المشرف العام المدير
تاريخ التسجيل : 16/08/2009 عدد المساهمات : 1175 العمر : 55 الموقع : http://al-ofeq.blogspot.com/
| موضوع: حتى نفهم التاريخ /للكاتب المغربي نور الدين الدغير الثلاثاء 01 يونيو 2010, 21:09 | |
| هل نكون متطرفين فنعلن أنه لا علم إلا علم التاريخ؟! قد تكون هذه الأُطروحة واردة، ولم لا؟! خصوصًا في ظلّ مايلقيه التاريخ وتمحوراته الزمانية على الحياة البشرية من انعكاسات، بحيث يعكس تلك الصيرورة البشرية والتطور الناتج عنها من ذلك المجتمع البدائي الذي كان الإنسان فيه بالكاد يجد قوت يومه حيث يصارع قساوة الطبيعة وظروف الحياة إلى زمان صارت فيه إمكانية الراحة المادية متاحة، لُتظهر لنا بذلك التفوق البشري على معطيات الطبيعة تحت عامل الحاجة والبحثعن إمكانيات أفضل وطريقة عيش أحسن. ونتج عن هذا تطور في العقل البشري، هذا العقل الذي لم يقف فقط عند الإشباع الحسي للذات البشرية، بل تعداه إلى اختراق النزوات المادية باحثًا عن الاكتمال الروحي المرتبط بالمعنى العقلي والنفسي، ليبرز نفسه في مرآة التاريخ كحالة معرفية تقنية; أي أن المعطى المعرفي الذي ينتج يلقي بظلاله على المعطى المادي فتقع آثار المعرفة على المادة، فترفع هذه الأخيرة مستوى نوعية وقدرة المعرفة المادية.
وقد نعلن واقعية هذه الحقيقة إذا توقفنا عند بعدها الثقافي، وحصرنا التاريخ في الأحداث والوقائع، بحيث يتجلى لنا هذا فيما وردته كتب التاريخ وما سطره المؤرخون، ويكون بذلك التاريخ على حد قول ميشله: هو معرفة الدقائق والخصائص والمميزات التي تعطي للواقع صبغته الوجودية ; أي أنه (الواقع) يقرر بالشكل الذي يدون ويصير بهذا علم التاريخ، ويقصد هنا التاريخ الرسمي ممارسة فعل تعسفي وقمعي على أحداث الواقع ليتكيف مع طبيعة الحالة السياسية المسيطرة في تلك الحالة. قد يكون هذا منطق المؤرخ، أي أنه ينسجم وذاته بحيث يعكس واقعه كمؤرخ ناطق باسم الجهة التي يعلن الانتساب إليها، سواء كانت هذه الجهة سياسية فيكون المؤرخ ممث ً لا لها وهذا ما نجده على أرض الواقع بحيث صارت أغلب التواريخ السائدة معبرة عن سياسة عصرها والحامية لها، أو ممثلة لتيار فكري سائد في زمانها، ويظل الجمهور محرومًا وأسيرًا للنخبة الحاكمة، ويبقى متأثرًا بطبيعة هذه النخبة ومدى ملامستها للحقيقة، لأن الكلام في هذا المجال أوجب التمييز والتفريق في التاريخ نفسه، يعني بين التاريخ المروي أو باصطلاح آخر مادونه المؤرخ، والتاريخ الواقعي وهو ما حدث كوقائع حقيقية. ويبقى تدخل المؤرخ في هذه الوقائع هو المحدد الحقيقي لمصير لتاريخ، سواء بعرض الواقعة كحادثة حقيقية وإدراجها في المد ونة التاريخية بالشكل الذي حدث، أو الحاق هذا المصير إلى عالم التيه التاريخي وإدخال المجتمع في تعسف قد يكون معرفيًا، مما يجعل الناس يعيشون منذ تحريف المؤرخ لذلك الحدث على كذبة قد تكون قاصمة لوجودهم الديني والروحي. والأمثلة على هذه متعددة في كل التواريخ العالمية، وعلى رأسها التاريخ الإسلامي. وأحد الأمثلة الواضحة التي تدل على اعطاء المؤرخ الحكم قبل التفصيل في الخبر مثلا: ما أورده المؤرخ المغربي الناصري في كتابه قائلا: ثم دخلت سنة تسع وثمانون ومائة وألف، فيها كانت الفتنة العظمى التي هي خروج العبيد على السلطان وبيعته لابنه. المولى يزيد وكان السبب في ذلك ، ويعلق الدكتور عبد الله العروي على هذا الخبر بقوله: يبدأ الناصري الذي يروي بوسائط عن شاهد عيان بنعت الحدث (الفتنة العظمى) قبل أن يفصل الأحداث التي تستحق هذا النعت هذا الموقف هو ناتج عن ذهنية مسبقة أ طرتها الوضعية السياسية والثقافية لتلك الحقبة، بل أكثر من هذا، فبالإضافة إلى قراءة الأحداث والصاق الحكم عليها سارعت يد المؤرخ إلى شرعنة الوضع القائم.
