شبكة النبأ: لقد وعتْ المجتمعات البشرية أهمية تبادل الافكار والنصائح منذ مرحل مبكرة من عمر الانسانية، ولذلك ركز العلماء والحكماء على أهمية التشاور والتشارك في تبادل الآراء والنصائح كونها السبيل الذي يقود السياسيين وغيرهم الى الطرق والاساليب الصحيحة في معالجة المهام المناطة بهم.
وأثبتت التجارب أن الحكومات التي تستند الى الرأي الفردي والاتجاه الأحادي والشمولية في القول والفكر والتطبيق، هي من أفشل الحكومات في التأريخ، وبالعكس من ذلك تعتبر الحكومات ذات النهج الديمقراطي التشاركي من أنجح الحكومات في العالم عبر التأريخ كونها تتبادل الارشاد والآراء ولا تحصر خطواتها ومسيرتها في اتجاه واحد يرفض المسارات الأخرى التي تساعده وتمنحه خبرات مضافة ومجانية في آن، ومن أهم عناصر التوجيه نحو الطريق الأصوب عقلاء الامة وحكمائها وعلمائها أيضا، حيث تقدم هذه الشريحة خبرتها للحكومات على طبق من رشد واستقامة مشهودة لها من قبل الجميع.
فالعلماء برصانتهم وحكمتهم وسداد رؤاهم وأفكارهم أصبحوا محط ثقة عموم الناس، ولهذا فهم يشكلون حلقة الربط بين الحاكم والشعب، واذا تجاهلت الحكومات هذا الدور وحاربت العلماء، فإنها ستخسر مساندتهم لها، يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) بهذا الصدد في كتابه الثمين الموسوم بـ (تحطم الحكومات الاسلامية بمحاربة العلماء):
(إن شأن الدين إعطاء الحريات، وشأن العلماء حفظ هذه الحريات، ولكن إذا حاربهم الحكام .. عند ذلك يتأخر الجميع، وحيث يتأخر الجميع يتأخر الحكام أيضاً ويكونون في ذيل القافلة كما نراه اليوم).
ولا يُخفى أن نجاح الحكومات مرهون بحسن أدائها لحقوق الشعب، واذا رضي الشعب عنها نجحت في مهامها، فالشعب الحر كما يقول الامام الشيرازي هو:
(باني الحضارة، فإذا أخذ الحكام بمخالفة العلماء ومحاربتهم وسلبوا الحريات عن الشعب، فحينئذ لم ير الشعب في الحكام مظلة للتقدم، وكان ذلك سبباً في خمود الشعب، فيتأخر الكل عن ركب الحضارة والتقدم).
وطالما أن الشعوب تثق بعلمائها، فإنهم بذلك يحتلون موقعا مهما بين الطرفين الحاكم والمحكوم ويمكن للحكام فيما لو تحلّوا بالحكمة أن يعرفوا الدور المهم للعلماء لا أن يحاربوهم فيفشلوا كما اثبتت التجارب ذلك، يقول الامام الشيرازي الراحل في هذا المجال بكتابه نفسه:
(الحكام منذ أن انفصلوا عن العلماء ـ وبذلك انفصلوا عن الشعوب أيضاً ـ صاروا آلة بيد الأجانب وعملاء لهم، فلا يملكون الاستقلال. وليس السبب في فقد استقلاليتهم إلاّ انفصالهم عن العلماء، فانفصلوا عن الشعوب، فلم يتقدموا في ميادين العلم والصناعة بل تأخروا، وتقدم الغربيون في ذلك الميدان فسيطروا عليهم).
ويضيف الامام الشيرازي في المجال نفسه:
(وليس سلب الحريات من الناس سبباً لتأخرهم الصناعي والحضاري فقط، وإنما يتأخرون عن الركب في السياسة والاجتماع والطب والاقتصاد والثقافة وغيرها من مختلف شؤون الحياة). لذا ينبغي من الساسة وقادة البلد أن يشركوا ذوي الحكمة من العلماء والحكماء في السبل القويمة لادارة مهامهم، لأن ذلك يعد سندا قويا لهم ويمنحهم دعما معنويا وشعبيا كبيرا، ويسدد سياساتهم نحو البناء ونبذ الحروب وتجنب السياسات العشوائية الطائشة المعادية لطموحات الشعوب، لذا غالبا ما ينصح العلماء بالتوازن والتعاطي السليم والمتوازن مع الامور كافة، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:
(إن الاستقلال والواقعية يجعل الحكومات عاقلة متزنة، لا أن يحارب هذا ذاك وبالعكس، وإني أذكر منذ خمسين سنة أن حكومات بلاد الإسلام تحارب هذه تلك وتلك هذه، بينما منذ خمسين سنة حكومات أوروبا وأمريكا متزنة لا حرب بينها).
لذا لابد للحكومات أن تنتهج التوازن والاستقلال وتنحو الى التشارك والتعددية وتنهل من نبع الحكمة التي تتمثل بالعلماء الذين لا يتأخرون قيد أنملة في مساعدة الساسة والقادة الآخرين ومعاونتهم بالرأي السديد الذي يصب في صالح الحاكم والمحكوم معا.
النبا