حوار موقع لعلاب الاقتصادي مع الأستاذ عصام احميدان - ج 1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسعد اسرة موقع لعلاب الاقتصادي ان يستضيف احدى الشخصيات الاسلامية الشيعية البارزة في المغرب وهوسماحة السيد عصام احميدان فاهلا وسهلا بكم سيدي الكريم .

سيدي الفاضل ممكن ان تحدثنا عن تجربتكم ونشاطكم الفكري والدعوي ؟

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

ج- بداية أشكر القائمين على موقع "لعلاب الاقتصادي" على هذا الحوار الذي أتاح لي فرصة توضيح جملة من القضايا والتي لا تزال تثير أكثر من علامة استفهام في الأفق ، وأرجو لهذا الموقع المحترم النجاح في رسالته التنويرية لبعث قيم التسامح الديني والتعايش الثقافي و الحضاري .

وبخصوص سؤالكم عن نشاطي الفكري والدعوي ، فإنني بداية أعتبر نفسي باحثا في مجال محدد وهو مجال القانون والفقه المقارن ، وقد سمح لي تكويني الجامعي لنيل الإجازة في القانون العام وبعد ذلك في إطار ديبلوم الماستر في القانون العام المعمق في أن أنفتح على قضايا تهم الشأن العام الوطني من قبيل الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام وكذا رهانات التنمية المستدامة وقضايا أخرى حاولت مقاربتها سواء من خلال بعض المؤتمرات التي دعيت لها من قبيل مؤتمر العودة للقرآن الكريم بدمشق بمداخلة بعنوان "العالم الإسلامي : سؤال الهوية والتنمية" ، وأيضا من خلال كتابات في جريدة بينات بلبنان خلال بداية هذه الألفية ، وأيضا من خلال صحف مغربية وعربية من قبيل جريدة "الدار الكويتية" ومجلة "تشرين الأسبوعي" وجريدة "الزمان الدولية" .

كما أنني سبق أن درست بالحوزة العلمية بسورية وخاصة بحوزة المرتضى للدراسات الإسلامية بالشام التابعة لمكتب آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله قده ، ودرست هناك المقدمات والسطوح والسطوح العليا على يد أساتذة فضلاء من العراق ولبنان وسورية وأفغانستان وتونس ، كما كنت أحضر بعض الدروس بشكل حر في بعض مكاتب المراجع العظام بمنطقة السيدة زينب ع بدمشق كمكتب آية الله السيد محمد سعيد الحكيم ، ومكتب الميرزا محمد جواد التبريزي ومكتب آية الله السيد علي السيستاني ومكتب آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي ..

وقد استفدت كثيرا من التكوين في المجال الشرعي إضافة إلى التكوين في المجال القانوني في أن يتشكل لدي وعي إسلامي منفتح وكذا حرص على دمج الوعي الإسلامي بالوعي الوطني ، وعملت عند قدومي للمغرب سنة 2005 على ترشيد الحالة الشيعية بالمغرب وخاصة بمدينة طنجة من خلال البرنامج الثقافي السنوي لمحبي آل البيت بطنجة ، وهو ما أثمر عن طلب تأسيس جمعية "أنوار المودة" الثقافية والاجتماعية سنة 2006 ، والتي للأسف لم تمنح وصل الإيداع القانوني من قبل السلطات الإدارية .

ومباشرة بعد رفض السلطة الإدارية تسليمي وصل الإيداع القانوني للجمعية قمت رفقة إخوة آخرين ببلورة رؤية إعلامية ثقافية عبرت عن رؤية منفتحة ومندمجة لمحبي أهل البيت ع في المغرب وهي ما تجسدت في إطار جريدة "رؤى معاصرة" سنة 2007 غير أن خلافا حول طريقة اشتغال الجريدة وضعف الإمكانات المادية التي رافقت لحظة النشأة والتأسيس جعلت الجريدة تتوقف بعد صدور عددين فقط من الجريدة ..وقد أشار لذلك أيضا تقرير صادر عن وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" سنة 2008 حيث اعتبرني بعض الباحثين المغاربة "الدكتور محمد ضريف" في هذا التقرير الممثل الوحيد للسيد فضل الله بالمغرب العربي ، وهو ما رددت عليه في جريدة "الأحداث المغربية" ، وجاء معنونا ب "عصام احميدان يوضح" .

