chiadumaroc عضو فضي
تاريخ التسجيل : 23/01/2010 عدد المساهمات : 216 العمر : 36
| موضوع: امريكا لم تقتل بن لادن /د. مضاوي الرشيد/ القدس العربي الإثنين 09 مايو 2011, 15:57 | |
| امريكا لم تقتل بن لادن /د. مضاوي الرشيد
عقد كامل من المؤامرات والدسائس والانتهاكات لابسط حقوق الانسان من ابوغريب الى غوانتنامو ومن قندهار الى باغرم وطاقم متخصص بشريعة المعسكرات والسجون العلنية والتعذيب والتنكيل وسرية كبيرة من المحللين والاكاديميين المتخصصين بابجديات الارهاب واسراب من الدرون المقاتلة بدون طيار واحتلال لقلب العرب وبوابته الشرقية وآخر في افغانستان وتسليح لاكثر الانظمة دموية في العالم العربي ومساعدات مالية ضخت لم يستفد منها الا جنرالات بنياشين وهمية واجهزة مخابرات قذرة ودعم معنوي قوي لدول اشبه ما تكون بمحطات البنزين او شركات الغاز وصفقات اسلحة خيالية استنزفت خراطيم النفط ولم تنته القصة المسرحية بل هم يحذرون ويتوعدون ردود فعل على مقتل المطلوب الاول عالميا اسامة بن لادن. ها هي الامبراطورية البائدة تتنفس الصعداء على خلفية الانجاز، دولة عظمى ومحمياتها ترقص على زفاف العصر تنهب بعض المحميات لتمويل البعض الآخر وتطارد شخصا واحدا من مبدأ ثقافة رامبو وسوبرمان ولاول مرة في تاريخ الامبراطوريات تطارد القوة العظمى طريدة واحدة ـ شخصا واحدا ـ مرة في جبال تورا بورا ومرة في أزقة كراتشي واسلام اباد لتجده في محيط الاكاديمية العسكرية وبمروحيات اربع تنقض عليه وفي جيبه 500 يورو فترديه قتيلا ومن ثم تصلي عليه بلغته الام وتكفنه بكفن ابيض ومن ثم تقذفه في البحر وليس اي بحر بل هو بحر العرب. فتستقبله حوريات البحر وتزفه زفة شهيد قبل ان تتلقفه حوريات السماء فيمر على حوريات حضرموت مرار الكرام قبل المثوى الاخير في حفلة وداع أخيرة ونهائية. صدق اولا تصدق هذه حرية شخصية وقناعة فردية ولو كانت القوة العظمى هي بالفعل قوية لفتحت ابواب محاكم نيويورك وجعلتها محكمة العصر ليتفرج العالم العربي والاسلامي على ايقونته وكيف تدافع عن نفسها ولجندت له طاقما من محامي اكبر الشركات الامريكية لتثبت للعالم انها دولة سيادة القانون والعدالة ولكن الامبراطورية ان هي بالفعل قتلته كما تقول وتصور قد سقطت في المستنقع الذي رسمه لها اعداؤها ففقدت انسانيتها المزعومة وكشفت عن وجهها الحقيقي وهو وجه الثأر والاغتيال ولن تستطيع بعد اليوم ان تتبجح بسيادة القانون وننصح اوباما ان يعيد قراءة جورج اورويل للمرة العاشرة ليتعلم دروسا لم يتعلمها في شيكاغو وربما لم يحضرها في حضن جدته في سبعينيات القرن المنصرم. قتلته امريكا ام لم تقتله ليس هذا هو السؤال. بل السؤال هو من قتل منهج بن لادن واستراتيجيته؟ الذي قتل البنلادنية وما تمثله هو شباب ميدان التحرير وقبله شباب تونس. هؤلاء هم الذين قتلوا خيار العنف كوسيلة لتحقيق الطموحات السياسية غصبا عن هيمنة الانظمة القمعية المرتبطة بالامبراطورية وحليفاتها. هم الذين عرفوا وعاشوا تحت سوط العدو القريب الذي روعهم في منازلهم ونكل بهم في شوارعهم ومدارسهم وجامعاتهم. هم عرفوا عدوهم فاقتلعوه من الوجود. في القاهرة لم يقتلوه كما قتل البلاشفة قيصرهم في سان بترسبورغ وذبحوه، في قصر الرحاب تركوه يرحل ومن ثم جاؤوا به الى العدالة وهذا من شيم الكبار وليس الصغار اصحاب المروحيات والكوماندوز. لم يلتفتوا ولم ينحرفوا عن مسيرتهم وينقضوا على سيارة تحمل سائحا او صحافيا اجنبيا لم يدبروا الغزوات على متحف او مبنى بل انهم اجتمعوا ليقولوا كلمة واحدة 'إرحل'. هؤلاء وما اكثرهم اليوم ليس في مصر وتونس بل انهم اصبحوا ظاهرة متكررة في شوارع العالم العربي ومدنه وبدأت حتى بلاد غير العرب تخاف ريحهم المستعرة دون اي طلقة او رصاصة حتى ان علمهم قد يصل الى الصين هم الذين جعلوا خيار العنف خيارا قد وصل الى طريق مسدود. وهنا يكمن الفرق بين ما يسمى بالحركة الشعبية الاجتماعية للتغيير والخلايا السرية التي تحبك الدماء وتمزجها بالرصاص وقد اصابها الطيش عندما فقدت قدرتها على تعريف العدو الحقيقي واستنباط الاستراتيجية الواضحة لاستئصاله دون اي مبضع او سكين او رصاصة. اذن سيسجل التاريخ ان هؤلاء هم الذين انتصروا في الحرب على الارهاب وليس اساطيل برية وجوية وبحرية وقاذفات صواريخ كانت تشترك في القتل والدمار والتخريب مع اولئك الذين تدعي تطهير الارض منهم فدخل العالم في حقبة امريكية اهم معالمها القتل والقتل المضاد وبقي العالم العربي يتفرج محتارا مع من يصطف مع القوة العظمى ومحمياتها ام مع خيار العنف وجاء الخيار الثالث لينتصر على خيارات القتل والدمار وانتهاكات حقوق الانسان واستفزاز المشاعر والدين والكرامة. واليوم نحن بصدد التساؤل الوجيه هل سينتصر خيار شباب الميدان ويتكرر في قلب العالم الاسلامي وقبلته مكة وجوارها؟ وهل سيكون مصير خيار العنف تماما كما اصبح في مصر حيث تراجع وانقرض. تعتمد الاجابة على عاملين اولا التحجر الذي اثبته النظام السعودي حيث لا يزال هذا النظام يمنع الخيار السلمي على طريقة الميدان فيحرم التظاهر السلمي ويعتقل المنادين بالاعتصامات ويمارس هو نفسه ابشع اساليب القمع والاعتقال التعسفي فيسجن من يسجن ويغيب من يغيب دون حسيب او رقيب غير آبه بالتحولات السياسية التي تعم المنطقة. يعتقد ان محطة البنزين هي صمام الامان الواقعي من التغيير والحامي من الحراك. وعندما يمنع النظام الحراك السلمي حتى في العوالم الافتراضية حيث يقتنص هذا النظام الاقلام الحرة ولو بعد مقال صغير فهو ينفي من الوجود خيارات سلمية تطالب بالاصلاح السياسي الحقيقي وليس مسرحيات انتخابات البلدية المنقوصة والتي سيقاطعها طيف كبير من اصحاب العقول المستنيرة والكرامة العالية ولن ينجر اليها سوى اولئك الذين يطمحون لاضفاء شرعية مزيفة على فرقعات انتخابية وصناديق فارغة من معناها. ان انعدام الخيار السلمي للتغيير سيجعل من البنلادنية القاتلة او المقتولة