كتب : حميد الطحاوي ـ موقع إسلام أونلاين
"هذه النّجوم خلقها الله حتى توحي للإنسان بأنّه ليس هناك ظلام مطلق، فكلّ ظلام يحمل نقاط نور، ونقاط النّور هذه تتجمع لتشير إلى الفجّر القريب".
هذه كلماتٌ لآية الله محمّد حسين فضل الله، المرجع الشّيعيّ المجدّد، الذي يقف بعلمه الغزير، وأفقه الرّحب، وصرامته العلميّة، أمام محاولات شقّ الصّفّ المسلم وتفريق الأمّة.
فضل الله الّذي تمحورت حياته ما بين لبنان والعراق، رفض تشكيل مجلسٍ شيعيّ أعلى في بلد منشئه "لبنان"؛ لأنّه يؤمن بأنّ المجلس ينبغي أن يكون إسلاميّاً لا شيعيّاً، يجمع في صفوفه السنّة والشّيعة معاً.
كلّ تلك الأفعال والاعتقادات ناضل فضل الله من أجلها، وتعالى على مذهبيّته، ونادى بالوحدة التي يعتقد أنّها طوق نجاة الأمّة، محذّراً من المذهبيّة والتّشرذم... حتى صار فوق المذهب، صانعاً مرجعيّةً مختلفةً.
البداية:
كان مولده في النّجف الأشرف في العراق في عام 1935م؛ حيث هاجر إليها والده آية الله السيّد عبد الرؤوف فضل الله قادماً من جبل عامل بلبنان لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فتراتٍ طويلةً في الدّرس والتّدريس ضمن الحاضرة العلميّة الأبرز في العالم آنذاك.
وفي أحضان الحوزة العلميّة الكبرى في النّجف الأشرف كانت نشأته؛ حيث بدأ فضل الله دراسته الدينيّة في التّاسعة من عمره على يد والده، وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السّادسة عشرة تقريباً، فجلس إلى كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال المرجع الديني السيّد أبي القاسم الخوئيّ، والمرجع الدّيني السيّد محسن الحكيم، والسيّد محمود الشّاهرودي، والشّيخ حسين الحلّي.
من هنا، شهد له أقرانه بالمكانة العلميّة والتّحصيل، حتى افتقدته السّاحة الإسلاميّة في العراق بعودته إلى لبنان في العام 1966م، وهذا ما عبّر عنه السيّد محمّد باقر الصّدر حين قال: "كلّ من خرج من النّجف خسر النّجف، إلا السيّد فضل الله؛ فعندما خرج من النّجف خسره النّجف".
عاد فضل الله إلى لبنان تلبيةً لدعوة وجّهها إليه مجموعةٌ من علماء الشّيعة أسّسوا جمعيّة أسرة التّآخي التي تهتمّ بالعمل الثّقافي الإسلاميّ، جاءت الدّعوة إيماناً من أصحابها بمدى حاجة ساحة العمل الإسلاميّ اللّبنانية إلى سماحته؛ فأسّس حوزة "المعهد الشّرعيّ الإسلاميّ"، وشكّل بذلك نقطة البداية لكثيرٍ من طلاب العلوم الدينيّة، ودرس على يديه كثيرٌ من العلماء البارزين في الوسط اللّبناني، وما يزال المعهد قائماً حتى وقتنا الرّاهن.
ولم يقتصر نشاط فضل الله منذ انتقاله إلى لبنان على الدّعوة النظريّة، بل امتدّ إلى تقديم الخدمات الاجتماعيّة؛ فأنشأ الحوزة العلميّة للنّساء في منطقة النّبعة، وأقام مستوصفاً لتقديم الخدمات الصحيّة، وبعد اشتعال الحرب الأهليّة، انتقل للعيش في الجنوب، وأنشأ مبرّات للأيتام، ومؤسّسات اجتماعيّة وصحيّة، ومساجد.