وقد تجلى هذا خصوصًا في التاريخ الإسلامي، حيث لم يلعب المؤرخ دور الباحث عن أحداث التاريخ، بل مارس إلى جانبه دور الفقيه والقاضي. ويلاحظ هذا مثلا عند الطبري حيث أنه كان يضفي الشرعية على الواقع خلال ذكره للوقائع التاريخية، وخصوصًا ما أنتجه هذا الواقع من التقديس، والذي وقف حجر عثرة أمام تحرر الفكر والبحث عن الحقيقة. لهذا، فالانطلاقة نحو التحرر المعرفي هو ما جاء على قول، حيث أنه ذهب إلى أن علم التاريخ يبدأ بنقد التقليد، وقد نعبر عنها بصيغة أُخرى وهي أن علم التاريخ يبدأ بتحريك الزمن التصوري للأمة، وهي إنطلاقة الفعل المعرفي كآلية حتى يخرج التاريخ وأحداثه من التجميد الممارس عليه فيحدث ثورة في بنيته كي تعطي للواقع ديمومته واستمراريته، مما يواكبه تحريك للزمن التاريخي.و قد نجزم كون تحريك هذا الأخير هو الباعث على إيجاد المسارالصحيح للتطور.
وقد نلامس هذه الحقيقة بوضوح في النهضة الأوربية بعد ما أُعلنت الثورة على المقدس المزور، فتفاعلت الثورة الفكرية والثقافية مع الوقائع التاريخية لتخرج أوربا بذلك من ذلك الجمود المقيت والتخّلف الذي كان سائدًا آنذاك، ولا ندعوا في كلامنا هذا بالثورة على المطلق من الدين، لأن التفاوت بين الديانتين واضح عند الجميع. لكن التاريخ الإسلامي كما أسلفنا مسبقًا قد تعرض لعملية تحوير، فأُلحق بالمقدس من الدين مقدسات تاريخية لها نفس الأثر الذي لعبته الخرافات التي كانت تحبس الفكر المسيحي عن التحرك ; وهي اتحاد السلطة السياسية مع السلطة الثقافية، لكن إعلان الثورة على هذه الثنائية وتحقيق التحرر الكامل للسلطة الثقافية هو المنبع الذي حرك الزمن الأوربي. إن تحريك هذا الزمن في التاريخ الإسلامي ينطلق من الفصل بين نقطتين في الفكر الاسلامي، وهو: ما المقصود بالمقدس الإسلامي؟ وما حدود هذا المقدس؟ إن هذه النقطة جوهرية، بحيث أن مجموعة من الأشياء أكتسبت قدسيتها من قوتها كواقع، سواء كأشخاص وهذا ما أظهر لنا مثلا عدالة الصحابة رغم ما يخالف هذا المبدأ الطبيعة البشرية للأشخاص وكيف سرى هذا المفهوم من عدالة النبي وعصمته إلى عدالة وعصمة أصحابه، أو كنظام سياسي يصبغ على نفسه الصبغة الدينية لكي يكتسب مشروعيته على الرغم من عدم وجود مبرر شرعي له.
وقد بين هذا المفهوم أحد الفقهاء الشافعيين -بدر الدين - حيث قال: فإن خلا الوقت عن إمام فتصدى لها من هو ليس من أهلها وقبل الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته، لينتظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلا أو فاسقًا في الأصح، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد، ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده، انعزل الأول وصار الثاني إمامًا لما قدمناه من مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم . والشيء الجلي الذي يمكن استخلاصه من هذه المقولة وغيرها كثير في الآثار الإسلامية، وهو محاولة لتبرير الواقع والقبول به كأمر حتمي، بعد تناسي التجليات التي يمكن أن يسقطها على جميع المستويات المرتبطة بالمجتمع.
