاب و الإياب بينها. فوحده هذا المقام يستدعي هذا النوع من التقليل من مناعة المذاهب و فتحها على عالم الإقباس و المقابسة. ذلك لأن الأصل في المقام، الوحدة و التقارب لا الفرقة و البعاد. و في هذا السياق تبدو الدعوة إلى توسيع دائرة المسامحة قائمة، بل هي من قبيل مقدمة الواجب، بلحاظ وجوب وحدة المسلمين و تقاربهم قدر الوسع في أزمنة الحرج و العسر و الخوف على أصول الإسلام و مكتسباته هي أولى في المقام، حيث الوحدة أو التقارب واجب على كل حال. و مقتضى هذه الدعوة، العمل على توسيع دائرة المسامحة في العلوم الإسلامية المشتركة، مادام لم يترتب على ذلك أي كره لتنازل يناقض مقتضى ما تحقق بصارم الأدلة العلمية، أو ما لم يرج صرح القواعد العلمية الداعمة للمباني الاجتهادية الخاصة، و كل ما من شأنه الإيقاع في الحرج و الإشعار بالغلب، فلا يتحقق معه المراد. و قد مارس العلماء ضروبا من المواسعة و المسامحة في معرض المواضعة أو التأصيل أو الاستنباط، بين مختلف المذاهب و المدارس و المباني الاجتهادية الإسلامية. و قد تجلى التسامح في جملة العناوين و المفاهيم و المصطلحات المشتركة و المعتمدة في تداولهم العلمي، و ليس ثمة أبلغ من مثال "الإجماع" في مذهب الأصوليين من الإخوان الإمامية، من حيث أنزلوه منزلة أحد مصادر التشريع في الجملة. ما يوحي باشتراكهم في اعتبار هذا الأصل. هذا مع أنهم احتفظوا في مقام التفصيل بقيد الاشتراط؛ بأن يكون الإجماع كاشفا عن السنة و إلا، لا يعتبر. و لا يخفى بعد هذا القيد الاشتراطي ما في تداول هذا المفهوم من مسامحة. فكان أولى بالواضع إلحاقه بالسنة بدل الإجماع. غير أن كل هذا الإطناب في الإجماع و أنواعه، ما هو إلا مسامحة، عللت بوجوه، منها إرادة الجري على مسمى العامة. و لعل هذا مراد صاحب الرسائل، الشيخ مرتضى الأنصاري، لما اعتبر الإجماع محض مسامحة، و الحديث عن الإجماع المنقول، بمثابة مسامحة في مسامحة. ويعبر الشيخ جواد مغنية عن ذلك مقربا إياه بقوله:"وتسأل : ولكن فقهاء الشيعة قالوا : مصادر الفقه أربعة، وعدوا الإجماع منها إلى جانب الكتاب والسنة والعقل؟ وأجاب الشيخ الأنصاري من سأل هذا السؤال بما معناه أن عد الإجماع مع الأدلة فيه ضرب من التسامح ، لأن الإجماع يكشف ـ مع توافر الشروط ـ عن وجود الدليل ، فيسمى المجموع من الكاشف والمكشوف دليلا."[7].
