شبكة النبأ: يقول العارفون، إن نجاح الفرد والجماعة على حد سواء في مضمار تحقيق الأهداف يعتمد على جانبين أساسين هما:
الأول: تحديد الهدف المبتغى والتخطيط لتحقيقه عبر خطوات مبرمجة ودقيقة.
الثاني: تنفيذ هذه الخطوات وصولا الى الهدف الذي تم رسمه مسبقا.
لكن ثمة ما هو مهم في هذا المجال أيضا، فقد نبّه المصلحون وقادة الامم وعلماؤها الى أن نجاح الفرد والجماعة يجب أن يوحدوا طاقاتهم وأنشطتهم ويركزوها في المسار الذي يؤدي الى تحقيق أهدافهم، بمعنى أن الفرد أو الشعب في حالة تحديده لهدف معين عليه أن ينشغل كليا في سبل تحقيقه وأن يحصر جهوده في هذا المجال من أجل سرعة ودقة الوصول الى الهدف.
وهذا رأي قد لا يختلف عليه إثنان، لأن تشتت الطاقات ليس بصالح أحد، كما أن التركيز هو السبيل الأسرع فعلا نحو تحقيق الاهداف المطلوبة.
يقول المرجع الديني الراحل الامام آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (الى العالم) حول هذا الموضوع:
(إن الهدف يحتاج إلى جمع جميع الطاقات لا تشتتها، وعلى الأقل يكون الأمر من باب -الأهم والمهم- ومن المعلوم أن العاقل لا يصرف طاقته في المهم إذا دار الأمر بينه وبين الأهم، نعم أحياناً لا يمكن صرف مثل هذه الطاقة إلاّ في المهم، وإلاّ فلا تحصل تلك الطاقة، وحينئذٍ لا تعدّ تلك الطاقة طاقة للأهم).
هنا يبرز لدينا جانب التفاضل بين أمرين، الأهم والمهم في تحقيق الاهداف، وكما يشير الامام الشيرازي فإن الانسان العاقل لا يمكن أن يصرف جهده وماله على المهم قبل الأهم، لكن ربما يكون الانسان مجبرا على صرف جهده في الأهم من باب التمهيد لا أكثر، بمعنى ربما يكون لدى الانسان او الجماعة هدفا أهم من سواه، بيد أن الامر يتطلب تحضيرا وتمهيدا لتحقيقه، لهذا سيكون صرف الطاقات ملزما لنا في مجال المهم لكي يكون الخطوة الاولى التي تقود الى تحقيق ماهو أهم، تماما كما يحدث للانسان في المراحل التعليمية، حيث يبدأ الطفل برياض الاطفال ثم المرحلة الابتدائية صعودا الى الهدف التعليمي الأسمى، فالمراحل الاولة هي مقدمات مهمة لتحقيق المرحلة الأهم.
لكن الامام الشيرازي (رحمه الله) يشدد على مسألة مهمة تتعلق بكيفية تحقيق الأهداف المبتغاة من لدن الفرد او الجماعة، ويؤكد في هذا الجانب على الأهمية القصوى لتركيز الطاقات وتوحيد الأنشطة وصبّها جميعا في الطريق الذي يؤدي الى الهدف وهذا ما يجعل تحقيقه ليس أكيدا فحسب وإنما سريعا ودقيقا في آن واحد، فيقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه أيضا:
(لذا نجد المتحركين الهادفين، سواءً كانوا دينيّين كالأنبياء والأوصياء، أم زمنيّين، يقصدون الهدف ولم يصرفوا وقتهم إلاّ فيه). ويضيف الامام (رحمه الله) قائلا:
(مثلاً النبي –ص- لم يصرف شيئاً من نشاطه في مكة المكرمة إلاّ في هدف تركيز لواء الإسلام، ولم يعمل حتى لبناء مسجد واحد للمسلمين ولا مكان لتجمع المؤمنين، بل كان تجمعهم إمّا في دار هذا، أو المسجد الحرام أيّام الحج، أو ما أشبه ذلك).
وعن القادة الزمنيين، أي من غير الانبياء والاوصياء، يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه:
(ومن أمثلة الزمنّيين –غاندي- فإنه حين الحركة التحررية كان كل جهده في الحركة، وكانت تجمعات حزب المؤتمر إما في البيوت أو الصحاري أو المؤسسات الموجودة سابقاً. وهكذا كان حال الحركيين في استقلال إيران والعراق وجنوب أفريقيا وغيرها).
ويؤكد الامام الشيرازي على نقطة هامة في هذا المجال تتعلق بحالات معينة قد تجبر الانسان على التعامل مع ما لا يسرّع في تحقيق الهدف الأهم ولكنه لابد أن يكون عاملا مهمّاً للمساعدة في تحقيقه أو التسريع في ذلك، ويأتي لنا الامام الشيرازي بمثال عن ذلك في كتابه نفسه فيقول:
(إذا كان هناك إنسان لا يعتقد بالهدف بل يريد صرف ماله في فتح ذلك المعمل المتقدم ذكره، فإذا لم نقبل منه فتح المعمل لم يعط شيئاً للهدف، وحينئذٍ فمن اللازم أن نأخذ منه المال لفتح المعمل، حيث إن المعمل أيضاً يخدم الهدف جزئياً، لتشغيل أنصار الهدف فيه).
بمعنى أننا ينبغي أن نستغل جميع الايرادات حتى تلك التي لا تصب في تحقيق الهدف الأكبر بصورة مباشرة، لأن الطاقات والانشطة الفرعية لا يجوز رفضها أو إهمالها في حالة مساعدتها على تحقيق الهدف الأكبر إستنادا الى قانون التراكم الذي تحدث عنه الامام الشيرازي بإسهاب في كتابه (القطرات والذرات)، إلا إذا كان يشكل إعاقة في هذا المجال.
إذن من اجل تحقيق الأهداف الكبرى لابد أن يتم توحيد الطاقات وتركيز الأنشطة البشرية بما يصب في تحقيق الهدف والاسراع بذلك مع الدقة المطلوبة، فلا يجوز التفريط بالدقة والمتانة من أجل السرعة في التنفيذ والوصول الى الهدف على حساب متانته او دقة إنجازه.