تشهد العديد من الدول العربية خروج مسيرات جماهيرية مطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي ففي ظل هذه الاحداث الساخنة يسعد موقع لعلاب الاخباري ان يستضيف احد المفكرين الاسلاميين في المغرب وهو سماحة السيد عصام احميدان فأهلا وسهلا بكم سماحة السيد في موقع لعلاب الاخباري
س سماحة السيد هل الشعب التونسي والمصري حقق ما كان يصبو اليه من مطالب ؟
من المعلوم أن الشعبين التونسي والمصري من خلال ثورتهما على الاستبداد استهدفا تدشين مرحلة جديدة من الحياة العامة للمواطنين تقوم على أساس رفض الحكم الفردي وقيام دولة المؤسسات ، والخروج من منطق الراعي والرعية إلى منطق تشاركي في تدبير الشأن العام .
إن قيام نظام ديموقراطي من خلال انتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها حكومة انتقالية أو وحدة وطنية كان هو مطلب الجماهير في تونس ومصر ..غير أن التحول الديمقراطي بهذين البلدين لم يتما بشكل سلس ، إنما عن طريق الحسم العسكري ..
ويلاحظ أن المؤسسة العسكرية في البلدين لم تكن ترغب في تطور جذري للإصلاحات ، لربما بسبب ضغوطات خارجية على المؤسسة العسكرية لحثها على حفظ المصالح الخارجية وعدم الإضرار بالتزمات واتفاقات محددة .
من هنا كان حرص المؤسسة العسكرية على رفض فكرة حكومة إنقاذ وطنية أو حكومة وحدة وطنية ، كما أنه تم التحرك سريعا على محور تعديل الدستور تحت إشراف الجيش كي لا يخرج الأمر إلى حد تغيير الدستور ، فيما يوحي أن الجيش في تونس ومصر يحاول أن يوفق بين مطالب الشعب ومطالب الخارج .
وخلاصة القول ، أن التغيير في كل من مصر وتونس لم يحقق كل أهداف الشعبين لكنه حقق تقدما نوعيا في مستوى الوعي والأداء السياسيين للشعبين وهو ما يمثل ضمانة لمواصلة العمل في سبيل انتزاع مكاسب جديدة .
س العديد من الفضائيات العربية حصرت المطالب الشعبية للمتظاهرين في تونس ومصر في المعيشة والخدمات الاجتماعية هل هذا يعد تواطؤا من قبل هذه الفضائيات تجاه المتظاهرين ؟
إن تصوير الشعوب على أنها لا تخرج إلا طلبا للخبز ، ولا تتحرك إلا تحت تأثير الجوع فيه كثير من الإجحاف ، ولعل الكثير من الأنظمة العربية تستحسن تصوير أي انتفاضة شعبية على أنها انتفاضة من أجل الخبز ، لأنه ليس في مصلحتها أن يقال أنها انتفاضات ضد الفساد السياسي ومن أجل تغيير نمط الحكم .
من هنا ، وبناء على تبعية قسم كبير من الإعلام للدول ، فإن الخطاب الرسمي يصبح هو المادة الأساسية التي يتم تصريفها ، فالإعلام الفرعوني شعاره " لا أريكم إلا ما أرى " وهو ما يتم عادة رفضه شعبيا ، إلا أن أنظمة الحكم تتغاضى عن ذلك ، وربما حملت المسؤولية لبعض أفراد النظام كي لا يتم تحميل كل النظام مسؤولية تردي الخطاب والأداء الإعلاميين ..فالمسألة تدور مدار الاستقلالية أكثر من أي شيء آخر .
س كيف تنظرون للتظاهرات الشعبية العارمة في الوطن العربي ؟
أعتقد أن هذه التظاهرات الشعبية جاءت للتعبير عن تجاوز حاجز الخوف والملل من الصور النمطية للأنظمة ، ورفض مجمل السياسات الداخلية والخارجية ..فقد ضرب الله مثلا للشعوب العربية بشعب تونس ، رغم قلة عدده وهيمنة الحزب الحاكم عليه ، وتحوير هويته الإسلامية والقومية ، لكي يبقى بلدا هويته هي اللاهوية من أجل جلب السياح واستقطاب الاستثمار وحصد التأييد الغربي .
من هنا ، أصبحت معظم الشعوب العربية تتحسس مكامن القوة لديها من جديد ، وتغير الظروف الموضوعية ، وإمكانية إسقاط جبروت الأنظمة في الشارع بالطرق السلمية .
وإني لأجد أن القيم الاجتماعية سوف تتغير كثيرا بفضل هذه الثورات ، فمن قيم الأنانية وتكريس شعار "أنا وبعدي الطوفان" أصبحنا نرى مواطنين يموتون من أجل أن يحيا غيرهم ، ويبذلون كل ما لديهم من أجل مستقبل أبنائهم ..فهذا تحول أساسي ومهم يجب أن يحظى بكل احترام .