و على هذا المبنى، قامت كل أنواع الاشتراك الاصطلاحي، مسامحة في توحيد المصطلح، و جريا على العام المشهور عند المختلف. وهناك ما هو أكثر مفادا لهذه الحقيقة، ما اصطلح عليه الفقهاء " قاعدة التسامح في أدلة السنن" ؛ مقتضاها القبول بالرواية دون قيد التثبت في سندها مع ضعفها أو عدم ثبوت صحتها – و يدخل في ذلك فتوى الفقهاء، لجنبة أن الأصل في مسلك الفقهاء في الفتوى، انتهاضها على سند روائي – في الموارد غير المتصلة بالأحكام التكليفية، الواجبة و المحرمة مع استحسانها في باب مكارم الأخلاق و ما شابه مما هو في حكم المستحبات و المكروهات. إن قاعدة التسامح في أدلة السنن، مورد من موارد الحضور المشترك و الاستئناس بمرويات المختلف. فإن لم يكن في ذلك فائدة على صعيد الحكم التكليفي و الوضعي، فلنلاحظ الفوائد الأخرى غير التكليفية. فلو كانت الثمرة من تحقق قاعدة التسامح، غير الاستئناس بالمرويات و الرواة من المدارس و المذاهب المختلفة، فقط، لكفى. إن مبدأ التقريب قائم على قاعدة التسامح و مبدأ الأخوة الإسلامية. فهو يتطلب سياسة تعمل على مقتضى الحد الأدنى، و التدرج في الاستئناس، و ليس على مقتضى قاعدة الكل المطلقة؛ أي: أخذ الكل أو ترك الكل. بل تدبير الاختلاف و سياسة التقريب تعمل على مقتضى المبدأ النفعي الاجتماعي و الأخلاقي؛ أي ما لا يؤخذ كله لا يترك كله طبقا لقاعدة الميسور العامة. و عليه، فإن ثمار قاعدة التسامح في أدلة السنن، ترخي بظلالها الوارفة على المسلمين في مساحة للاستئناس بأسماء الرواة و مروياتهم. فهي إذن تخلق جوا و مناخا مناسبا للتقارب،ولو في دائرة المستحبات والمكروهات ،وكل مجاري قاعدة التسامح المذكورة.ففي هذا الإطار نلاحظ أن تلاقيا ملفتا قام في هذه المساحة، إذ نجد من مختلف المذاهب من اهتم بأعمال وآثار من غالوا في خصومتهم.فالشيعة الذين قد أزعجهم موقف أبي حامد الغزالي في رسالته الشهيرة " الرد على الباطنيين" ، لم يجدوا حرجا في أن ينفتحوا على كتاب الإحياء ، وبعضهم ذهب إلى وضع شروح على هامشه. فهو كتاب تربوي يدعوا لمكارم الأخلاق ويتعرض لعدد من القيم الدينية والروحية مما هو من مشمولات قاعدة التسامح في أدلة السنن. وهذا يتطلب قدرا من التجزيء في المعاملة.فالموضوعية لا تناط بالأشخاص بل تناط بالموضوعات.لذا سميت موضوعية نسبة للموضوع لا للشخص. فلا يقال إن الشخص الفلاني موضوعي أم لا ، بل الشخص قد يكون موضوعيا هنا و غير موضوعي هناك.فإذا كان المبتغى هو تحري الموضوعية والنظر إلى ما يقال لا لمن يقول،فإن صدور ما من شأنه الإساءة لجهة ما لا يعني خلو أعماله مما هو حري بالموضوعية. بهذا المعنى نستطيع أن نفك عن المكتوب الإسلامي بمختلف مذاهبه طوق الانفعال الشخصي، ونحاول أن نقبض على الموضوعي خلف اللاّموضوعي.
تأخذ قاعدة المسامحة العلمية في دائرة علم الكلام، مظهرا متقدما، من حيث استنادها و توسلها بتقنية منهجية، قوامها إعادة بناء الموضوع ضمن استراتيجيا دقيقة في إعادة تحرير محل النزاع و تغيير زاوية الرؤية و النموذج المعرفي و أدوات التحليل. مثل هذا حدث كثيرا مع علماء و حكماء، لم يقبلوا بالتحيز الكلامي لآراء ظلت حتى حين محل نزاع بين المعتزلة و الأشاعرة و أهل الحديث.
