زياد ابوشاويش
--------------
في رد متميز وعربي أصيل على قرار الجامعة "العربية" بتعليق عضوية سورية صرح أمس السبت 12 نوفمبر الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل والإعلامي الشهير حمدي قنديل أن على الأمة والجماهير أن تخرج للشارع من أجل حماية سورية من المؤامرة التي تستهدف تقسيمها وتركيعها وإلحاقها بقطيع الولايات المتحدة الأمريكية والمطبعين مع العدو الصهيوني.
إن هذا الموقف المحترم يعبر بشكل دقيق وعميق عن فهم الخلفيات والدوافع للقرار المذكور، كما انه يشكل إضاءة مهمة جداً لمن عميت أبصارهم وضمائرهم حول ما يحاك لهذه الأمة من مآزق ومنزلقات ستجعلها رهينة الغرب الرأسمالي المتوحش لعقود طويلة، ولإنهاء الربيع العربي الذي بدأ يتحول تدريجياً إلى خريف.
ليس هناك أي مبرر للاستعجال في اتخاذ هكذا قرار دون نقاش التقرير الذي تم إعداده في دوائر البنتاجون الأمريكي وحلف الناتو وليس من اللجنة العربية، إذن فقد كان الاستعجال وإغلاق الملف عبر هذا القرار دون نقاش مرسوماً من قبل صدور قرار تشكيل هذه اللجنة، وقد أشار كثير من المحللين العرب والأجانب لوجود نية لدى بعض دول الخليج وبرعاية أمريكية لاستهاف سورية والمس بأمنها الوطني والقومي توطئة لتدخل خارجي يطيح بنظام الرئيس الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي.
إن تلطي بعض المأجورين خلف الحديث المرسل والعاطفي عن حماية الشعب السوري من عنف النظام أو التضامن الكاذب مع الجماهير السورية في مواجهة النظام "القاسي والديكتاتوري" لن يمنح سورية ولا شعبها الأمن والأمان، بل يزيد من نسبة العنف والقتل ويشجع على الاشتباك والقتال وهذا سيؤدي حتماً لوضع البلد على أبواب حرب أهلية وانقسام سيلحق الضرر بكل المستقبل العربي وليس السوري فقط.
إن الدعوة للحوار والمصالحة والانتقال السلمي للسلطة وللديمقراطية والإصلاح هو الطريق الذي يحفظ لسورية وطناً وشعباً خط الرجعة من كل ما يحاك من مؤامرات وما يرسم للمنطقة من مستقبل نرتهن فيه جميعاً للأمريكيين والإسرائيليين.
إن الحكماء الذين يعرفون الدور القطري ولخليجي عموماً يدركون حجم الخطر الكامن في قرار متسرع وجبان تجاه بلد عربي مؤسس للجامعة العربية ولا يقيم سلاما مع العدو ولا يطبع معه.
المأجورون والحمقى وحدهم يتعامون عن دور الجامعة "العربية" فغي تفتيت العرب وتقسيم الأمة بين تيارات ومواقف بعضها لا يمكن وصفه سوى بالعمالة والجاسوسية.
ماذا قدم القرار بتعليق عضوية سورية للشعب السوري؟ هل أنهى المشكلة وخفض الأسعار في سوق الحميدية مثلا؟ هل خفف معاناة الناس في مناطق المواجهة كحمص ودرعا وغيرها؟ أم أن القرار اتخذ لتمهيد الطريق للعدوان على سورية كما فهمه الاستاذان الكبيران هيكل وقنديل؟
القرار وصمة عار في جبين من اتخذه ولو قدم الذين تنافخوا أمس الدعم المالي وتنادوا لرفع الحصار الجائر عن سورية والمستمر منذ سنوات طويلة من قبل أمريكا وحلفائها الأوروبيين وبعض العرب المستعربة.
إن جريمة المس بسورية في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ الأمة سيشكل منعطفاً خطيراً في المنطقة ويدفع باتجاهات لا تحمد عقباها ليس على سورية والسوريين بل على كل المنطقة وسكانها. ليس هذا معناه كما كتب أحد المنتفعين من وسائل الإعلام الخليجية بان النظام السوري يقول أنا أو الطوفان، أو كما عبر عن موقفه المنحاز بالقول أن القيادة السورية تقول لنا إذا حاولتم إسقاطي سوف أدمر المنطقة...الخ من هذه الجمل والكلمات المغرضة.
سورية العربية ليست دويلة هامشية في المنطقة، كما أن سورية بنظامها وشعبها ما زالت في خندق المقاومة والممانعة ولا تطبع أو تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني بأي شكل كما يفعل كل من صوت على قرار التعليق. لقد كان هؤلاء أمريكيين أكثر من الخارجية الأمريكية التي أعلنت عن عودة سفيرها إلى دمشق قبل يومين من صدور قرار التعليق وسحب السفراء.
الحلم الذي يراود قطر والسعودية وحليفاتهما الأخريات في الخليج بان الربيع العربي لن يصل إلى مضاربها سيتحول قريباً إلى كابوس، وستخرج سورية من مأزقها الراهن أكثر قوة وصلابة من السابق ولن تطبع أو تساوم على حقوقنا القومية.
كان حرياً بجامعة تتخاذل أمام عدوان الكيان الصهيوني وتسدد فواتير العدوان على الأمة أن تنأى بنفسها عن التدخل الفظ والمخرب في القضية السورية، وأن تعمل على رأب الصدع بالتدخل لإيجاد القواسم المشتركة والحلول العملية التي تحمي سورية والشعب السوري وليس باتخاذ قرارات وإجراءات مرسومة في دوائر غربية وصهيونية.
إن الأموال التي تدفعها قطر والسعودية للرشوة وللتحريض سترتد عليها قريباً، ومن يزرع يحصد وليس فينا من سينسى دماء الليبيين الذين سقطوا جراء العدوان الأطلسي على الشعب الليبي تحت ذريعة حمايته من العقيد القذافي رحمه الله.
التحية لكل المواقف الشجاعة برفض التدخل الأجنبي في بلادنا ولا يمكن أن تكون حريتنا الشخصية على حساب كرامة أوطاننا وحريتها، ولن يقبل أي رجل شريف أن توضع معاناة الناس حتى من حكامها ذريعة لاستدعاء الناتو أو الأجنبي لنصرة الشقيق على شقيقه.
لا يمكن أن يكون هناك ربيع عربي والولايات المتحدة تتحكم بقرارات الدول العربية وجامعتها، ولا يمكن أن تكون حريتنا كاملة وكرامتنا محفوظة ونحن نستعين بالغرب الاستعماري على خصومنا الداخليين مهما كانت المبررات والدوافع، والأفضل للجميع أن نلتقي ونتفاهم ونقدم التنازلات لتمرير هذه الفترة العصيبة بأقل الخسائر.