بعد ان يئس الاتراك من امكانية السماح لهم بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي (او لاسباب اخرى) توجهت انظارهم الى الشرق الاوسط وبدا العمل على ذلك مع استلام حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان للسلطة.
من الطبيعي ان تبدا الخطوة الاولى لهذا الهدف من باب القضية الفلسطينية الاسهل لجذب الانتباه الاقليمي والعالمي والاقرب الى قلوب الشعوب العربية حيث ان التاثير في الشعب اكثر اهمية من التواصل مع الحكومات والانظمة التي بمعظمها دكتاتورية عجوزة.
كانت البداية عبر اعلان الحكومة التركية ارسال سفينتين محملتين بالمواد الغذائية لفك الحصار عن قطاع غزة التي نستها الحكومات العربية فكانت الخطوة الذكية في الوقت المناسب لافتعال بلبلة عالمية تؤدي الى تعاطف شعبي عربي مع تركيا فاتجه اسطول الحرية الى القطاع حيث تعرّض في طريقه الى قرصنة اسرائيلية ادخلت العلاقات الاسرائيلية – التركية في ازمة وانقطاع.
مع المظاهرات الضخمة التي قامت في تركيا تاييدا لقطاع غزة دخل الاتراك قلوب الجماهير العربية واصبح رجب طيب اردوغان القائد العربي من غير العرب الذي استطاع ان يملا النقص الموجود لديهم من جراء سياسات انظمتهم المذلة مع الادارة الاميركية وعلقت صوره في كل مكان وظهر كالفاتح الذي يحمل القضية الفلسطينية على عاتقه فدخل الجنوب اللبناني واقام العلاقات المتينة مع الممانعة السورية وسمح لنفسه بالتهجم على الزعماء العرب الهاملين للقضية المركزية مع استبعاد مبطّن للامير القطري الذي تحصّن -وبتنسيق مع اردوغان- بمواقفه الداعمة للفلسطينيين والمقاومة في ذلك الوقت.
في هذه المرحلة كان النفوذ التركي ومعه القطري يتوسع في المنطقة برضى وتحت مرأى الجمهورية الاسلامية في ايران وسوريا اللتان لم تجدا مشكلة بتغلغله طالما انه يخدم القضية المركزية مع انشغالهما بقضايا مهمة في العراق بعد اقتراب الاحتلال الاميركي الى نهايته وفي لبنان بعد استهداف المحكمة الدولية لسوريا والمقاومة.
ان القبول الايراني والسوري بالدور التركي سمح للاخيرة في التدخل بالقضايا الاساسية فكان التفاهم السوري - التركي وبموافقة ايرانية على العمل لوصول اياد علاوي الى رئاسة الحكومة العراقية الذي اظهر مرونة في موضوع الخروج الاميركي من العراق وامكانية التمديد له بالاضافة الى تدخل تركي – قطري على صعيد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اذ استطاعت جهود الطرفين وبمساعدة سعودية اقناع رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك سعد الحريري بتوقيع تعهّد تقضي بنوده الى وقف التعامل مع المحكمة الدولية وبالتالي الغاء دورها مقابل بقائه على رئاسة الحكومة بعد ان بدا الكلام حول امكانية قيام وزراء المعارضة بالاستقالة وبالتالي اسقاط الحكومة.
كانت الامور تسير حسب التفاهم ولكن ضمن التواصل المستمر والتنسيق الدائم بين المسؤولين الايرانيين والسوريين حصل امر مفاجئ واعلن الرئيس بشار الاسد تاييده لنوري المالكي رئيسا للحكومة العراقية وبدا عمل مضني وجدي في العراق انتج تفاهم وتحالف بين جميع القوى والاحزاب العراقية المتحالفة مع ايران وسوريا وخصوصًا المجلس الاعلى وقوات الصدر لتاييد نوري المالكي وتوحيد الصفوف لاخراج القوات الاميركية من العراق بعد تشكيل الحكومة دون التمديد لها.
ترافقًا مع هذه الخطوة وضمن التنسيق والتشاور الدائمين بين قوى المقاومة في لبنان مع ايران وسوريا كانت استقالة وزراء المعارضة اللبنانية من الحكومة واسقاطها بعد استلام السيد حسن نصرالله للورقة الموقعة من سعد الحريري فما الذي حصل؟
استطاعت ايران وبمساعدة روسية ان تفضح مخطط اميركي – تركي – قطري يقضي بتقسيم المنطقة لتنفيذ مشروع نابوكو لتمديد الغاز عبر استغلال التمثيلية التركية على العرب (سوف نقوم بشرح تفاصيل هذه الاتفاقية التي تكلمت عنها الدكتورة غادة اليافي في احدى مقالاتها في وقت لاحق).
بعد ان انفضحت المؤامرة كان القرار الايراني – السوري بالعمل على افشالها عبر تعيين نوري المالكي رئيسا للحكومة العراقية واخراج القوات الاميركية من العراق حسب الاتفاقية الموقعة بين الادارة الاميركية والعراق بالاضافة لاسقاط حكومة سعد الحريري في لبنان بسبب ما يمكن ان يترافق من ضغوطات على سوريا والدور السلبي الذي يمكن ان يلعبه سعد الحريري في هذا الموضوع.
مع انفضاح المخطط واقرار الخطوات الجديدة بدا الهجوم القطري – التركي المدعوم دوليا على سوريا لاسقاط نظام الاسد لمعرفتهم باستحالة ضرب ايران او السيطرة على لبنان عبر حرب اسرائيلية جديدة او انقلاب شعبي.
وللتاكد من صحة المخطط الاميركي – القطري – التركي بتنسيق اسرائيلي نلفت الانتباه الى الخلاف الذي حصل مؤخرًا بين وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبيرمان والموساد.
امر وزير الخارجية الاسرائيلي وزارته بقطع علاقاتها مع "الموساد" على خلفية اجراء الاخير اتصالات مع تركيا من دون اطلاعه عليها وهذا الامر يدل الى استئناف العلاقات بين تل ابيب وانقرة رغم الاعلان التركي عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
وما يؤكد عمق هذا التواصل واهميته وسريته هو ما ذكرته صحيفة "يديعوت احرونوت" الصهيونية بان "التي قصمت ظهر البعير وادت الى تأزم العلاقات بين الجانبين (الخارجية والموساد) مرتبطة تحديدًا بالعلاقات بين اسرائيل وتركيا اذ جرى استثناف الاتصالات اخيرًا واقصيت الخارجة عنها تمامًا بل ان المسؤول في الموساد دافيد ميدان هو الذي يمثل اسرائيل في اتصالاتها الاخيرة مع تركيا".
ان المخطط الاستخباراتي والتقسيمي الذي دخل لاجله اردوغان الى المنطقة قد فُضح من منتصف الطريق وكل ما تلاه من حالات هستيرية واستعمال لكافة انواع العنف ووسائل الضغط ضد النظام السوري لن تنفعه.
لقد دخل اردوغان الى الشرق الاوسط كالفاتح المخلص ونال النفوذ الذي يتمناه ولكن اخطاء حساباته وجشع اطماعه واحلامه التي اقنعته بها الاستخبارات الاميركية تُخرجه هذه الايام من المنطقة مكسورًا عميلا للغرب والصهيونية، فهل سيرحم نفسه ونظامه من الرصاصة الاخيرة ام سيلعب برهاناته لآخر لحظة؟