فمن حيث المبدأ العام، رأينا كيف أن نقاشا عاليا حول إشكالية الطلب و الإرادة ، كما بحثه الأصوليون و الفقهاء داخل المدرسة الإمامية، تبنى فيه فريق منهم موقف الأشاعرة، و خالف فيه الأصحاب، تحريا للحجة و الدليل، كما حصل مع كبير المراجع الإمامية في زمانه ، السيد البروجاردي وأيضا الشيخ ميرزا النائني مع تفصيل في المقام[8]. و قد أحدث ذلك نقاشا علميا دار مدار الدليل و الحجة. لم يشعر المنحازون فيه للرأي الأشعري بأي إحساس في الإعراب عن مختارهم العلمي، كما لم يقف المخالفون لهم عند هذا التحيز مؤكدين بذلك على أن دائرة الاجتهاد هي أنسب دائرة للتسامح العلمي. لقد ناقش صدر المتألهين الشيرازي، بعض موارد النزاع الدائر بين المعتزلة و الأشاعرة – كما في مسألة الكلام و القضاء و القدر- معلنا صدق النظريتين معا. حيث أعلن بينهما ضربا من المصالحة، من خلال تغيير زاوية النظر، و التوسل بمنهجية أعمق من منهجية المتكلمين في المقام. و هذا منهج ظهرت أهميته مع الخواجة نصير الدين الطوسي في التجريد، حيث تجاوز إشكالية التحيز، و أخد بمنهجية إعادة بناء الموضوع على أسس و مفاهيم و تقنيات مغايرة[9]. إن قاعدة المسامحة العلمية، تقتضي ثورة منهجية على ضروب الحصر المنهجي، و الانفتاح على تعدد المناهج، و العمل على تطوير مناهج علم الكلام القديم. ولا نريد هنا الإطناب أكثر لا سيما بإيراد أمثلة في مجال العرفان الإسلامي الذي قدم أمثلة على هذه الروح المسامحية ، التي جعلت السيد حيد آملي الشيعي ينتقد ابن عربي الصوفي واصفا إياه بالانسان الكامل لكن ليس كل كامل هو كامل من كل الجهات.
من أجل مزيد من المسامحة الفقهية المتبادلة
لا ينبغي الوقوف عند الحد الأدنى من المسامحة الفقهية المشتركة بين المذاهب، بل يتعين مواصلة فتح دوائر جديدة لهذا الاشتراك الفروعي إلى الحدود القصوى الممكنة. و هو الأمر الذي يتوقف على مقومات ثلاثة :
1- شرط يتقوم بمزيد من فتح باب الاجتهاد.
2- أمل بالمستقبل يتقوم بملاحظة الحاضر.
3- مقاصد ترمي إلى ترسيخ قيم الأخوة الإسلامية.
1/شرط الإجتهاد
لا خلاف على أن الاجتهاد هو الطريق الواجب اقتفاؤه إلى استنباط الأحكام من مواردها المقررة عند فقد الدليل. و ذلك، ما مارسه المسلمون بأشكال و مستويات متفاوتة نزولا عند مقدمات الحكمة الدالة على وجوب الإجتهاد. غير أن القرن الرابع الهجري الذي كان انطلاقة كبرى للمدرسة الإمامية لمزيد من الاجتهاد، ما أدى إلى ثورة معرفية كبرى لا تزال تواصل طريقها بإصرار نحو آفاق أوسع من النظر الفقهي؛ هو نفسه، كان للأسف، قرن توقف الاجتهاد في دائرة الفقه السني، اكتفاءا بالمذاهب الأربعة. نعم لقد شهدت المدرسة السنية شكلا آخر من الاجتهاد الجزئي، لكنه لم يرخص له إلا في حدود و أطر و مقتضيات المذهب بحيث لا تتعدى الاجتهادات في المذهب، المذهب الفقهي نفسه. و هو ضرب من الاجتهاد، لا يبرح مساحة التخريج الفقهي. فالوحدة الإسلامية و التقريب بين المذاهب، يتماشى جنبا إلى جنب مع حركة الاجتهاد.
فمتى اتسعت دائرة الاجتهاد الفروعي، تقاربت الأواصر و عم التفهم و التفاهم و تقلصت دائرة التعصب في الاختلاف. من هنا، لا نبالغ، إن اعتبرنا أن فتح باب الاجتهاد هو ضرورة من ضرورات التقريب بين المذاهب الإسلامية. وحدهم المجتهدون يستطيعون خرق الحصون المذاهبية المنيعة، لاقتباس آراء فقهية و تمحيصها و استدخالها ضمن المنظومة الفقهية الخالصة. و إذا كان ذلك قد حصل بالفعل، فهو اليوم أدعى للحصول لتطور وسائل الاجتهاد و تنامي شرائطه المناسبة. و في هذا الإطار، يتعين على المجتهدين، أن يتحرروا من عقدة الاعتراف، و بأن يلتزموا الأمانة العلمية في النقول و إبراز مصادر الإحالات. إن عملية الذهاب و الإياب في موارد الاجتهاد الفروعي داخل مختلف المذاهب الفقهية الإسلامية، يخلق مناخا إيجابيا للأخوة و الوحدة الإسلامية، و يزيد من فرص التقارب و الاستئناس المذاهبي، و هذا رهين بمزيد من العمل المشترك في سبيل إنجاز موسوعة فقهية مشتركة بين كل المذاهب الإسلامية، و تعميق البحث العلمي في دائرة الفقه المقارن، لمزيد من الاستيعاب و الاستئناس و كلاهما ضروري لإنجاز تقارب بين المذاهب في جو من الأخوة الإسلامية و التواصل المطلوب.
