حوار : حسن الأشرف ـ الرباط
الجمعة 06 أبريل 2012 - 22:55
قال عصام احميدان، الباحث المغربي في الفكر الإسلامي الشيعي، إنه لا يوافق الطرح الذي يتحدث عن كون الشيعة المغاربة طائفة مذهبية، مؤكدا أنه يجب على الشيعة المغاربة أن يحولوا التشيع لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى حالة روحية ثقافية تتوجه نحو الجمهور..
وأفاد احميدان، الذي يشتغل في مهنة المحاماة، في حوار خص به موقع هسبريس، بأن أتباع أهل البيت المغاربة المقيمين ببلجيكا كثيرون ويتزايدون باستمرار، وهم منظمون لأن لهم مؤسستان كبيرتان: مؤسسة الرضا ومؤسسة الرحمن، ولديهم متحدثون باسمهم مع السفارة المغربية والحكومة البلجيكية على السواء.
ونفى الباحث الشيعي أن يكون هناك وجود لهيئة شيعة طنجة، موضحا أن الهيئة مجرد "موقع إلكتروني يديره شخص من خارج المغرب، انطلق بداية لتأييد مواقف شيخ كويتي متطرف تبرأ منه العديد من العلماء ومراجع المسلمين الشيعة".
وفند احميدان الأطروحة التي تشير إلى أن هناك تجييشا لمغاربة العالم لنشر المذهب الشيعي بالمغرب، حيث قال إن هذا كلام غير صائب باعتبار أن الدعوة للمذهب تحتاج إلى دعاة مكونين تكوينا شرعيا، وإلى مكتبات وأئمة مساجد وخطباء، علما أن عدد الذين درسوا بالحوزات العلمية من المغرب لا يتعدى أصابع اليد الواحدة..
ووجه احميدان رسالة إلى الذين يخشون من المد الشيعي بالمغرب، قائلا إن رحمة الله وسعت كل شيء، فلماذا تضيقون من رحمة الله، وتريدون للآخرين أن يكونوا في أفكارهم ومواقفهم صورة طبق الأصل من أفكاركم ومواقفكم التاريخية والفقهية؟..".
نص الحوار
أستاذ عصام احمديان..هناك من يرى أن الشيعة في المغرب أقلية مثل الأقلية اليهودية أو غيرها؟ ما رأيك في مثل هذه الأقاويل؟..
بداية، يجب الإقرار بأن المسلمين الشيعة من أتباع أئمة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله مدرسة فكرية وتاريخية، ولا يمكن للخلاف الفقهي والتاريخي وأيضا في بعض الأصول كالإمامة الدينية والخلافة السياسية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكون مبررا لإقصائهم.. والمغرب ذو الهوية المتنوعة يضم مسلمين سنة وشيعة ويهودا؛ متدينين وعلمانيين، لأن الله تعالى يقول: " لو شاء ربك لجعلناكم أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم".
وإذا كان بعض الشيعة المغاربة يتحدث عن الشيعة المغاربة كطائفة مذهبية في الإسلام والمغرب، فإني لا أستسيغ هذا الطرح، ومن المؤمنين بأنه على الشيعة المغاربة أن يحولوا التشيع لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حالة روحية ثقافية تتوجه نحو الجمهور، وألا تتحجم بحدود مذهبية طائفية، وليتم التعامل معهم كمكون سوسيوثقافي من مكونات الحالة الثقافية والاجتماعية المغربية، لا أن يكونوا جزءا من الخريطة المذهبية والطائفية..
من هنا، فمن يؤمن بخيار "الشيعة الطائفة" قد يجيبك أننا طائفة من طوائف المغرب الدينية والمذهبية، بينما أعتبر نفسي من الرافضين لهذا الخيار، والمعتقدين بخيار آخر هو خيار "الشيعة: الفكر والأخلاق"، وأفقهم هو الحق في التعبير الثقافي والاجتماعي، وضرورة إدماجهم في النسيج الجمعوي بتعبيراته الثقافية والسياسية والحقوقية .