س هناك دعوة من شباب مغاربة لمسيرة في 20 فبراير بصفتكم مفكرا شيعيا مغربيا هل انتم تؤيدون هذه المسيرة ؟
هناك رؤيتين لتحديد الموقف من هذه المسيرة : إما أننا سنحدد الموقف بناء على هوية أصحاب الدعوة للمسيرة ، وإما أننا سنحدد الموقف بناء على تدقيق الرؤية في طبيعة الشعارات والأهداف .
وإنني من الذين لا يهتمون كثيرا بهوية أصحاب الدعوة بقدر ما أهتم بنفس تلك الدعوة ومضامينها ، على طريقة الشاعر " أنظر إلى ما قيل لا من قال " .
وبالنظر إلى أن حق التظاهر السلمي شكل من أشكال التعبير الديموقراطي ، وما دام هؤلاء الشباب يطلبون إصلاح الأوضاع فما المانع من ذلك ؟ إنني لا أرى أي مشكلة في أن يطالب الناس بإصلاح شؤونهم العامة .
س كشيعة مغاربة ماهي مطالبكم من السلطات حول الاصلاحات في المغرب ؟
لا يمكنني الحديث باسم الشيعة المغاربة ، لكني يمكنني القول أن من حق الشيعة المغاربة أن يتم التعامل معهم وفق منطق إسلامي كمذهب إسلامي ، ووفق منطق وطني كمواطنين ، ليس من الدرجة الثانية بل كباقي المواطنين ..
من هنا ، يمكن القول أن على الشيعة المغاربة ألا يطالبوا بأهداف خاصة ، وأن ينخرطوا في المعركة الكبرى للديموقراطية وحقوق الإنسان ، كي لا يتم عزلهم اجتماعيا عن محيطهم ، وأيضا لأن تحقق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ستعني بالضرورة ضمان حقوق الشيعة المغاربة المدنية والسياسية .
س اكد وزير الاتصال السيد خالد الناصري يوم الثلاثاء بالرباط ان الحكومة تتعامل بانفتاح كبير مع المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشباب المغربي هل هذا التعامل يشمل اعطاء حرية الاعتقاد ؟
إنه لا يكفي في الإصلاح أن نتحدث عنه ، ولا يكفي في الانفتاح أيضا ذكره في التصريحات ، بل يجب أن تكون الأقوال مقرونة بأفعال ، لأن الناس أصبحت لا تصدق إلا ما هو على أرض الواقع ، أما الوعود والشعارات فقد سئمت الناس منها .
س ما هو موقفكم من بعض الاراء التي تقول ان الملك يسود ولا يحكم ؟
إن شكل الملكيات يتحدد دائما بحسب نوع الوعي والحركة السياسيين للمواطنين ، فحيث تكون هناك رغبة شعبية في تدبير الشأن العام وصنع القرار السياسي نكون أمام الحاجة إلى ملكية دستورية برلمانية .
وحيث نكون أمام نسب عالية من الأمية والتخلف وعدم وجود إرادة شعبية في صنع القرار السياسي ، فإن الحالة السياسية التي تمثل عنصر انسجام وتوازن هي الملكية المتدخلة .
ولذلك فإن الحكم على أن الشعب قد تطور في وعيه وأدائه السياسيين أم لا ، أو أنه يريد الملكية الدستورية والبرلمانية أم لا ..كل ذلك ، لا يمكن أن يتم من خلال تكهنات وتخمينات ..والمدخل الوحيد لتحديد ذلك هو الاستفتاء الشعبي لاختيار نمط الحكم الذي يريده الشعب .
س يشكك البعض في وطنية شيعة المغرب بصفتكم عالم دين هل موجود في عقيدة الشيعة انهم يكرهون اوطانهم ؟
أبدا ، إننا نعتقد أن حب الأوطان مظهر من مظاهر الإيمان ، ولا يمكن أن نقبل بأن يشكك في وطنيتنا أحد ، ومن يفعل ذلك ، فإنما يعبر عن رغبة دفينة في إقصاء هذا المكون من المشهد الديني ببلادنا ..ولا أفق للإقصاء والتهميش ، بل إننا اليوم أمام أعتاب عصر جديد ، هو عصر التغيير وانتصار إرادة المهمشين والمقصيين .
س بماذا توصون الشباب الذي سيخرج يوم الاحد 20 فبراير ؟
أوصي هؤلاء الشباب بأن يعملوا على أن تكون حركتهم سلمية وألا ينجرفوا إلى بعض أعمال العنف والتخريب للممتلكات العامة والخاصة ، وأن يراقبوا جيدا صفوفهم كي لا يندس بعض المخربين ، كي لا يتم تشويه هدف المسيرة وتحريف مسارها عما حدد لها .
كما أوصيهم بأن تكون شعاراتهم وطنية ولا تقصي أحدا ، وتراعي حالة التنوع في التكوين الثقافي والاجتماعي والسياسي المغربي ، وإلا ستصبح هذه المسيرة مسيرة تيار إيديولوجي بعينه ، مما سيجهضها بعد أن تنسحب باقي التيارات الأخرى .