2/ الأمل في المستقبل :
ليس ثمة داع لهذا الرهاب المزمن الذي غدته أزمنة الانحطاط و الطغيان السياسي الذي استغل الخلاف المذاهبي بين المسلمين، لمزيد من تكريس التناقض و الخصومة و الاختلاف. إن المتأمل لمسيرة الاجتهاد الفقهي يدرك أن ثمة الكثير من الآراء الفقهية تغيرت في عصرنا – و طبعا لهذا ما يبرره فقهيا-. ففي المدرسة الإمامية، يدرك الفقهاء المعاصرون، كيف أن أحكاما كانت محل إجماع، سرعان ما انقلبت رأسا على عقب، في اتجاه أكثر تسامحا. فثمة مثال علمي حول نجاسة البئر، حيث ظل الموقف الفقهي مجمع على القول بنجاسة البئر لمجرد الملاقاة، و ذلك بناء على إلحاقهم إياه بالقليل. بينما الرأي السائد اليوم بعد صاحب كتاب "الشرائع"، الإمام الحلي، هو القول بعدم التنجس بمجرد الملاقاة، إلحاقا إياه بأحكام الجاري و الكرّ. و أما من ناحية فقهية اجتماعية، فقد تحول الموقف الفقهي الإمامي، من أهل الكتاب مائة و ثمانين درجة، يوم صدرت فتوى السيد محسن الحكيم بطهارة أهل الكتاب. و دائما كان هناك اجتهاد و آراء تمثل منعطفات في مسارات الفتوى و العرف الفقهي. و قد حدث أن توقف الاجتهاد تلقائيا بعد الشيخ الطوسي لمدة قرن من الزمن قبل أن يرد ابن ادريس الحلي، ليقوم بنقد اجتهادي لكثير من آراء شيخه الطوسي، فاتحا بذلك الباب لاستئناف الاجتهاد، مما أفاض على المدرسة الإمامية من إمكانات اجتهادية ما كان لها بلوغها، لو أنها استمرت على تقليد شيخ الطائفة الطوسي. فالاجتهاد يحرك البنى المذهبية و يجعلها أكثر حيوية و قابلية للفهم و التفهم و التفاهم و التفهيم.
3 /قيم الأخوة الإسلامية
مبدأ الأخوة الذي فاضت به التعاليم الإسلامية المتفق عليها من كافة المسلمين ، يعزز مطلب الوحدة والتقارب. لا ، بل إن الأخوة ستكون مستحيلة من دون وحدة، والوحدة لا تتم من دون تقارب.إن مبدأ الأخوة الإسلامية مبدأ عام يشمل كافة المسلمين، وليس مبدأ مذهبيا أو طائفيا. إنه مبدأ يوسع من آفاق المسلمين ، فيجعل مذهبهم الحقيقي والأكبر هو الإسلام وطائفتهم العظمى هي الأمة.ففي ظل استفحال المشاعر الطائفية والعصبيات المذهبية، تتخلى الفرق والمذاهب الإسلامية عن أنبل ما دعا له هذا الدين، وهي من النعم التي من بها الخالق على هذه الأمة. ومن هنا، فإن الحديث عن رفع إيقاع المسامحة إلى أقصاه، يسوغه مطلب الأخوة ويوجبه، لما لها من أهمية على وجود الجماعة المسلمة ولما فيها من محاسن وعظيم الرضوان.