وقد تمت ولادة الجريدة في ظرفية سياسية وأمنية حساسة ، وذلك عقب انتصار المقاومة في لبنان على الكيان الصهيوني وانعكاسات ذلك في شكل هواجس ومخاوف محور "الاعتدال" العربي ، وأيضا في ظل الحديث عن علاقة وهمية بين خلية "بلعيرج" والتشيع ، وهو ما عبرت عنه الصحافة الوطنية ، التي للأسف لم تقم بمراعاة أصول مهنة الصحافة والتقيد بالضوابط الموضوعية للكتابة .

عموما ، لم يكن حدث قطع العلاقات المغربية الإيرانية بسبب تصريحات الشيخ ناطق نوري حول علاقة البحرين بإيران إلا حدثا إضافيا عقد الأجواء وفتح المجال أمام الحملة الأمنية ليوم 20 مارس 2009 ، وليتم التعاطي مع ملف الشيعة المغاربة بكثير من التهويل والحساسية التي لا أجد لها مبررا مقبولا .

بعد قطع العلاقات المغربية الإيرانية وما تبعها على صعيد الحملة الأمنية ليوم 20 مارس 2009 أجرت معي "العربية نت" حوارا حول الملف الشيعي بالمغرب وتحدثت عن ضرورة اعتماد مقاربة أكثر انفتاحا ولا تتأسس على ما هو أمني مع شيعة المغرب ، مع التأكيد على كون "الحالة" جنينية في المستوى الثقافي والاجتماعي وليست منظمة ولا مسيسة وأن من شأن إثارة الزوبعة حولها ومنعها إنضاج شروط تحولها من المستوى العقدي الفردي إلى المستوى الطائفي الجماعي .

ونقلت الحوار جل الصحف الوطنية "المساء" ، "أخبار اليوم" ، "المغربية" ..كما أجرت معي بعد ذلك صحيفة le soir حوارا مطولا عن قطع العلاقات المغربية الإيرانية وحقيقة الشيعة المغاربة ..وفي نفس السنة 2009 نشرت العشرات من المقالات في جريدة "الدار الكويتية" وأصبحت عضوا في مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر ببيروت ، التي دعتني لحضور مؤتمرها في بيروت عن "الفلك والفقه" ، وكان لي حظ اللقاء المباشر مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله رض في مرحلة مرضه وذلك رفقة العديد من الفضلاء : آية الله الشيخ آصف محسني من أفغانستان وحجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حسن الصفار من السعودية وآخرون من بلدان مختلفة ..وقد عدت قبل شهرين لتقديم التعازي لأسرة الفقيه رض وأعضاء مؤسسته في لبنان وسورية ، كما استدعتني فضائية "الثقلين" لتقديم 19 حلقة عن "مكانة أهل البيت ع في بلاد المغرب " وتبث حاليا و 5 حلقات عن "الأبعاد الإنسانية للنهضة الحسينية ستبث خلال شهر محرم الحرام .

وأعمل حاليا رفقة إخوة آخرين على تأسيس "منتدى الحوار للبحوث والدراسات" والمتخصص في حوار الأديان والمذاهب والثقافات ، والذي هو في طور الإعداد وسيرى النور قريبا بإذن الله .

س الكثيرون يتهمون شيعة المغرب بانهم يتلقون الاوامرمن الخارج كيف تردون على هذه الادعاءات ؟

ج- إنني أعتقد أن اتهام الشيعة المغاربة بأنهم يتلقون الأوامر من الخارج أمر يدعو إلى الاستغراب ، حيث أن من يوجه هذا الاتهام غير مطلع كليا على أدبيات الفكر الشيعي سواء من جهة المفهوم والتطور التاريخي للتشيع ، ومن الطبيعي أن "الإنسان دائما هو عدو ما يجهل" ، فالجهل بحقيقة التشيع والشيعة سيبقى هو أساس حالة العداء القائمة ، وأيضا بسبب حرص البعض على توتير الساحة الدينية لحسابات خاصة قد نتحدث عنها في وقت لاحق .

وكما قلت ، فإن الشيعة المغاربة ليسوا منظمين كما أنهم ليسوا كتلة منسجمة ، بل تضم مختلف التوجهات الفكرية والعقدية ، تماما كما هم أهل السنة غير موحدين وموزعين على التيار الصوفي والوهابي والعقلاني ، فكذلك هناك خطوط مختلفة سواء على مستوى طبيعة الرؤية للتراث وكذا الرؤية للواقع وسبل العمل من خلاله .

كما أنني أعتقد أن الخارج إن قصد به العلاقة مع المرجعية الدينية فهذا من مقتضيات التدين ، وعمل المكلف بلا اجتهاد ولا تقليد ولا احتياط باطل ما لم يوافق عمل المكلف فتوى المجتهد الجامع لشرائط التقليد ..غير أن هذا لا يخرج عند حدود الاربتاط الفقهي الفردي ، ولا أظنه يشكل مشكلة ، فالسيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب أحمد التوفيق في برنامج "حوار" الشهري للقناة الأولى قال أن الدولة المغربية لا تمانع في أن يعتقد الأفراد الشيعة بما يشاؤون وأن المشكلة فقط تكمن في "التسييس" لا في أصل "الاعتقاد" .