وقد لا يفطن الدارسون لما يمكن أن يؤدي إليه هذا التبرير، فيصير بذلك إلزامًا طرح سؤال مهم طرحه أفلوطين في ميدان البحث التاريخي، لأن الهدف المتوخى منه هو وضع الاصبع على الخلل في هذا الركام الملغوم، وبالتالي فأي مذهب يؤدي بنا إلى حيث يجب أن لقد شكلت هذه النقط الهاجس لكل المؤرخين من أجل الخروج من المأزق الحالي، ومن هذا التوّقف الإضطراري للتاريخ الإسلامي وبحثهم الجاد حول كيفية تفعيله. لكن رغم كل ذلك لازالت التنظيرات منحصرة في العقلية اللاتاريخية للقرون الوسطى بحيث تحول التفاعل مع الجامد من ذلك التاريخ، رغم ما يمكن أن تدعيه من محاولات تثويرية، لكونها لا زالت تستنسخ النماذج القديمة، مما يعني الوقوف عند زمن تصوري جامد يغيب فيه الفاعل التاريخي كعنصر اجتماعي مهم. ويبقى بذلك الطرح التاريخي الموجود عبارة عن تاريخ افراد لا بمعنى الشخص الواحد، ولكن أحادية الفرد داخل تكتل معين (سلطوي) والذي أعطى انطباعًا تاريخيًا فردانيًا يوافق تمام المرحلة التي انشأها وغاب عن التاريخ تاريخ الجماعات. إن الإشكالية التي يمكن أن نخلص إليها من خلال الاطلاع على المدونات التاريخية وخصوصًا منها التي كرست تاريخ الأفراد تتمّثل في تكريس حتمية النص الرسمي وإصباغه بصبغة الاجماع، كي يتم التوافق على حقيقته وواقعيته. لذا يبقى المخرج الوحيد لهذه الإشكالية هو رفض هذه الحتمية، وإدخال المبحث التاريخي موقع الشك حتى يتسنى التعامل معه من جميع النواحي. كما أن وجود مجموعة من الحوادث والأخبار والتي كانت محل رفض التاريخ الرسمي، وتم إبطالها وإخراجها من جريان أحداث التاريخ رغم ما يمكن أن تصل إليه من تواتر، فالمت ّ طلع بعين المؤرخ يجب أن ينظر إلى كون وجود هذا الحدث ليس صدفة، ولكن احتمالية وقوع الحدث مرتبطة بتكرار نوع الخبر، حيث لا يمكن أن يكون ذكره عبثًا، فمثلا لو اشتهر بين الناس وقوع كسوف سنة (س)، وتزايد عدد الراوين للخبر، فوجوده ليس مجرد صدفة ولكن شيئًا وجد في تلك السنة جعل الناس يعتقدون بحدوث الكسوف، وبمعنى آخر حتى لو صار الحدث التاريخي كذبًا فإن الحالة تثبت بوجود أشياء تسببت في نشوء هذه الكذبة، ومنه لابد من دراسة كل الجوانب المحيطة بالخبر وليس فقط عين الخبر.
