يروى عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه كان له خادم أوصاه بأن يمسك زمام فرسه ريثما يزور قبر جدّه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحينما دخل الحرم الشريف جاء رجل من تجّار خراسان إلى الخادم, وعرض عليه أن يهبه كل أمواله بإزاء تفويض خدمة المسكة بزمام الفرس إليه، ففكّر الخادم هنيئة ثمّ قال له:"سأذهب لمولاي وأستأذنه في الأمر"، ثمّ سلّمه زمام الفرس, وذهب إلى الإمام, وقال له:"يابن رسول الله، هل رأيت منّي سوءاً طيلة خدمتي"؟ فنفى الإمام أن يكون رأى منه ذلك. فسأله مرّة أخرى: "إذا كان هناك خيرٌ يصلني, فهل تمنعني عن نيله". فأجابه الإمام بالنفي أيضاً. فذكر له الخادم أنّ تاجراً خراسانيّاً عرض عليه ما عرض، وطلب منه الإذن في الانصراف عن الخدمة ليزاول عمل التجارة فيما سيمنحه الرجل الخراساني، فوافق الإمام على ذلك، ولكنّه حينما همّ بمغادرة الحرم سمع نداء الإمام يطلبه، فعاد إليه، فقال له الإمام: "حيث خدمتنا فترة فإنّ لك عليّ النصيحة". وأخذ يذكّره بما لشيعة أهل البيت (عليه السلام) وملازميهم من درجات عند الله ومنازل قريبة منهم في الدار الآخرة، وأنّ الخير كلّ الخير في الدنيا والآخرة من نصيب مَن يلازمهم. فتغيّرت حالة الخادم لكلام الإمام, وقرّر البقاء في خدمته (عليه السلام). وحينما خرج من الحرم رآه التاجر، فقال له: "جئتني بغير ما ذهبت ولا أرى على وجهك علامة الشوق لعقد الصفقة"، فأعلمه الخادم بأنّه لن يتبادل المواقع معه.. إنّنا لم نعرف ذلك التاجر, كما لا نعرف من كان ذلك الخادم، ولكن هذه القصّة تدلّ على عظمة شخصيّة التاجر والخادم معاً، حيث كان الأوّل على استعداد للتخلّي عن كلّ أمواله في مقابل خدمة الإمام (عليه السلام)، فيما وعى الخادم من رحلة قصيرة عميقة الأثر, وأعرض عن المال الكثير لأجل الله سبحانه والدار الآخرة.