لماذا يخفي شيعة المغرب أو أغلبهم على الأقل تشيعهم..هل هو الخوف من السلطات أم من ردة فعل السنيين بالمغرب؟
المسلمون من أتباع أهل البيت المغاربة صنفان: صنف يظهر نفسه ويعبر في الهواء الطلق عما بعقله من أفكار وتصورات مختلفة للدين والتاريخ، ويرى أن هذا الأمر هو من صميم الحرية التي منحها الله للإنسان، والتي لا يمكن لأحد أن يصادرها منك، ولا تحتاج ممارستها إلى دستور أو قانون أو معاهدة دولية..
وصنف ثان يرى أن المرحلة ليست مناسبة لذلك، لأن هناك تصور لدى السلطة يخلط ما الاختيارات المذهبية أو الثقافية وبين الولاء السياسي، وهو تصور لابد أن يتغير مع مرور الزمن، وستجد السلطة يوما ما نفسها بحاجة لوضع حلول واقعية لاستيعاب كل المواطنين المغاربة بغض النظر عن آرائهم وقناعاتهم الفكرية.
سبق لأحد الكتاب المغاربة المنتسبين إلى الشيعة أن قال "إن المغرب بلد شيعي والسنة استثناء"..هل يستقيم الجزم بهذا الوضع في مجتمع واضح مذهبه وجلية عقيدته؟
أظن أن الكاتب الذي تتحدثون عنه لم يقصد بكلامه ذلك أن المغرب بلد شيعي بالمعنى المذهبي للكلمة، بل ربما يقصد أن العمق الروحي والتاريخي للشعب المغربي والدولة العلوية لا يمكن النظر إليه بعيدا عن تراث ومكانة أهل البيت عليهم السلام، خاصة أن الأمر يتجلى في مدى الاحترام والتبجيل الذي يظهره المغاربة لآل بيت النبي من خلال أسماء أبنائهم، وأيضا بإقامة أضرحة تزار لذرية رسول الله، وأيضا لأن المغرب هو أول دولة لآل البيت بعد استشهاد الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وذلك مع مولاي إدريس بن عبد الله رضوان الله عليه ..
كما أنه يجب النظر إلى المغرب في إيديولوجيته الدينية الرسمية، فهو لا يعيش العقدة اتجاه مدرسة أهل البيت "ع" ، حيث إن الإمام مالك بن أنس هو من تلامذة الإمام جعفر الصادق، كما أن الإمام مالك بن أنس ساند ثورة العلويين، وعلى رأسهم في ذلك الوقت محمد النفس الزكية جد الملك محمد السادس..
كما أن الاختلاف الفقهي الذي حصل تاريخيا إنما حصل بين مدرستي الحديث في المدينة والرأي بالعراق، وكان جعفر الصادق ومالك بن أنس من نفس مدرسة الحديث، ووقفا ضد مدرسة الرأي التي تزعمها أبو حنيفة النعمان..
ومن الناحية العقدية، أصل الصراع العقائدي والكلامي إنما نشأ بين المعتزلة وأهل الحديث، ومن المعلوم أن المعتزلة سنة وأيضا أهل الحديث من الحنابلة، بينما كانت مدرسة أهل البيت محايدة في هذا الصراع، وتقف موقف وسطيا وهو ما أسهم في ولادة مدرسة وسطية جديدة تقف في وسط الطريق بين المعتزلة العقلانيين وأهل الحديث النقلانيين، وهي مدرسة أبي الحسن الأشعري الذي آمن بضرورة العقل والنقل وقبل بعلم الكلام خلافا للحنابلة، ورفض التجسيم في التوحيد تماما كما رفض التعطيل المعتزلي وهو موقف لا يبتعد عن المدرسة الإمامية لأئمة أهل بيت رسول الله ص ..بمعنى أن حديث القاعدة والاستثناء لا يقع في الخريطة المذهبية وإنما يقع ضمن الخريطة الثقافية والروحية، والله العالم بمقصوده، إنما هو ظن مني لا غير .