وأسلفنا سابقًا كون التقاطع الذي حصل بين الكنيسة ودعاة التحرير هو المدعاة لتلك الثورة المعرفية، بعدما أحس الناس بجمود في الدين الذي يعتقدونه واعتباره العائق نحو التقدم. وكانعكاس على الساحة الإسلامية فإن التقاطع الحاصل والذي يجب التخلص منه هو هذا التاريخ المتجمد من أجل التحرر، إذ أن المجتمع الذي لم يعرف ثورة علمية فإن تاريخه مجمد يدخل الكون الزمان ويخرج منه في اللحظة كما تشير إلى ذلك كلمة وقع، ولا يوجد فرق في هذه الحالة بين التاريخ والرواية، الماضي والحاضر، الفرد والجماعة وتتميز كذلك الدراسات بانعدام الجرأة العلمية لاقتحام ذلك الركام التاريخي رغم الاقتناع الكامل بكون الخلل هناك موجود مخافة الوقوع في منزلقات وهمية تركبت بذهنية البعض جراء التعامل المهيب والمقدس مع التاريخ الديني، والذي اكتسب قدسيته بإيحاءات سلطانية فأعطت له صبغة شرعية. ومن هنا يتم فهم تردد المؤرخ إزاء الخوض في مسائل معرفيات التاريخ، يمشي فلا يهمه أن يعرف كيف ولماذا يمشي، يخشى إن هو توقف ليسائل نفسه، يسقط إما في أحبال النظاميين ومؤرخي السلطة، وإما في متاهات الذات صحبة دعاة التأصيل، ويعلم أن نطاق التاريخ محدود بما هو رسمي وما تداولته الموسوعات القديمة من جانب وبالحقيقة من جانب آخر، وأن المفهوم لا يتضح في الافهام إ ّ لا بالمقارنة مع كل واحد منها، ولكنه لا يقول رغم ذلك أن النظرية على هذا المستوى من التجريد لا تفيده، لأ ن عنده الإحتراز واجب، ونحن قلنا ذلك منذ البداية، لكن التاريخ لا يهم المؤرخ وحده، يهم المجتمع ككل، وهل يستطيع أن يحفظ الذكر من يجهل مزالق الفهم؟ بقي الهم الوحيد الذي يجب إدراكه هو تحديد ماهية التاريخ وقيمته، بحيث يتم إدراجه كعلم لدراسة الشواهد والأحداث وتخليصه من الأسطورية والقدسية التي انطبع بها كي يعب ر عن المحيط الطبيعي الذي أنتجه حتى يتسنى لنا أن نوحد معرفيا علم الماضي وعلم الحاضر بإخضاع كل واحد للآخر.
إذن، تبقى المباحث المدروجة في الكتاب هي محاولة للثورة على المعتقد القديم والسائد وكمحاولة لإخراج دراسة تاريخ الإسلام من الحالة التي وجد عليها إلى حالة أكثر ديناميكية، تكشف القناع عن المستور وُتفعله كي تهتز الأسس المهترئة والتي وقعت تحت تعسف التاريخ، ومطارحة جديدة لفكر ظل طوال التاريخ يمارس حالة المعارضة على كل الأصعدة سواءًا منها السياسية أو الثقافية، ومحاولة إبراز بعض المعالم المعرفية التي حاول التاريخ الرسمي تهميشها وإخراجها من دائرة الفكر الإسلامي، كي نستطيع الوصول إلى تاريخ جماعي تسوده سلطة المعرفة وتغيب عنه سلطة الدولة، تاريخ يؤمن بالحوار المفتوح والذي هو منهج الإسلام. لننسى آلام التاريخ الماضي تاريخ السيوف المسّلطة على رقاب إني قد رأيت رؤوسًا قد أينعت وقد آن » : المعارضين حتى قال أحدهم أوان قطافها وإني لأنا قاطفها..نفتح حوارًا صريحًا يجمع كل الطوائف الإسلامية كي تضع يدها على الخلل الذي جعل الأمة الإسلامية تصل إلى ما هي عليه الآن، وذلك في انتظار الموعود الإلهي بالخلافة الدائمة في الأرض ٠ ________________
المراجع
عبد الله العروي، مفهوم التاريخ الثابت والمتحول- الفصل الأ ول بدر الدين بن جماعة، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، مخطوط، نشرته مجلة اسلاميكا الأحكام السلطانية أفلوطين، تاسوعات أفلوطين، ترجمة الدكتور فريد جبر
تاريخ الشيعة، مكناس ٢٠٠٠ م / ٢ / ٢٨ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
عدل سابقا من قبل ABOAYA في الأربعاء 14 ديسمبر 2011, 19:32 عدل 1 مرات | |
|
الزمزمي الأعضاء المميزين
تاريخ التسجيل : 10/02/2010 عدد المساهمات : 383 العمر : 44 الموقع : http://www.alshirazi.com
| موضوع: رد: حتى نفهم التاريخ /للكاتب المغربي نور الدين الدغير الأربعاء 02 يونيو 2010, 01:56 | |
| بوركت الأخ على هذا الطرح الجيد | |
|