التقريب ضرورة
إننا نلاحظ أن الخلاف كلما اقترب من دائرة العلماء كلما خف الانفعال وانخفض منسوب التعصب، اللهم إلا ما نذر.ما يعني أن وراء هذا الاستفحال الفظيع في التصعيد الطائفي ، يكمن الجهل والجهل المركب ، أو استغلال السلط السياسية والمنتفعين من تشتت الكيان الإسلامي ، مثل العدوان الخارجي والاستعمار .وهذا يؤكد على أن المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع ، بما أن مناشئ الفرقة ثاوية فينا بقدر ما هي آتية من الإكراه الخارجي.فالنجاح في التقارب والتوحد ، هو في الآن نفسه انتصارا على تخلفنا الجواني ، وانتصارا على خصمنا البراني. فتصبح الدعوة إلى التقريب ، بمثابة الجهاد الأكبر اليوم ، لجهة كونها الرسالة التي تستجمع كل شرائط التربية النفسية والاستعداد الروحي للم الشمل وتقريب المسافات، حيث يتطلب ذلك مزيدا من نكران الذات وأن لا تأخذنا العزة بالإثم، وهو يتطلب قدرا من التسامح وشجاعة في التنازل على كل أمر شخصي، ما سلمت أمور المسلمين.ومن هنا تطرح جملة من الخطوات والشرائط الضرورية لقيام حالة تقريبية في عالمنا الإسلامي، تخطو حثيثا إلى أقصى ما هو ممكن .
مقترحات من أجل سياسة تقريبية بين المذاهب الإسلامية
تتنامى الحاجة اليوم إلى إحداث تغييرات جذرية في برامجنا التعليمية ، والنهوض بحركة إصلاح تكيف التعليم الإسلامي في العالم الإسلامي مع متطلبات التقريب بين المذاهب ، يستند إلى تقنيات تربوية متقدمة ، لأجل تكوين المتلقي المسلم الأكثر تسامحا ، بحيث تدرس مادة التقارب بين المسلمين ، إلى جانب دراسة المذاهب الإسلامية المقارنة. فقد أصبحت الحاجة قائمة إلى تعرف المسلمين على مدارسهم الكلامية والفقهية ، لأجل استيعابها ، ونفض الشبهات عنها ، تكريسا للثقة بين المسلمين. إن جزءا كبيرا من التعصب ناتج عن الجهل المركب بالمذاهب الإسلامية. فالعلم والاستيعاب هو الطريق الأمثل لتحقق الفهم والتفهم للمذاهب المختلفة. حيث كلما اتسعت دائرة الجهل إلا وتقلصت دائرة التفاهم و العفو والمعروف أيضا.
فقه التسامح وأخلاقيات الحوار
يتعين على برامج التعليم الإسلامية أن تدرج مادة فقه التسامح وأخلاقيات الحوار ، وخلق مناخ مناسب لتلاقي المذاهب الإسلامية ، في مؤتمرات وندواة دورية لا يقطعها فترات وفراغات . إذا كانت لغة التسامح هي لغة العصر بين المختلفين الأباعد ، فهي من باب الأولوية ملحة بالنسبة للمختلفين الأقارب. فالتثقيف على التسامح وأخلاقيات الحوار ، مهمة تتحملها المنظومة التربوية عند المسلمين ، لإيقاف هذا النزيف الطائفي الذي حاد بالاختلاف المذهبي العلمي إلى ما يتهدد التعايش السلمي المشترك بين الفرقاء. يتعين اكتساب الشجاعة الكافية والأخلاق العالية لمعالجة كل أسباب الخلاف ، وفتح أوراش لمناقشة المفكر واللامفكر فيه في مناشئ الخلاف، على أن يتبنى ذلك علماء متخصصون. وفي ذلك ما يفوت الفوضى والمماحكات الطائفية ، لا سيما مع بروز وسائل اتصال متقدمة مثل الانترنيت. فيتعين التقدم بقطار التقريب إلى أبعد مستوى ، وذلك بأن يتفق الفريقان على إصدار فتاوى مشتركة ، وجادة ، تحرم على غير العلماء والمختصين الخوض في الجدل الطائفي من الفريقين.