في مقال نشر في جريدة الوطن المغربية عدد:40 بتاريخ/سبتمبر2004 ، كتب الأستاذ الفاضل : عبد النبي الشراط
في مقال سابق طالبت بإيجاد تنظيم خاص بالشيعة المغاربة على شكل حزب أو جمعية أو حركة ، وفي مقال لاحق طالبت المنتقدين للظاهرة الشيعية بالمغرب بمناقشة هادئة ووازنة وواعية ومدركة لكل الحقائق، والحقيقة أننا هنا في المغرب ننعم بحرية الرأي لم نعهدها من قبل، خاصة في ظل عهدنا الجديد، ويبدو.أن هناك صحوة تيارات...فالذين كانوا بالأمس في السجون والمعتقلات الرهيبة بسبب أراء أبدوها، أو أفكار دعوا إليها،أو مبادئ دافعوا عنها، يبدو الآن وكأنهم تنفسوا الصعداء، والذين كانوا لا يستطيعون مجرد الكلام، يتكلمون الآن ويكتبون بحرية...
لكن هذه التيارات التي صحت الآن وبدأت تتكلم تريد أن تخرس ألسنة الآخرين الذين لم يتكلمون بعد، ومازالوا ينتظرون دورهم في الكلام.
لدينا أيضا ما يمكن أن نسميه ب...صحوة صحافية، وإعلامية
فهناك العديد من المنابر الإعلامية تنشر غسيل كل الناس بدءا من ماسح الأحذية إلى الوزير،وحتى المؤسسة الملكية لم تسلم من النقد،وما كان محرما ومقدسا في الماضي بدا الآن مستحلا ومباحا.
مناسبة هذا الكلام أن بعض الصحف الأسبوعية قررت أن تطرق باب التشيع بالمغرب وكأن التشيع غريب عن هذه البلاد,والحقيقة أن التشيع هو الأصل الذي مازالت مظاهره بادية في سلوك المغاربة وتصرفاتهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ربما تغيرت الأسماء والمصطلحات لكن الأصل باق كما هو، كما كان صافيا عذبا، إنه التشبث بمذهب آل البيت عليهم السلام، أما المذاهب التي انتشرت فيما بعد فإن أسباب انتشارها بربوع البلاد،يعود إلى قرارات سياسية بالدرجة الأولى فالسلطة دائما هي التي تقرر، وتستعين في قراراتها ب<عملائها وشعرائها والصفوة المختارة من شعبها> و إلا لما تحولت إيران من دولة سنية خلال القرن (17)إلى دولة شيعية في عهد الصفويين، فالقرارات تأتي دائما من أعلى السلطات ويتقبلها الشعب تدريجيا راضيا أم كارها.
في تاريخ الدولة المغربية أيضا قامت حركة<الخوارج البرابرة> الذين خرجوا على المولى إدريس الثاني نفسه، لكن حركتهم لم تعمر طويلا، والمولى إدريس الثاني أيضا بالرغم من شيعيته كان يميل ميلا شديدا إلى مذهب الإمام الأوزاعي، أما المذهب المالكي فما كان له أن ينتشر بالمغرب الإسلامي لولا أن مالكا كان يلقب في الحجاز بإمام دار الهجرة، ولأن المغاربة منذ إسلامهم متعلقون دوما بالعترة الطاهرة فإن احتضانهم لمذهب مالك لا يخرج عن هذا السياق.
إننا نقرأ أحيانا في صحافتنا ومطبوعاتنا كلاما يركز كثيرا على قضية المذهب وكأن المذهب ،أي مذهب هو لب العقيدة نقرأ على سبيل المثال:
<أن المغاربة يدينون بمذهب مالك والعقيدة الأشعرية> وليتصور العقلاء معي هذا الكلام، المذهب تساوى بالدين، والنظرية تساوت بالعقيدة، وما كان للمسلمين (في المغرب أو المشرق) أن يقدسوا المذاهب والنظريات المتصلة بها، فهناك القرآن الكريم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد"وهناك أقوال المصطفى الأكرم والنبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته،وأحاديثه الشريفة التي وصلتنا بالتواتر وعن طريق المجتهدين من الأمة الذين توفرت فيهم الشروط فمحصوا هذه الأحاديث والأقوال النبوية(أو المنسوبة للنبي صلى الله عليه واله) فثبتوا منها ما وجب إثباته وضعفوا منها ما وجب إضعافه، والإمام مالكا رحمه الله قال في هذا الموضوع قولته الشهيرة التي يحفظها الشيعة والسنة سواءً بسواء،قال: كل الكلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر..(وأشار بيده إلى قبر النبي الأكرم صلى الله عليه واله.