خيارا لا يزال حيا يرزق وسيظل هذا الخيار يناجي عقول وقلوب شريحة كبيرة ستقطع الامل من التغيير السلمي وستهاجر الى خلايا العنف وتفعل فعلتها القديمة وسيستغلها النظام للتضييق اكثر واكثر ونفي مشروعية التغيير فكيف نطالب بالتغيير السياسي ونحن نجترع كأس الارهاب والذي ان لم يوجد يقول له ولي الامر كن فيكون في لعبة ارهابية اصبحت معروفة من قبل الجميع خاصة اصحاب المعرفة واللبيب من الاشارة يفهم. وعندما يصاب المجتمع وشبيبته باليأس من احتمالية نجاح المعارضة والحراك السلمي الذي دوما يصطدم بعنف السلطة وآلتها القمعية فستحبط قواه عندها سيلجأ البعض دون شك مرة اخرى الى خيار العنف والتفجير ولن يقدم موت بن لادن او يؤخر في اتجاه البعض خاصة تلك النواة القديمة المتجددة المعروفة بقربها من المشروع الاول. امام تحجر النظام وعناده وتجاهله للمطالب الاصلاحية السياسية سيجد هؤلاء فرصة اخرى لاستقطاب مجموعات جديدة وستدخل السعودية مرة اخرى في دوامة العنف ودائرته المتجددة عبر التاريخ. عندها ستقع المسؤولية على عاتق النظام وحده. وثانيا: تقع المسؤولية على عاتق الناشطين الذين ظهروا في المرحلة الاخيرة وكان لهم تأثير بارز على بلورة مطالب اصلاحية واضحة ان يحولوا مشروعهم هذا الى حركة اجتماعية وليس نخبوية تجتمع في صالونات جدة او مجالس الرياض فبدون المد الشعبي الشاب لن يكتب لمشروعهم اي نجاح ولن نصل الى مرحلة النشاط السلمي الذي يتجاوز الايديولوجيات البائدة فنحن اليوم امام مرحلة سياسية جديدة بعيدا عن تحجر الايديولوجية وقريبا من لغة المشاركة السياسية وحقوق الانسان والمرأة والعدالة للثروة والمساواة بين المواطنين بعيدا عن العنصرية والقبلية والمناطقية والطائفية وهذا ان نجح هو من سيقتل حجرين بعصفور واحد اولا النظام التعسفي القمعي وخيار العنف الى الابد عندها يأتي دور المؤسسات التي تحتضن هذا الفكر الجديد والذي ستلعب دور الحاضن للمشروع الساهر على استمراريته وقوته. عندها فقط نتحول من محطة بنزين الى وطن مستقل يعيش فيه الانسان بوطنيته وكرامته بعيدا عن التبعية والمؤامرة وخطر التفجير المفتعل والحقيقي. وبانتظار تبلور هذا المشروع ربما في المستقبل القريب حيث تدل كل الاشارات على قربه نتمنى ان تتطور رسالة التغيير السلمي ونمط الميدان المصري لتخترق ابجديات تلك المجتمعات التي ما زالت في مرحلة التغيير وتفتقد للتجربة التاريخية العميقة. وسيكثر اتباع هذه الرسالة والمؤمنين بجدواها وقدرتها على خلق التغيير الحقيقي الذي لا ينتكس ولا يتعلق باهواء الاشخاص ومزاجهم بل يكون الوطن بمؤسساته حاضنا له الى الابد. قتلت امريكا بن لادن ام لم تقتله ستجد شعوب المنطقة بما فيها شعب الجزيرة العربية ان هناك خيارا واحدا للتغيير وهو خيار الرفض السلمي رغم عنف السلطة واجهزتها. وفي النهاية سينتصر هذا الخيار لانه الخيار الحضاري الوحيد.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
|
| |
|