طيب أستاذ عصام..لنتحدث قليلا لو تفضلت عن شيعة المغرب في بلجيكا..ما حقيقتهم؟ هل لهم كل تلك القوة التي يصورها الإعلام، أم هم مجرد فرادى غير منظمين كما يزعم البعض الآخر؟
أتباع أهل البيت المغاربة المقيمين ببلجيكا هم كثر، وفي تزايد مستمر، ومنظمون لأن لهم مؤسستان كبيرتان: مؤسسة الرضا ومؤسسة الرحمن، ولهم متحدثون باسمهم مع السفارة المغربية والحكومة البلجيكية على السواء، وهم أعضاء بالمجلس الإسلامي ببلجيكا ويساهمون إلى جانب إخوانهم من المذاهب الأخرى والجنسيات المختلفة في تطوير الحالة الإسلامية ببلجيكا وتقديم صورة حضارية للإسلام.. ويحضر السفير المغربي ببلجيكا أنشطتهم، ويحظون باحترام تام من قبل السلطات البلجيكية والاتحاد الأوروبي .
هيئة شيعة طنجة بادرت بعد مقتل الإمام المغربي الشيعي الدهدوده إلى مطالبة الحكومة المغربية بحماية المغاربة الشيعة في بروكسيل.ما حيثيات ودوافع هذه المطالبات ؟ وهل ردت الحكومة على طلب شيعة طنجة؟
أظن أنه قد آن الأوان لكي يصحح الإعلام المغربي تصوره، فالهيئة التي تتحدثون عنها غير موجودة على أرض الواقع، إنما هي عبارة عن موقع إلكتروني يديره شخص من خارج المغرب، انطلق بداية لتأييد مواقف شيخ كويتي متطرف تبرأ منه العديد من العلماء ومراجع المسلمين الشيعة في العالم، لإساءاته الكثيرة للصحابة الكرام وزوجات النبي اللاتي هن أمهات المؤمنين بنص القرآن الكريم، أحب من أحب وكره من كره..
أما الشيخ عبد الله الدهدوه رحمه الله الذي هو صديقي، فقد كان رجلا محبا لكل الناس، لم ينزل إلى المستنقعات التاريخية التي نزل إليها من نزل، وكان من المساهمين في العديد من مؤتمرات التقريب بين المذاهب الإسلامية، وحضرنا سوية مؤتمرا لأهل البيت والصحوة الإسلامية، ونتشارك كل الأفكار والهموم الإسلامية والوطنية..
غير أن ذلك الشخص المقيم خارج المغرب والذي يدير في الخفاء موقع "هيئة شيعة طنجة" عمل كعادته على ركوب كل الأمواج، بما فيه الأمواج التي لا تشتهيها سفنه، فاستغل موضوع الجنازة واستشهاد شهيد مسجد الرضا، وأيضا حاول أن يركب على موضوع أثارته جريدة المساء من تعرض الشيخ الوادراسي حفظه الله الذي نتشارك وإياه كل الأفكار والرؤى، فقدم الموقع نفسه كمدافع عن شيعة طنجة، دون أن يكون أحد قد كلفه بذلك، علما أن الدعوى لا يقيمها من الناحية الشكلية القانونية إلا من له الصفة والمصلحة المباشرة في الدعوى.
والشيخ الوادراسي حي يرزق وله أبناء يمكن أن ينوبوا عنه، كما أن الإخوة في بلجيكا لديهم محام خاص للدفاع عنهم وتمثيلهم في القضايا ذات الطابع القانوني، كما أنهم لم يقدموا أي شكاية للحكومة المغربية، ولو أنهم رغبوا في ذلك لقدموها للسفير المغربي ببلجيكا باعتباره ممثل الدولة المغربية هناك، مما يظهر لكم صبيانية ذلك الشخص الذي يدير موقعا افتراضيا اسمه "هيئة شيعة طنجة"، وقد أجرى موقع "الخط الرسالي" حوارا مع رئيس مؤسسة الرضا التي ينتمي لها الشيخ الدهدوه، وتبرأ من هذا الموقع ومن يقف خلفه ومن رمزه الكويتي، كما أن الشيخ الوادراسي سيصدر موقفه قريبا جدا من هذا الموقع المتطرف وأهله ..
