[img]
[/img]
شبكة النبأ: تنطوي رحلة أهل البيت عليهم السلام على عبر ودروس إنسانية لا ينبغي نسيانها او عدم الافادة منها من أجل تحصين الانسان المؤمن من الوقوع في الزلل وترصين قاعدته الايمانية من خلال هضمه لهذه التجارب والعبر والدروس التي ضمت بين طياتها أعظم التنظيرات الفكرية والاخلاقية المدعومة بالفعل والتطبيق على الارض.
وفي هذا اليوم الذي نستعيد فيه ذكرى استشهاد وفاة الامام السجاد عليه السلام وسيرته المتوجة بأقصى درجات الايمان ومكافحة اليأس ومواصلة الصبر والجلد، فإن دور المجالس الحسينية لاستخلاص عصارة التجارب الانسانية الخالدة يكون اكثر إشراقا وتأثيرا في نفوس الجميع، كما أن إحياء الشعائر الحسينية في مثل هذه الايام المكرسة للايمان والعلو بشأن الانسان تبدو حاجة لا مناص منها لمن يبحث عن السبل السليمة في مواصلة درب الايمان والخوض في معترك الحياة العصيبة.
إذاً فإقامة المجالس الحسينية ليست أمرا شكليا خاليا من الفعل والقول المؤثر والقويم، بل هي أداة لإحياء علامات الخير ومناشئه المتمثلة بأئمة أهل البيت عليهم السلام وأفكارهم المتوهجة بسبل الحق والسلام وخير البشرية جمعاء.
فقد أورد المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (إحياء الشعائر) عددا من أقوال أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم بما يؤكد أهمية إحياء هذه الشعائر من خلال المجالس الحسينية حيث جاء في هذا الكتاب:
(قال أمير المؤمنين عليه السلام شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا) -1-.
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام : تجلسون وتحدثون؟
قلت: نعم.
قال: تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. يا فضيل، مَن ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج عن عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر) -2- .
وهكذا يتضح لنا الدور الهام والكبير لاحياء ذكر أئمة أهل البيت عليه السلام ودور هذا الاحياء في مساعدة الانسان على رؤية السبيل القويم نحو حياة أفضل تعتمد مرضاة الله اولا وتأخذ لحمتها وسداها من سير الأئمة المكرمين الذي خاضوا معترك الحياة بملاحقة الظلم ومصادره وكبح جماحه خاصة ظلم الحكام الطغاة الذين توالوا على حكم المسلمين بما لا يرضي الله تعالى وعباده.
ولعل مختلف طبقات المجتمع في حاجة الى التنوير وإضاءة السبل القويمة أما بصائرهم وأبصارهم من خلال إقامة المجالس الحسينية لا سيما في المناسبات الدينية الهامة كمناسبة وفاة الامام السجاد التي نعيشها في مثل هذا اليوم، حيث يظهر جليا دور المجلس الحسيني في تأشير مكامن الضعف والخلل لدى الانسان الفرد والجماعة وتقديم النصائح (قولا وعملا) لمعالجتها وتجاوز العثرات التي قد تعتري مسيرة الانسان في حياته الشائكة، ولذلك تم التأكيد على أهمية دور المجالس الحسينية كونه السبيل الأسرع والأدق لتنوير العقول والبصائر والعيون معا للسير في الطرق التي تريح الانسان نفسه وترضي الله تعالى عنه، وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي نفسه عن أهمية دور المجالس في إنهاض الامة:
(قال أمير المؤمنين عليه السلام: مجلس الحكمة غرس الفضلاء ( -3-
وقال عليه السلام: مجالس العلم غنيمة ). -4-
وقال عليه السلام: أيها الناس، إنه من استنصح الله وفّق، ومن اتخذ قوله دليلاً هُدِيَ للتي هي أقوم (-5-
وقال عليه السلام: ما جالس أحد هذا القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، أو نقصان من عمى) -6-.
ولعلنا نتفق على أن المجالس الحسينية وطبيعة ما يُطرح فيها من افكار ومواعظ وتوجيهات تأتي ملائمة لجميع المستويات، فهي تلائم البسيط في وعيه وفكره وتلائم المطلع والمتعمق في الافكار، ولهذا يُصبح عامل التوصيل الفكري من أهم مميزات هذه المجالس التي تهدف بالدرجة الاولى الى إحياء الشعائر المقدسة، كما أن التركيز على حرية تعامل الانسان مع هذه الافكار والطروحات تتيح له الايمان التام بها وتيسّر له التعامل معها بحرية، لذلك نرى ان هذه المجالس لا تحصر مهامها بفئة عمرية محددة او جنس بعينه أي انها ليست حكرا على الرجال او النساء فقط بل هي متاحة لجميع الفئات العمرية، وهذا دليل على هامش الحرية في الافادة القصوى من هذه المجالس، وقد قال الامام الشيرازي في كتابه القيّم (عاشوراء والقرآن المهجور):
(إن الإسلام أعطى كامل الحرية للإنسان، وذلك في غير ما فرضه الله تعالى على الإنسان لحفظ إنسانيته، وتعالي روحه، ورغد عيشه، وسعادة حياته، من فعل الواجبات وترك المحرمات، وما أقلهما بالنسبة إلى الحريات الإسلامية، فانه فيما عدا ذلك جعل الله الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء، وأن يترك ما يشاء).
وهكذا نلاحظ إرتباط الحرية بأهمية المجالس الحسينية ودورها الراكز في توعية الناس من ذوي المستويات الفكرية البسيطة، وذلك من خلال تفصيل سيَّر أئمة أهل البيت عليهم السلام وكفاحهم الانساني الخالد في مقارعة الظلم وانتصارهم للانسان وقيمه النبيلة في مقارعته للطواغت على مدى العصور.