وأما لو قصد بالارتباط الخارجي العلاقة بين الشيعة وإيران ، فإنه من المعلوم أن إيران دولة شيعية المذهب ، ولكن ليس شيعة العالم إيرانيون ، وهناك داخل الشيعة اتجاهات مختلفة لا تسمح بإمكانية الحديث عن ضم التشيع في العالم للدولة في إيران ..والأمريكيون أنفسهم يعلمون تماما ذلك ، فقد سمح لهم تواجدهم في العراق بفهم أقرب للمجتمع الشيعي وفهمت الإدارة الأمريكية مدى صعوبة الإقرار بتبعية كل الشيعة لإيران ، ولذلك تمت تسويات أمريكية مع شيعة العراق على مستوى الحكم في وقت يتم فيه العمل على عزل إيران والضغط عليها في ملفها النووي ..كما أن المملكة العربية السعودية تدرك تماما عدم صحة مقولة الربط بين الشيعة وإيران ، وإلا لما قام الملك عبد الله برعاية الحوار الوطني الذي ضم إليه شخصيات شيعية معروفة مثل سماحة الشيخ حسن الصفار ، كما أن الشيعة في أفغانستان يشاركون في الحكومة الأفغانية ، ولو ثبتت تبعية الشيعة لإيران لما أمكن ضمهم للحكومة وتقوية نفوذهم السياسي والاجتماعي ..وفي البحرين والكويت يشارك الشيعة بقوة في الحياة السياسية ويحظون بثقة الأنظمة هناك ، ولا أعتقد أنه لو صح هذا الارتباط المفترض بين الشيعة وإيران لما تم إدماجهم في الحياة السياسية والمدنية .

س ما هو موقفكم تجاه ما قام به الشيرازيون من اعمال غير مسؤولة باظهار الفرح والسرور وتقديم التهاني والتبريكات برحيل سماحة السيد اية الله محمد حسين فضل الله رحمه الله ؟

ج- مما لاشك فيه ، أن هناك اختلافات وتباينات في فهم الإسلام وتمثله بين عدة اتجاهات فكرية سواء من داخل أهل السنة ، وكذلك من داخل الشيعة ، ولئن كان مقبولا الاختلاف في المباني المعرفية داخل المذهب الواحد ، فإنه من غير المقبول أن يتم الإجهاز على الضوابط الأخلاقية لعملية الاختلاف .

وبخصوص ما ذكرتموه من إظهار الشيرازيين للفرح بعد وفاة سماحة السيد محمد حسين فضل الله رض فإنه ليس من المؤكد حصول ذلك ، وعلى فرض حصوله فلا أتصور أن كل التيار الشيرازي قد قام بهذا الفعل اللاأخلاقي ، وبالتالي لا يمكن أن نحمل التيار مسؤولية بعض أفراده ، وما يدفعنا إلى الاعتقاد بذلك هو معرفتي بأخلاق المرجع الراحل آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي التي ترتفع فوق هذا المستوى، كما أني تعرفت عن قرب على المستوى الأخلاقي لسماحة السيد جعفر الشيرازي ، والذي أتذكر أنه لما توفي والده سماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي ، طلب سماحة السيد محمد حسين فضل الله من بعض أساتذة حوزتنا ومنهم الشيخ جواد الخالصي وآخرين مرافقته لتقديم التعازي في مكتب الراحل آية الله الشيرازي ، ولما دخل سماحة السيد رحمه الله ارتفعت الأصوات بالتكبير والصلاة على محمد وآل محمد واستقبل سماحة السيد جعفر الشيرازي سماحة السيد قده بحفاوة وأشاد به في كلمة واصفا إياه بالعالم المجاهد الرباني .

كما أن سماحة السيد جعفر الشيرازي أعزه الله طلب من بعض أفراد المكتب بالحوزة العلمية الزينبية مرافقته لمكتب الراحل آية الله العظمى السيد فضل الله ره لتقديم الشكر لتعزيته في وفاة المرحوم آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي ..كما أنه قال لسماحته أن والده لم يكن يوافق على كل ما يصدر من بعض مقلديه وأتباعه ، وبالتالي ، فإني أعتقد أن هناك تصرفات للعوام وحواشي بعض مكاتب المراجع قد تتصرف خلافا لما يعتقده ويمارسه الفقهاء .