يتحدث مراقبون على أن هناك تجييش عدد من مغاربة العالم بهدف نشر المذهب الشيعي بالبلاد؟
أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح، لأن الدعوة للمذهب تحتاج إلى دعاة مكونين تكوينا شرعيا وأيضا إلى حرية كافية لممارسة الدعوة، وأيضا إلى مكتبات وأئمة مساجد وخطباء، وأنتم تعلمون جيدا أن عدد الذين درسوا بالحوزات العلمية من المغرب لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، كما أن جلهم لا يزال يدرس بالخارج، والمغرب لم يفتح مؤسساته الدينية أمام الشيعة المغاربة، غاية ما هنالك أن الناس تتابع المواقع الإلكترونية والفضائيات وتتأثر بمضامينها، وقد تعبر بعد ذلك عما بداخلها من أفكار أثناء الاجتماع بالأصدقاء في مواقع العمل والمقاهي والمناسبات..غير أن البعض يستفزه مجرد النقاش التاريخي أو الفقهي أو الكلامي، فيحرض الجمهور ويستغل بيوت الله ليجعل منها بيتا له أو لطائفته، وهو أمر غير مقبول شرعا وعقلا، ولا يمكن السكوت عنه وإلا سنكون أمام تحديات أمنية خطيرة لا سمح الله .
كنت قبل 3 سنوات تصر على وضع العمامة...اليوم أنت بدون عمامة وتمارس المحاماة..ما الذي تغير فيك وفي عقائدك؟
لا جواب على هذا السؤال، لأنه يدخل ضمن الحياة الشخصية " الزي والمهنة والعقائد الخاصة " .
ما الذي تود قوله إلى من يخشى من ما يسميه البعض المد الشيعي في المغرب؟
أقول لمن يخشى من المد الشيعي بالمغرب، إن حصن رسول الله صلى الله عليه وآله هو قول "لا إله إلا الله محمد رسول الله "، ومن دخل حصنه فهو آمن، فلماذا تسلبون الأمان منه؟، كما أن رحمة الله وسعت كل شيء، فلماذا تضيقون من رحمة الله وتريدون للآخرين أن يكونوا في أفكارهم ومواقفهم صورة طبق الأصل من أفكاركم ومواقفكم التاريخية والفقهية؟..
إن الإسلام عرف تاريخيا تباينا في مواقف الصحابة واجتهاداتهم، ومن حق أي كان أن يحب من يشاء، وأن يتبنى فكر من يشاء من الصحابة والتابعين، كأن يتبنى خطا علويا في فهم الإسلام وتمثله تماما كما يتبنى البعض خطا أمويا أو عباسيا، وعلى قاعدة الحوار والمناقشة يثبت من يشاء صحة فكره وينقض رأي الآخر، لأن الجدل هو الذي يطور الأفكار، كما قال الإمام علي بن أبي طالب " اضرب بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب" .
وأيضا أقول لهم: إنكم لو انفتحتم على أتباع أهل البيت "ع" بالمغرب، فإنكم بذلك تزرعون في قلوبهم لكم المحبة وروح الأخوة، وتزيلون أسباب الحساسية المذهبية، وتقطعون الطريق على متطرفيكم ومتطرفيهم، لتلوى جبهة الوحدة الإسلامية وتنكسر جبهة الغلاة والنواصب معا..فتعالوا إلى كلمة سواء من أجل إعلاء كلمة واحدة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ونتحاور فيما اختلفنا ويعذر بعضنا بعضا فيما نحن فيه مختلفون، ونتعاون فيما نحن عليه متفقون حفظا لوحدة الدين والأمة والوطن..
ولا تكونوا ممن تهزهم أي ريح ويميلون معها حيثما مالت، ولا تتأثروا بأي تحريض من أي جهة كانت سياسية أو دينية مغرضة، تريد تقويض دينكم الواحد ووحدتكم الإسلامية والوطنية، وتأكدوا من كل خبر من أهله، لتقفوا على الحقيقة حتى لا تكونوا ممن قال فيهم الله تعالى في سورة الحجرات: " فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.