فضل الله وحزب الله:
ويُعدّ سماحته من القيادات الروحيّة لحزب الله اللّبناني؛ لدوره في التربية الرّوحية والفكريّة للكثير من الكوادر التي أسّست الحزب، وهو كذلك من أهمّ الرّموز الدينيّة الشيعيّة في العالم، بما يتمتّع به من التّجربة السياسيّة والخبرة الاجتماعيّة التي تعود إلى50 عاماً مضت.
ويتمتّع فضل الله بدائرة واسعة من الأتباع والمريدين في لبنان ودول الخليج، وبلاد المهجر في أمريكا، وكندا، وأستراليا؛ وهو ما وفّر له إمكانات ماليّة ودعويّة ضخمة ساعدت على التّرويج لمرجعيّته الدينيّة للشيعة العرب، كما تتبعه إذاعة البشائر، إضافةً إلى عشرات المؤسّسات والمبرّات الخيريّة التي يشرف عليها لرعاية الأيتام والمحتاجين في لبنان.
وكذلك تتبعه ثلاث حوزات علميّة يتولّى الإشراف والإنفاق عليها، وهي:حوزة المرتضى في دمشق، وحوزة المعهد الشّرعي في بيروت، والمدرسة الدينيّة في صور جنوب لبنان، إضافةً إلى عددٍ آخر من الحوزات التي يشرف عليها؛ وذلك بفضل الحقوق الشّرعيّة التي تدفع له من أخماس الشّيعة في الخليج، خصوصاً الكويت والبحرين والسعوديّة؛ كما تتوافر لسماحته دائرة علاقات واسعة على المستويات الرّسميّة مع أغلب الحكومات العربيّة، خصوصاً دول الخليج العربي ولبنان.
المختلف:
مرجع شيعيّ مختلف... هذا هو الوصف الأبرز لسماحة السيّد فضل الله؛ فهو من أكّد أنّ الخلاف حول موضوع الإمامة يجب أن ننظر إليه في سياقه التّاريخي الماضويّ، كما يجب أن ننطلق منه برؤية عصريّة تجمع المسلمين ولا تفرّقهم.
وهو كذلك صاحب الآراء الصّادمة الّتي دفعت إيران إلى اعتماد مرجعيَّة السّيستاني ذي الأصول الإيرانيّة في العراق، ورفض مرجعيَّة فضل الله ذي الأصول العربيَّة في جبل عامل في لبنان، برغم ما لجبل عامل من مكانةٍ تاريخيَّة؛ حيث انطلق منه الفكر الشّيعيّ إلى العالم، قبل قمّ والنّجف.
أيضاً... فرض فضل الله نفسه بعلمه ووسطيَّته وانفتاحه على البيت الشّيعيّ خارج الاعترافات الرَّسميّة، كواحدٍ من كبار مراجع الشّيعة في العالم، والّذي أسّس لمشروع فكريّ كبير يصبح فيه الشّيعة جزءًا فاعلاً في المعادلة السياسيّة والاجتماعيّة، ليس في لبنان فحسب، ولكن في المنطقة العربيّة بأسرها.
لم يكن فضل الله يوماً معمّماً منـزوياً، وعاكفاً قاصراً على مريديه، بل كان دوماً في قلب الأحداث الكبرى في لبنان، بدءاً من مشروع المقاومة المسلّحة في العام 1982م، وانتهاءً بالعمليّة الانتخابيّة في عام 2009م، وكان دائماً موصوماً بالإرهاب كراعٍ رئيس، وكأبٍ روحيّ لحزب الله كما يحلو للإعلام الغربيّ والأمريكيّ أن يصنّفه، كما اتُّهم بمباركة العمليّة التي نفّذها حزب الله في لبنان في أكتوبر 1983م ضدّ السّفارة الأمريكيّة في بيروت، والّذي اعتُبِر أقوى انفجارٍ غير نوويّ يحدث على الأرض.