س سماحة السيد ارجو ان تحدثنا ولو بشكل مختصر عن مدرسة سماحة السيد محمد حسين فضل قدس سره حول التسامح الديني ؟

ج- لقد كان المرجع الراحل رض ينطلق في رؤيته للتسامح الديني من قاعدة أساسية وهي الحوار والتعايش من الثوابت التي لا تقبل الحذف ، فعلى مستوى الحوار كتب سماحة السيد "أسلوب الدعوة في القرآن" و"الحوار في القرآن" واعتبر أن الله حاور إبليس رغم أن الحوار دار بين خالق ومخلوق ، وبين رب العباد وعبد آبق من طاعة الله ومرضاته ، عاص لأوامره ونواهيه .

وكان الحوار الذي يدعو إليه سماحة السيد رض حوارا بدون أحكام مسبقة أو قبلية معتبرا ألا ثوابت في الحوار على قاعدة "إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " ..أما عن "التعايش" فقد كان السيد يصل بمفهوم "التعايش" إلى أقصى تجلياته عندما كان يقول " نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيته" .

وفي إطار التسامح بين الأديان كان سماحة السيد رض يدعو المتدينين من كل الأديان السماوية إلى تشكيل جبهة الدين كله في مقابل الكفر كله ، ذلك أن الكفر كله قد برز للإيمان كله ، فعلى المؤمنين من كل الأديان أن ينخرطوا في جبهة عالمية للدين في مقابل اللادين .

س كيف كان يرى سماحة السيد محمد حسين فضل الله قدس سره اصحاب الدعاوي التكفيرية والفتنوية والتي تدعوا لتمزيق الامة الاسلامية ؟

ج- أتذكر أنه في إحدى المرات ، بمكتبه بدمشق كنت جالسا بجانبه ، فسألته عن موقفه من التقريب بين المذاهب الإسلامية ، فأجابني بما يشبه الهمس بأن المطلوب حقيقة الآن ليس هو التقريب بين المذاهب الإسلامية ، فهناك اتجاهات متباينة داخل البيت المذهبي الواحد : داخل البيت الشيعي وداخل البيت السني، حيث أن التكفيريون يوجدون في كل المذاهب ، ولذلك يجب على أهل كل مذهب أن يحسموا أمرهم في اتجاه مناهضة التكفير ومشاريع الفتنة ، ليتقارب في نهاية المطاف العقلاء من السنة والشيعة وليتم في المحصلة عزل التكفيريين في الفريقين .

كما أتذكر أنه قال لأحد أساتذة حوزة المرتضى ع التابعة له أنه يجب التصدي بقوة لكل دعاة الغلو والتكفير وأصحاب مشاريع الفتنة وعدم التساهل معهم ، ولو تطلب الأمر استعمال القوة وإنزال دعاة الفتنة والانقسام والغلو من المنبر ، وهو فعلا ما قام به ذلك الشيخ الأستاذ في مسجد بريف دمشق وأثار في حينه نقاشا بيننا حول ذلك .

عموما ، أعتقد أن سماحة السيد رض كان يؤمن بأهمية الحسم الداخلي مع التكفيريين والفتنويين قبل التوجه بخطاب الوحدة والتقريب إلى إخواننا أهل السنة ، كما أنه يجب على إخواننا العقلاء والمعتدلين من أهل السنة أن يحسموا داخليا ويحجموا حضور التيار التكفيري ويتموقفوا منه قبل أن يتوجهوا بخطاب الوحدة والتقريب إلى إخوانهم الشيعة ..كما يجب أن يكون هناك حزم في التصدي لكل مشاريع الفتنة وأنه لا ينبغي التمسك بوحدة الصف المذهبي لترك المتطرفين يعبثون بوحدة الصف الإسلامي العام.

س البعض يقول ان سماحة الشيخ عفيف النابلوسي سيصبح مرجعا خلفا للسيد محمد حسين فضل الله قدس سره فهل هذا صحيح ؟

ج- إن سماحة الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله عالم ذو مكانة متميزة في المشهد العلمائي بلبنان وله مواقف رسالية لا يمكن التغاضي عنها ، غير أن الحديث عن كون الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله سيكون هو المرجع الذي يخلف سماحة السيد رض غير دقيق ، وذلك لعدة اعتبارات أهمها :

أن المرجعية الدينية في الوسط الشيعي لا تتحدد من قبل أحد ويلزم بها المقلدون لاحقا ، بل هي اختيار طوعي جماعي لمجموعة كبيرة من المقلدين لأحد المجتهدين ممن يرون فيه أنه جامع لشرائط التقليد من الاجتهاد والعدالة والأعلمية على رأي مشهور الإمامية ..وتحت إلحاح هذه المجموعة وطلبها من ذلك المجتهد أن يتصدى للمرجعية ، آنذاك فقط يقرر ذلك المجتهد التصدي لذلك الأمر العظيم أو عدم ذلك .