ما لنا وهذه الضجة التي أثيرت اليوم؟ إن المذهب المالكي ليس ركنا من أركان الإسلام الخمس ،وبتالي يجوز لأي مسلم أن يتعبد بأي مذهب اقتنع به ورآه موافقا للعقل والنقل، إن مصطلح العقيدة الأشعرية خطير جدا،فالعقيدة يجب أن تكون إسلامية أولا وأخيرا، إننا نقول دين محمد ، ومن ثم فلا يصح أن ننسب العقيدة لأشخاص أو تيارات مهما بلغت درجة اجتهاداتهم.
إنني آمل أن تتسع الصدور الضيقة لتقبل آراء الآخرين والتعامل معها على أنها آراء/أو معتقدات وألا يتعاملوا معها كشرطة أخلاق، والذين يريدون أو يسعون إلى اختلاق ضجة ما، عليهم أن يقيموا الدليل، وبدل أن ينبشوا فيما يمكن أن يخلق فتنة بين المسلمين،عليهم أن يقلبوا صفحات التاريخ،بدءا من اجتماع السقيفة ومرورا بما تبعها من أحداث، ليقفوا بعدها عند محطة <<الأمويين>>الذين أقاموا دولتهم على أطلال الجثث والرؤوس وسفك الدماء، وكانت الدماء، التي أفاضوها دائما دماءً مؤمنة تتصل بدم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وجاء بعدهم العباسيين الذين اتبعوا نفس الطريق وكان المطلوبون دوما هم شيعة آل محمد،وكان المستهدفون أبدا هم أتباع النبوة وحفظة الرسالة وإلا اسألوا المولى إدريس الأكبر في ضريحه بمدينة زرهون المغربية،من الذي أخرجه من العراق ومن الذي دله على أرض المغرب وكيف تم استقباله هنا من طرف قبائل الأمازيغ الشرفاء، وكيف كانت نهايته على يد عميل مأجور للخليفة العباسي هارون الرشيد.
إن التشيع في المغرب ليس ظاهرة عابرة بل التشيع هو الحقيقة المؤكدة،لكن توالي الأحداث والتقلبات السياسية هي التي كانت وراء خفوت التشيع بهذا البلد،
وأعتقد أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار لمذهب آل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
إذا كنا نتمتع بالحرية حقيقية كما نسمع، فمن الواجب أن يتمتع بها الجميع وإذا كانت الحرية مكفولة للآخرين فيجب أن يكون لأتباع مذهب آل البيت نصيب منها.
كل التيارات الآن تعبر عن رؤاها بحرية، حتى التيارات المغمورة بدأت تتكتل وتصنع الضجيج حولها، وحتى الذين كانوا بالأمس ممنوعين من الكلام وموضوعين وراء الجدران أو تحتها ،يتحدثون الأن بحرية،ونحن نبارك ذلك ونثني عليه،والذين كانوا ضد الملكية أصبحوا اليوم معها، وهذا مكسب لنا أيضا،وهؤلاء جميعا استلموا من الدولة أموالا مقابل سنوات سجنهم،وسموها تعويضات نفسية،بدنية،وبدون أن ندخل في أحقيتهم لهذه الأموال التي سددت لهم من مال الشعب الفقير المسكين الذي كانوا بالأمس يدافعون عنه، فإن الشيعة الذين تعرضوا للظلم والاضطهاد منذ مئات السنين لم يطالبوا الأنظمة التي قهرتهم بأي تعويضات،والشيعة المغاربة تحديدا لن يطالبوا الدولة ومؤسساتها بدفع تعويضات أيضا،لأنهم يرجون الأجر من الله وحده.
كما أن الشيعة المغاربة،وبسبب حُبِّهِم المطلق لآل البيت وأحفادهم،ما كانوا ضد قوانين بلدهم،وإذا كان الشيعة المغاربة أو بعضهم يخفون تشيعهم اليوم، فإنما يرجع ذلك إلى تخوفهم من مثل هذه الشوشرات المثارة حاليا على أعمدة بعض الصحف.
إذا كان ليس من حقي أن أتحدث نيابة عن الشيعة المغاربة أجمعين فإنني أعتقد أن المنتسبين لمذهب آل البيت هم أحرص الناس على أمن بلدهم وتقدمها وازدهارها واستقرارها، وبالتالي فهم حريصون على مجادلة الآخرين بالكلمة الطيبة وإتباع أحسن الكلام.
(فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)