ضدّ التّعصّب:
يرى فضل الله أنّ الشّعب اللّبناني بمسيحيّيه ومسلميه وحدة واحدة، ويقول لهم: إنّ "الدين قيمة، والطّائفيّة عشائريّة متخلّفة لا تملك حتى قيم العشائريّة. تعالوا عقلاً بعقل، وقلباً بقلب، تعالوا إلى بلدٍ جميلٍ نغرسه بالمحبّة، ولتكن حركتنا في خطّ الجمال وصنع الجمال في الإنسان."
وعن الغلوّ في الأئمّة والتعصّب لهم يقول سماحته: "نحن نرفض أيّ نوعٍ من الغلوّ لأيّ إمامٍ من الأئمّة، ولأيّ نبيّ من الأنبياء؛ لأنّنا نؤمن بالتّوحيد الخالص. أمّا مسألة الغلوّ في علي بن أبي طالب، فإنّنا نعتبر أنّ الغلوّ في عليّ واعتقاد ألوهيّته أو ما يقرب من الألوهيّة، كفر".
ورفض سماحته بعض الممارسات الّتي يقوم بها الشّيعة يوم عاشوراء، مثل إدماء الرّأس والظّهر، واعتبره "خطيئةً ومعصيةً... ونحن نرفض كلّ تقليدٍ جديد يحاول أن يعطي المأساة أبعاداً تؤذي الجسد أو تشوّه الصّورة الإسلاميّة التي تمثّلها حركة الإمام الحسين".
وعن اختلاف السنّة والشّيعة في صيغة الأذان، يقول سماحته: "نحن لا نعتبر أنّ جملة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» هي جزء من الأذان، وقد كتبنا ذلك في كتاب الفتاوى، وقلنا إنّنا لا نوافق على أن يزاد في الأذان أيّ شيء. هناك خلافٌ آخر في الأذان في جملة «حيّ على خير العمل»، فهناك روايات لدى المسلمين الشّيعة تفيد بأنّها جزء من الأذان، ولكن المسلمين السنّة لا يرون ذلك، كما أنّ السنّة يزيدون في أذان الصّبح «الصّلاة خير من النوم»، والشّيعة لا يرون ذلك. أمّا جملة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله»، فليست جزءًا من الأذان، ولا يجوز اعتقاد كونها جزءاً من الأذان، وإنما يأتي بها الشّيعة للتبرّك".
فتنة المرجعيّة
في العلاقات بين المراجع الشّيعيّة، تظلّ الفتنة الّتي عرفت بفتنة فضل الله علامةً بارزةً في التّاريخ الحديث، والّتي تبدأ بالحملة الشّرسة الّتي تعرّض لها السيّد محمّد حسين فضل الله من نظرائه في إيران والعراق، عندما طرح نفسه كمرجعيّة مستقلّة خارج الحوزات العلميّة الموجودة في النّجف وقمّ.
واستعرت عليه حملة خاصّة من جانب مرجعيّات قمّ بعدما نُسِبَ إليه مهاجمته للتّوسل والشّفاعة، وطعْنه في معجزة الأئمّة، ونيله من مقامات الأولياء، خصوصاً السيّدة فاطمة الزّهراء رضي الله عنها، في حين اتّهمه آخرون بمحاولة القضاء على المرجعيّة الشيعيّة وإسقاطها.
كما تمّ اتّهام فضل الله بأنّه يعيش حياة الملذّات والشّهوات، في حين يعيش المراجع العظام في قمّ والنّجف حياة الزّهد، وأنّه يعيش في القصور في حين لا يملك علماء إيران والعراق سوى منازل قديمة رخيصة، ويعيشون على الكفاف!
محاولات اغتياله
تعرَّض فضل الله للعديد من محاولات الاغتيال نجا منها جميعاً؛ وذلك لإصراره الدّائم على أن يكون في قلب الأحداث، ولم يعرف حتى الآن من يقف وراء تلك المحاولات: المخابرات الأمريكيّة، أم الموساد الإسرائيليّ أعداؤه التّقليديّون.
التاريخ: 7 ربيع أوّل لعام 1431 الموافق: 21-02-2010