س سماحة السيد هل تطمحون بالدخول للساحة السياسية ؟ ام تكتفون بالمطالبة بحرية الاعتقاد ؟
إنني لا أرى هناك تناقضا بين الدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والمطالبة بحرية الاعتقاد والتعبير ..فهذه الحرية هي مظهر من مظاهر الديمقراطية وحقوق الإنسان ..
أما أن نشارك في العمل السياسي ، فأعتقد أن هناك شروطا غير متوفرة في الساحة لذلك ، بسبب الحظر الذي مورس علينا عند تأسيس جمعية "أنوار المودة" بطنجة ، فمن يمنعنا من تأسيس جمعية ثقافية لا يمكن أن يقبل دخولنا للحياة السياسية .
لذلك ، فالشروط غير متوفرة لذلك ، ومتى ما تغيرت الظروف والإرادات ، آنذاك فقط يمكن أن نفكر في المشاركة على قاعدة المواطنة لا على قاعدة مذهبية أو دينية .
س هل لديكم رسالة للسلطات ؟
أرجو أن يتم التقاط الإشارات في التجربتين التونسية والمصرية بشكل صحيح ، وأن يتم استخلاص الدروس والعبر للمستقبل ، بحيث يتم استيعاب مطالب الناس والإنصات إليهم ، ولكي يسجل التاريخ أن السلطة فهمت لا على طريقة "الفهم المتأخر للرئيس السابق بن علي" ، والذي لا يجدي نفعا بعد فوات الأوان .
س ننتقل الى الوضع العربي هل اسرائيل ستسمح للمصريين بان يختاروا رئيسهم بشكل ديموقراطي ؟
إن مصر الآن هي محل تقاطع الإرادات ، وتعيش حالة من الشد والجذب على إيقاعات مطالب الشعب المصري بالتغيير وأيضا تحت تأثير الضغط الخارجي في اتجاه ضمان أمن "إسرائيل" .
ومن المتوقع أن تنشط حالة الاتصالات الأمريكية والإسرائيلية مع المؤسسة العسكرية المصرية لتأمين وضع "إسرائيل" خاصة في مستوى علاقة مصر بقطاع غزة وكذا الحدود المصرية الإسرائيلية وحركة النقل البحري على امتداد قناة السويس .
إن "إسرائيل" لن تسمح بقيام نظام ديموقراطي بمصر ، لأن الديموقراطية ستقود أعداء "إسرائيل" إلى سدة الحكم ، وهو ما لا يمكن أن تقبله "إسرائيل" ، وستسعى بكل جهدها لإفساد العرس الثوري للشعب المصري ..لكن الشعب المصري أيضا لن يقبل أن يتم سرقة ثورته وهو متيقظ من هذه الناحية ..
والمحصلة لكل ذلك ، هي أننا مفترق طرق وصراع إرادات ، سيحدد وجه ومستقبل مصر في العالم العربي ، وبين أن تظل في إطار الوظائف الأمنية ل "إسرائيل" إلى الوظائف القومية ل "العالم العربي" .
س يرى بعض المراقبين السياسيين ان خلع الرئيس مبارك بهذه الطريقة هو انتصار لمحور المقاومة برايكم هل ستتاثر جماعة 14 اذارفي لبنان بهذا التغيير؟ وماهو مستقبل المحكمة الدولية في قضية اغتيال الحريري ؟
إن التغيير الذي حصل في تونس ومصر على وجه الخصوص ، يمثل تحولا استراتيجيا في المنطقة ، حيث أن محور ما يسمى "الاعتدال" فقد نظامين منه ولم تستطع أمريكا وأوروبا فعل شيء لإنقاذ أنظمة وصفت بالأمس القريب أنها "حليفة" و "صديقة" .
وفي المقابل ، استطاع محور ما يطلق عليه : محور الممانعة أن يسقط حكومة سعد الحريري في لبنان ويقطع الطريق على تمويل وإقرار المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رفيق الحريري ..كما أن عودة "الإسلاميين" في تونس ومصر للعب دور قيادي من شأنه أن يعزز من موقع هذا المحور .
ولذلك ، فتيار 14 آذار هو تيار بحسب التحليل الاستراتيجي يقع خارج السياق التاريخي الذي صنعته اللحظة التاريخية للثورة التونسية وكذا المصرية ، ولا يمكنه الاستمرار ، إلا إذا قام بمراجعات شاملة لمواقفه وخط سيره ، وإلا فسيتعرض لاهتزازات كثيرة من الداخل تفقده القدرة على حشد الجمهور ضد حكومة "نجيب ميقاتي" .
نشكركم سماحة السيد عصام احميدان على اجوبتكم الكريمة.
اجرت الحوارحياة لعلاب
السبت 20 أغسطس 2022, 07:18 من طرف أسد الله الغالب 12