وهذا لا يتحقق إلا إذا خاض العلماء في مسائل الخلاف من مدارك علمية ، تملأ فراغ انسحاب عامة الشباب من الخوض الفوضوي في مجال خطير كهذا. كما يتعين على العلماء والمؤسسات التقريبية أن تتحرك إلى أبعد من مستوى الدعوة إلى التقريب، بل يتعين أن تتحرك في اتجاه التعبئة للعلماء الذين لم يأخذوا دورهم كفاية في هذا الإتجاه، بل ويتعين عدم التوقف عن مناقشة المناهضين للتقريب ، ومحاولة إقناعهم بأهميته ، والدخول في حوارات معهم ، ومناقشتهم لإفحامهم بضرورته. كما ينبغي أن تنشأ عن مثل هذه المؤتمرات، لجان متخصصة لمتابعة قضايا خاصة.وذلك بأن تقوم بالدعوة إلى مؤتمرات استثنائية متى ما ظهر ما من شأنه إرباك رسالة التقريب. وأيضا تنظيم مؤتمرات للوحدة متخصصة، وليست مؤتمرات عامة، بمعنى آخر ، أن تحدد موضوعات من صميم رسالة التقريب ،تتحدد بالمرحلة والظروف والنوازل الراهنة بهذا الخصوص. إن قيام مؤسسات تقريبية مشتركة ، يقتضي تطهيرا للمجال الإسلامي من كل ما من شأنه إرباك رسالة التقريب ، وذلك بواسطة التخلص من الأعمال التحريضية ضد الوحدة والتقريب الإسلاميين ، والتخلص من الكتابات الطائفية الانفعالية التي تحرج المذاهب الإسلامية وتسيء إلى قيم ورموز المذاهب الأخرى ، على أن تنشأ جهاز رقابة نشط ، وظيفته تتبع كل ما يؤدي إلى التحريض الطائفي . وإذا لم تتحقق هذه المهمة في حق كتب وأعمال كثيرة ، فلا بد لعلماء كل مذهب أن يهذبوا تلك الأعمال ويخلصوها من الجوانب الانفعالية السلبية والإبقاء على الجانب العلمي فيها، ونقد جوانبها الطائفية ، وبيان لا موضوعيتها. ومثل هذا العمل لن ينجح إلا إذا أصبح عملا توافقيا مشتركا. يتعين على الفكر الوحدوي والتقريبي أن يبرح دائرة العلماء والنخب، والنزول به إلى الجمهور، لإيجاد عنصر ضغط إضافي من داخل المجتمع الأهلي، عبر التظاهرات الثقافية والتثقيفية، ولما لا عبر مظاهرات ومسيرات جماهيرية من أجل الوحدة والتقارب.على خطاب التقريب أن يتجاوز مرحلة الدعوة برجاء المطلوبية ، إلى مرحلة الممارسة، عبر خلق وسائل الضغط في اتجاه الوحدة، من خلال دينامية المجتمع الأهلي، وقواه الحية . ويتعين أيضا، أن نأخذ بعين الاعتبار الإستراتيجية الإعلامية الضرورية والمناسبة . فلا قيمة لعمل لا يقيم اعتبارا للبعد الإعلامي. من هنا يبدو النقص بالغا في العمل التقريبي ، حيث من الشاذ الناذر وجود مجلات متخصصة ودوريات تقدم الفكر التقريبي والوحدوي على مدار الحول.فالمطلوب ، أن تنهض سياسة إعلامية بحجم التحديات التي تواجه رسالة التقريب ، بأن ينبثق من مؤتمر كهذا، لجنة ، لنسميها مثلا لجنة الإعلام التقريبي أو إعلام التقريب والوحدة ، تصهر وتدرس إمكانية النهوض باستراتيجية إعلامية كبيرة. وفي مقدمة ذلك ، العمل على إنشاء قناة فضائية تخصص برامجها لرسالة الوحدة والتقريب. كما يتعين على المؤتمر أن يشترط على كل مشارك أن يؤلف كتابا في الوحدة الإسلامية والتقريب ، بشروط ومحددات مرسومة أو اختيارية. فلو التزم كل مشارك بهذا الإنجاز، لكان هذا في صالح الرسالة التقريبية والوحدوية في العالم الإسلامي. ما أقترحه هنا ، هو أن رسالة التقريب هي نفسها ليست مجرد انتشاء في مثل متعالية عصية التحقق في الواقع الخارجي لا يسعها إلا ألفاظنا خطاباتنا، أو محض نزهة سهلة المنال أيضا، فمن شأن مشروع جاد كهذا أن يوطن النفس على مواجهة مختلف التحديات التي ستحول دائما ضد تحقق هذا الحلم ، الذي هو حلم المسلمين كافة.