كما أن خلافة موقع سماحة السيد رض ليست بالأمر الهين كما قد يتوقع الكثيرون ، ذلك لأن سماحة السيد رض كان بحق مدرسة فكرية متميزة ، وله مباني في الحديث والأصول والرجال ..كما أنه كان يملك رؤية حركية لدور المرجعية في مسيرة التغيير الاجتماعي ، ولهذا السبب مثلت الإنتاجات الفقهية لسماحته صدمة للواقع التقليدي ، وهو ما تجلى في رد الفعل القوي والعنيف اتجاه مرجعيته ، غير أنه مع مرور الوقت أصبح وسيصبح من الممكن قراءة فكر سماحته رض بعقل هادئ وروحية متزنة ، فكما يقول الإمام علي ع : " من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد " ، فالأقرب هنا ليست للدلالة المكانية فقط بل تشمل الأقربية في إطلاقها بما فيها الأقربية الزمانية ، فكثير من الأقربين زمانا ومكانا منك قد يتخذون موقفا مضادا لك ، لكن الله تعالى يهيئ لفكرتك التي تخلى عنها الأقربون أناسا أبعدين زمانا أو مكانا أو هما معا ، لأن الأقربين عادة ما يعيشون ضغط وجودك عليهم عاطفيا واجتماعيا ، فلا يفكرون فيما تطرح بل يتوجه فكرهم فقط إلى كيفية إزاحتك من طريقهم لأنك تمثل التحدي الأكبر لهم .

من هذا المنطلق ، فإنني أعتقد أنه بعد وفاة سماحة السيد رض ، فإن فكره سيخرق تلك الحجب التي حالت دون وعيه من قبل الأقربين ، فبمفعول قوة الزمن تتلاشى تلك الحجب لتستقبل الفكرة ، وهو عين ما كان يعبر عنه سماحة السيد رض قائلا : " إلغاء الحواجز الفكرية والنفسية مدخل لإطلاق الفكرة ، وإطلاق الفكرة مدخل لتنظيمها " .

لذلك ، أعتقد أن على تلك الطليعة المؤمنة بفكر ومشروع سماحة السيد رض أن تتجند لمرحلة "إطلاق الفكرة" ، تلك الفكرة التي حاول سماحته إيصالها ، فوجدت حواجز فكرية ونفسية عاقت تواصل الجمهور معها ، ولذلك كان سماحة السيد رض يعمل من أجل كسر تلك الحواجز بتأكيده على الحوار والتواصل .

وحيث أن خلافة الموقع الذي كان لسماحة السيد رض لا يقبل التوريث ولابد فيه من مراعاة عنصر الاستئمان على الخط الفكري والذي يستلزم بالضرورة أن يكون من يخلف السيد رض ينتمي إلى محيط تلاميذ سماحته رض بغض النظر إن كان ذلك التلميذ من أبنائه أو حتى من غير أبنائه .

وأستطيع القول أننا من الناحية الشرعية لا نعيش تحت ضغط الزمن على اعتبار أن البقاء على تقليد الميت جائز بحسب مشهور الإمامية ، بل وواجب إذا تعلق الأمر بعنوان الأعلمية ودار الأمر بين ميت أعلم من الأحياء ، فيتعين الوجوب على بقاء تقليده إلى حين بروز الأعلم منه في عالم الأحياء ، وهو ما أفتى به مؤخرا سماحة السيد علي السيستاني وأفتى به أيضا قبل ذلك سماحة السيد كاظم الحائري.. وبالتالي ، فنحن نعيش مرحلة انتقالية ، نحاول فيها أن نفسح المجال أمام كل تلاميذ سماحة السيد رض لكي يعبروا عن إمكاناتهم الفقهية والفكرية بشكل عام ، ولكي يعرفهم جمهور مقلدي سماحة السيد رض ، كما نعمل على الاستفادة من الزوال التدريجي للحواجز الفكرية والنفسية من خط سماحة السيد رض لنطلق من جديد أفكاره ونقدمها للجمهور ، كي نخلق حركية ثقافية تتجه بشكل تلقائي نحو الانتظام من خلال اختيار طوعي جماعي لأحد تلاميذ الراحل رض ليكون في موقع المرجعية الرشيدة

يتبع.