إن أهم شرط ، أو لنقل شرط الشروط في موضوع التقريب ، أن لا يحمل أحدنا الطرف الآخر كل نتائج الانحطاط والتشرذم الذي بلغته الأمة المسلمة. ولا يجدي رسالة التقريب نفعا أن يبرء هذا الطرف أو ذاك نفسه من انخراطه أو انجراره أو قبوله أو رضاه أو ميله أو نزوعه . قليل كان ذلك أو كثيرا، ظاهرا أو باطنا ، واعيا أو غير واعي؛ لما كان من شأنه تشتيت المسلمين وتعميق فرقتهم.بل المطلوب الاعتراف المتبادل ، وتحمل المسؤولية بقدر سواء، والاستعانة على ذلك ببالغ الصبر وأن لا تأخذ بعضنا العزة بالإثم . فكلنا مسؤولون عن الأزمة وكلنا مطالبون بحلها.فلتقطع البنان منا فلا يشار إلى بعضنا البعض كمسؤول وحيد وعنصر دخيل، بل كلنا مسؤول عن تحقيق الوحدة وطلب النجاة من خلالها. ثم إنه لا بد من الاعتراف بأن أتباع كل مذهب هم طالبوا نجاة به. وعلينا احترام كل قاطع بدليله. على أن زمن الانسداد لا يسمح بأن يكون الحاكم بين المسلمين نبيا. فلنؤجل هذا الحكم الفصل ما استطعنا، ونعمل كما لو كنا جميعا متفقين يعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه ، حتى نلقى الله سبحانه، وتظهر حجته البالغة. فحينما نتحدث عن الوحدة والتقريب، فذلك معناه أن بيننا مشتركا يجب أن نعاضد قوتنا للدفاع عنه لأنه يشكل مطلبا لنا جميعا. فحينما نتوحد على المشترك ، فهذا لا يعني ولو بحساب رياضي ، استقواء طرف على آخر، بل هو ضم قوة الآخر إلى قوتك للدفاع عن المشترك. إن حصيلة تآلفنا وتعاضدنا في الدفاع عن المشترك هي صفر في تقوية خصوصياتنا المذهبية. إننا لا نتفق لنغلّب رأيا مذهبيا على الآخر. بل نتفق لندافع عن رسالة الإسلام الكبرى ؛ عن رسالة التوحيد والقيم التي تدور في فلكها. ومن هنا وببساطة، لا مجال للخوف من الوحدة والتقريب على حفظ خصوصيات المذاهب ولا علاقة له بتغلب بعضها على الآخر. إن التقريب لن يكون إلا في صالح الإسلام بالجملة؛ وهذا مطلب لا يستصغره من كان قد أكبر صورة الإسلام في نفسه سلفا.
***
[1] ـ أنظر المفيد ، أوائل المقالات ص92 ، دار الكتاب الاسلامي.
[2] ـ الأصول العامة للفقه المقارن ، ط3ص110 دار الأندلس /بيروت
[3] ـ الكافي ، ج1ص8، الناشر دار الكتب الاسلامية/تاريخ انتشار:تابستان 1362ه
[4] ـ ،انظر معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج 1ص235 منشورات مدينة العلم ، ايران ط3-1403ه..
[5] ـ العروة الوثقى ، ج1 ص575 ،ط4 انتشارات دار التفسير/اسماعيليان قم –خيبان ارم
[6] ـ بيان للمسلمين ، نقلا عن مجلة رسالة الإسلام التي كانت تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة.،انظر مجلة الكلمة العدد 5 السنة الأولى خريف 1994م/1415 ه .
[7] ـ جواد مغنية،علم أصول الفقه في ثوبه الجديد ، ص226 ،ط2-1980 انتشارات مكتبة الزهراء قم –ارم باساج قدس
[8] ـأنظر بهذا الخصوص ، الجبر الفلسفي من منظور علم أصول الفقه، من كتابنا: محنة التراث الآخر، مركز الغدير بيروت-ط1-1998م
[9] ـ يمكن الوقوف على مثل هذه النكات في التسامح المعرفي وإعلان المصالحة بين الاتجاهات الكلامية ، بالرجوع إلى كتابنا: محنة التراث الآخر، ط1-مركز الغدير ، بيروت 1998م
| |
|